مع دخول دونالد ترامب البيت الأبيض غدا ليتسلم مهام منصبه رئيسا للولايات المتحدة، تتوالى التساؤلات عن سياساته تجاه مناطق ودول العالم، وهل يحدث تغييرا فيما اعتادته الدول الأخرى من توجهات للسياسة الخارجية، أم يلتزم بالقواعد الثابتة والتى تعتبر دائما مرجعا للسياسة الخارجية الأمريكية، والتى لايختلف موقف أى رئيس منها عن غيره، وإن تميز أداء كل رئيس بقدر من المرونة يعبر عن شخصيته وعن تفكيره. والسبب فى كثرة هذه التساؤلات، التى لم يسبق أن أحاطت بتولى رئيس أمريكى جديد منصبه أن هناك تناقضا بين فكرتين أساسيتين، أولاهما ماهو معروف عن كون الولاياتالمتحدة دولة مؤسسات، لها أفكار وإستراتيجية يتحرك أى رئيس فى محيطها دون أن يخرج عنها، والثانية تتعلق بكون ترامب شخصية متمردة، رافضة لسياسات من سبقوه، وآخرهم باراك أوباما الذى إتهمه بالفشل فى كل سياساته، سواء الداخلية أو الخارجية.بالإضافة إلى هجومه الذى لم يتوقف على النخبة من أصحاب النفوذ على سياسات أمريكا الخارجية، وهى النخبة التى تعبر عن معنى دولة المؤسسات، وجميع أعضائها يتصرفون حسب المرجعيات الأساسية للدولة الأمريكية فيما يتعلق بهيمنة صورتها «قائد العالم». ونلاحظ أن من اختارهم ترامب جميعا للمناصب الرئيسية، مثل وزراء الدفاع والخارجية والعدل وغيرهم من خارج النخبة، وكثير منهم لم يمارسوا العمل السياسى بمعناه الاحترافى، وهم من رجال الأعمال الذين وصفهم ترامب بأنه إختارهم لأنهم ناجحون دائما. ثم إن النخبة إذا كان لها نفوذها المعروف فى السياسة الخارجية، فإن المخابرات المركزية هى أيضا جزء من أدوات إدارة هذه السياسة، نلاحظ أنها أيضا لم تسلم من هجومه عليها، واتهامه لها بالترويج لمعلومات زائفة وغير حقيقية، ثم إن ترامب نفسه جاء من خارج المؤسسات السياسية التقليدية صاحبة النفوذ فى إدارة السياسة الخارجية.
وجاء إنتخاب ترامب تلبية لرغبة عدد كبير من المواطنين فى اختيار رئيس من خارج هذه المؤسسات، وكانت نسبة المؤيدين لذلك التوجه، حسب استطلاعات الرأى، 61% مقابل 31 % فقط يريدون رئيسا سياسيا. لكن هناك جانبا آخر لايمكن تجاهله فى دولة كبرى كالولاياتالمتحدة، وهو مسألة إعادة ترتيب الأولويات، مع مجىء كل رئيس جديد تبعا لعملية مراجعة تتم للواقع الدولى، وماحدث فيه من تغييرات تظهر ملامحها مع بداية حكم الرئيس الجديد، وهذه التغييرات تمثل التحديات الأساسية للأمن القومى للدولة. فعلاقة الولاياتالمتحدة بالحلفاء والأصدقاء والخصوم تحتاج من فترة إلى فترة إعادة نظر فى هذه العلاقات، وأى قرارات تتخذ فى هذا الشأن تتم خلال الاجتماعات التى تعقد فى الأيام الأولى بعد دخول الرئيس الجديد البيت الأبيض والتى يشارك فيها مسئولو مجلس الأمن القومى، والقيادات العسكرية فى البنتاجون، ومسئولو وكالة المخابرات المركزية التى تتابع ساعة بساعة التحديات الموجودة والمحتملة. لكن يبدو أن هناك مؤشرات أولية تشير إلى طريقة ترامب فى إدارة سياسته الخارجية، منها ميله للدبلوماسية الشخصية بالتعامل المباشر مع رؤساء دول أخرى.. ولعل من أهم دوافعه فى هذا الإتجاه، أنه يضع الحرب على داعش والمنظمات الإرهابية على قمة أولوياته، ولهذا جاء تقديره لمصر فى مواجهتها للإرهاب وأيضا للتعاون بين الولاياتالمتحدة وروسيا فى مكافحة الإرهاب فى العالم. ماكشف أيضا عن توجهاته مطالبته حلفاء أمريكا بأن يتحملوا مسئوليتهم فى تكلفة وتمويل الدور الذى تقوم به الولاياتالمتحدة فى الدفاع عن أمنهم. وكان صريحا فى ذلك عندما تحدث عن دول حلف الأطلنطى، وما أشار إليه بأن الحلف أصبح كيانا يرتبط بأوضاع تنتمى إلى الماضى، وكذلك حين تحدث عن ضغوط على الاقتصاد الأمريكى نتيجة سياسات دول صاعدة وقوى منافسة، وظهر أنه قد يميل إلى استخدام الضغوط على دول يرى من وجهة نظره أن سياساتها التجارية تضر بمصالح بلاده، وهو ما ظهر من ضغوطه على الصين بعد اتصاله برئيس تايوان، وقوله إن مبدأ الصين الواحدة التى تضم أيضا تايوان قد يتبدل إذا لم تغير الصين ممارساتها بشأن التجارة.