بين أول إنتاج لعرض الرقص المعاصر لفرقة الرقص الحديث بالأوبرا «الفيل الأزرق» في نسخته الأولى في 2014 ونسخته الحالية في 2017 ثلاث سنوات عمل خلالها المخرج ومصمم الرقصات مناضل عنتر على تطوير عرضه وتكثيفه دراميا وحركيا. في كل مرة يتم إعادة العرض المأخوذ عن الرواية الشهيرة بنفس الاسم لأحمد مراد، التي قدمت كذلك في فيلم سينمائي شهير لمروان حامد تتغير بعض ملامح العرض. يسعى المخرج ومصمم الرقص إلى اختزال التفاصيل والتركيز على الحركة وتطوير تشكيلاتها ولهذا ينجح دائما في جذب جمهوره وإثارة دهشته. في نسخته الأولى في 2014 اعتمد عنتر على الدمج بين الرقص والمشاهد التمثيلية ولجا إلى الحوار الدرامي بين الشخصيات الأساسية حتى يقترب أكثر من المشاهد.. وقدم الشخصيتين الرئيسيتين من خلال الأداء الدرامي والحركي معا، فأصبح لكل شخصية منهما راقص وممثل. كما انه سعى إلى استخدام الفيديو بروجكتور ولتصوير المحاورات بين الشخصيات، لكن دائما وآبدا يتفوق عنصر الرقص بتشكيلاته المبتكرة وتعبيراته الموحية على المشاهد المسرحية المطولة. في نسخته المطورة في 2015 والتي فاز عنها عنتر بجائزة احسن استعراض بالمهرجان القومي للمسرح المصري، عدل عنتر الكثير في عرضه ولجأ إلى اختزال المشاهد التمثيلية والسينمائية مكتفيا ببعض الجمل الحوارية المحدودة جدا فالرقص هنا هو البطل الرئيسي. وما يقدمه عنتر اليوم يعد اكثر تكثيفا وتلخيصا للعرض. فالمخرج لا يعتمد هنا على معرفة الجمهور بالرواية الأصلية رغم شهرتها الواسعة. ويتضح جليا من خلال مشاهد العرض الراقصة الصراع الداخلي للإنسان بينه وبين عقله الباطن وكذلك الصراع الحاد بين العالم السفلي للجن والإنسان. كما يظهر كذلك النزاع بين عاطفة الحب والسيطرة، ففي معظم المشاهد يبدع الراقصون (عمرو البطريق في دور الجن ومحمد عبد العزيز في دور الطبيب ومحمد سيد في دور المتهم وايمي رزيق في دور الضحية و رشا الوكيل في دور الحبيبة) في أداء مشاهد حركية مركبة توحي بمراحل العنف والخضوع والشهوة والعاطفة.. وكعادته فإن مناضل عنتر يبتكر ويبدع في تصميم الرقصات الثنائية والثلاثية ذات الدلالات الغنية تصاحبها أغاني الظافر يوسف، والشيخ برين وموسيقى الغناوة ومقتطفات من الموسيقى التصويرية التي وضعها هشام نزيه للفيلم الأصلي. كما أن الديكور ذو المستويين والإضاءة المبتكرة لعمرو الأشرف ساهما في تكوين صورة بصرية مختلفة ومميزة تنقلنا بسهولة من الواقع إلى العالم المتخيل. يقدم العرض مساء اليوم بمسرح الجمهورية بالقاهرة ويعاد عرضه بمسرح أوبرا سيد درويش بالإسكندرية في مارس القادم.