ثورة "25 يناير"، حدث جلل توقف عنده العالم مهتما محللا متابعا وفخورا، علي مستوي تاريخ مصر اعتبرها البعض أهم حدث تاريخي لمصر في العصر الحديث، بل ربما بالغ البعض الآخر في تقديمها في الأهمية علي ثورة يوليو 1952، تميزت عن الثورات التقليدية بأدواتها التكنولوجية التي فاجأ بها الشباب النظام والعالم كله مثل الفيس بوك والتويتر وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي، التي نجحت في حشد ما لا يحلم به أكبر أحزاب العالم تنظيما. بالطبع سيكون لهذا التميز والمغايرة انعكاس علي منجزات هذه الثورة الثقافية، وأحد هذه المنجزات وأهمها طريقة تناول وتوثيق هذه الثورة تاريخيا، والمصادر الأساسية التي سيعتمد عليها المؤرخون. وهو ما فجر السؤال: كيف سيكتب المؤرخون ثورة "25 يناير"؟ "الثورة" فعل استثنائي يكسر القيود في تعامله مع الأشياء، ورصد تاريخ المرحلة الثورية أحد تجليات هذه الثورة، تترك عليه آثارها، من حيث طريقة كتابة هذا التاريخ، طبيعة أدوات المؤرخ الذي يتصدي له، والأهم من هذا هو تحديد "الزمن" متي تبدأ كتابة التاريخ؟ حملنا هذه الأسئلة وطرحناها علي عدد من المؤرخين من مدارس مختلفة، في محاولة للوصول لأقرب إجابة، فقال المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي، وهو من المدرسة التاريخية المصرية الكلاسيكية، اهتم باستعراض عام للأسباب التي أدت لرفع شعار "الحرية والعدالة الاجتماعية"، قائلا: "عند تناول الثورة تاريخيا، سيكون أول ما نبدأ به استعراض الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مصر منذ منتصف السبعينيات، تحديدا منذ بدأت سياسة الانفتاح والخصخصة والمصالحة مع إسرائيل. وعلل عاصم البدء من هذه النقطة قائلا: برنامج الخصخصة أدي لرفع يد الدولة عن مسئوليتها الاجتماعية في تعليم المصريين وتوظيفهم، وتركتهم لآلية العرض والطلب، التي يتميز بها السوق الرأسمالي، دون أن تتوفر في مصر الشروط الطبيعية لنمو هذا النظام، وأعني بها التوازن بين العمل ورأس المال، وذلك لأننا أصبحنا أمام حكم "أصحاب المال" وليس "رأس المال"، فالنظام الرأسمالي يتحكم فيه رأس المال، لكن الذين يعملون ولا يملكون يدافعون عن أنفسهم أمام سيطرة رأس المال عن طريق تكوين النقابات أو الجمعيات الحرة، وهؤلاء يقومون بالضغوط اللازمة لإرغام رأس المال للاستجابة لمطالبهم، عن طريق التهديد بالإضراب، فهذا النظام ناجح في أوروبا وأمريكا للتوازن ما بين العام والخاص. بالنظر إلي التجربة المصرية، سنجد أن السادات أعلن سياسة الانفتاح الاقتصادي والأخذ بنظام الاقتصاد الحر دون السماح بحرية العمل النقابي وحرية الأحزاب وحق التظاهر، وتبعه علي نفس النهج مبارك، فكانت النتيجة السريعة لهذا التحول متمثلة في مظاهرات 17 و18 يناير 1977، احتجاجا علي رفع الدعم عن السلع الرئيسية. إضافة إلي الالتفاف علي مجانية التعليم باختراع نظام "الانتساب الموجه" عام 1992، كذلك إنشاء الجامعات الخاصة برسوم عالية أفقدت الناس الرغبة في التعلم، ولم يعد التعليم وسيلة للحراك الاجتماعي نتيجة انتشار الفساد ومنهج المحسوبية والوساطة. فهذا هو المدخل، الذي يفسر شعار "العدالة والحرية" ، اضافة إلي أن حزبا واحدا ظل يحتكر السلطة وهو الحزب الوطني الديمقراطي ويصل للحكم بالتزوير. ما سبق هو ما قبل ثورة "25يناير" ومصادرها متوافرة، ولكن لكتابة الثورة نفسها، لابد من أن كل من شارك بالثورة أن يكتب شهادة عنها، المصدر الثاني التقارير الصحفية، المصدر الثالث التقارير الأمنية، المصدر الرابع وهو المهم التقارير التي يرسلها سفراء الدول لحكوماتهم كمساعدة في تكوين وجهة نظر عن الحدث، إضافة إلي الصور الفوتوغرافية ويقوم الباحث بدراسة هذه المصادر اعتمادا علي منهج "نقد النص" وصولا للحقيقة، فالتاريخ يكتب حين تنتهي السياسة. الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، كانت له رؤية معاصرة تتناسب وطبيعة التغيير الذي طرأ علي المجتمع المصري، أدت إلي تغيير أسلوبه في التعبير عن نفسه، وهو ما تحدث عنه قائلا: "تغيرت حركة كتابة التاريخ في خلال العشرين عاما الماضية، فحتي الوثائق الرسمية لم تعد هي الوثيقة التي تعلن بالصحف، كذلك وثائق ويكيليكس والفضائح، أيضا تطوير الخطب واللقاءات لعبد الناصر والسادات وتحليلها، كل هذا تغير، مما استلزم أن يتغير المؤرخ هو الآخر من حيث وسائله ومصادره، ثورة "25 يناير" هي الأكثر صعوبة، فمثلا إذا تم الاستعانة بجريدتي "الأهرام" و"الأخبار" لن نجد ثورة، وأيضا تعدد الرؤي ووجهات النظر الرسمية وغير الرسمية، كذلك وثائق السفارات فالسفارة الأمريكية كانت سريعة جدا يليها الفرنسية والإنجليزية. كما أنه لابد من الجلوس مع عمر سليمان وأحمد شفيق لمعرفة الكواليس في الأيام الأخيرة للرئيس المخلوع "مبارك"، ومهم جدا الدكتور حسام بدراوي لأنه هو آخر من رأي مبارك في آخر ثلاثة أيام قبل التنحي، كذلك يوميات الشباب بميادين التحرير وفي السويس والإسكندرية، فلا بد من جمع المادة من الآن". من خلال إجابته ألح سؤال يخص المدرسة التاريخية المصرية الحالية، ومدي جاهزيتها لذلك، ومدي احتياجها لتغييرات تواكب الأحداث المعيشة؟ فقال عفيفي : "أتصور أنه ستحدث تغيرات عميقة في طرق التناول للتاريخ، خاصة أن تاريخ الزعامات قد انتهي، بالتالي المنهج القديم وهو كتابة الثورة من خلال الزعيم مثل ثورة عرابي ويوليو 1952، وهو ما اعتمدت عليه المدرسة التاريخية القديمة سوف يتغير بشدة مع ثورة "25 يناير" لأنها بلا زعيم فالزعيم الحقيقي هو "الشعب" ، وهو ما لم تتعود عليه المدرسة التاريخية، لذا عليها أن تغير المنهج بشدة مما سيوجد حالة تنافسية وسيفرز أكثر من مؤرخ جيد". في رد متوازن ما بين الأسلوب التقليدي للتأريخ وما ينبغي أن يكون عليه تبعا للتغيرات الحالية، يقول الدكتور أحمد زكريا الشلق استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس: "المواقع الإليكترونية هي وثائق يؤخذ بها، لكنها تخضع فيما بعد للمقارنة والتحليل، أي يطبق عليها منهج النقد التاريخي". أيضا الصحف وما بها من أخبار وهي زاوية، والزاوية الأخري هي مقالات الرأي والتحليل للحدث، هاتان هامتان جدا، أيضا المنشورات للهيئات المعنية مثل ائتلافات الشباب المختلفة وما أصدرته من بيانات وكذلك المجلس العسكري، فمادة ثورة "25 يناير" مهولة جدا ومتشعبة للغاية، ويصعب أن يعمل عليها مؤرخ واحد فقط، فحسب علمي أن الجامعة الأمريكية تقوم الآن بعمل توثيق للثورة عن طريق جهاز عمل كامل. أيضا الكتابات الأدبية التي صدرت، وأنا بشكل شخصي أميل لها عادة، لأن بها وثائق هامة، فالأدب الجيد في حالة صدام مع الواقع وهو مرآة للعصر، وعادة ما يكون أدبًا تحريضيا، فلابد من تطوير الأداء والمعالجة وأسلوب الكتابة التي تقترب من الأسلوب الصحفي الرشيق، لكن أسس المنهج واحدة وهي: البحث عن الحقيقة من مصادرها الأصلية، ونقدها، وتفسيرها. أما الدكتور إيمان عامر أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة أكدت أن الرؤية لاتزال ضبابية بالتالي يصعب كتابة التاريخ الآن، إنما حددت شكلاً آخر لدور المؤرخ قائلة: "علينا أن نرصد أحداث الثورة، من خلال مصادرها المختلفة والمتنوعة، التي تعد من متغيرات العصر كالمدونات والشبكات الإليكترونية، وجمع الشهادات من شهود العصر، من المهم الشيخ حافظ سلامة في المقاومة الشعبية بالسويس. كذلك المواد الصحفية الخبرية والمقالات، والتي أؤمن بها -بشكل شخصي- كمصدر تاريخي مهم جدا للمؤرخ ولن يموت مطلقا.