عرض "مولانا" الذي افتتحت به فرقة الرقص المسرحي الحديث موسمها الجديد علي مسرح الجمهورية من العروض التي تستحق إلقاء الضوء عليها ليس فقط لأنه إنتاج جديد لدار الأوبرا ولكن لأنه لأول مرة منذ تأسيس هذه الفرقة نشاهد عملا يتم فيه التعبير عن عمل أدبي بلغة هذا الفن الحديث. فرقة الرقص المسرحي الحديث تابعة لدار الأوبرا وتأسست في بداية التسعينيات علي يد الفنان اللبناني الموهوب وليد عوني الذي قدم لهذه الفرقة أكثر من 15 عملا أكتسب من خلالهم ثقة الجمهور الذي كان يستمتع في هذه العروض برؤية بصرية وفكر تصميمي راق ووجهة نظر. وأداء ماهر من الراقصين والراقصات وكان ذلك في إطار التقاليد العالمية الخاصة بهذا الفن والتي تتخلص في التعبير عن الفكرة بالحركة الجسدية والديكور والإضاءة والأزياء والإكسسوار وكل هذا يتم توظيفة في نسيج واحد متكامل. ومبدع هذا العمل "مناضل عنتر" كان أحد راقصي هذه الفرقة تتلمذ علي يد عوني وله تجارب في التصميم الحركي حيث شارك في مهرجانات الرقص التي كانت تقيمها الأوبرا سنويا ومنذ ان تولي إدارة الفرقة صمم عدة عروض .. وعنتر من خريجي المعهد العالي للباليه وحاصل علي دراسات من قسم التصميم والإخراج بذات المعهد. والعرض الذي نحن بصدده يعد تعبيرا حركيا عن رواية "مولانا" احدث إبداعات الكاتب والزميل الصحفي إبراهيم عيسي والذي يتناول من خلالها ظاهرة بعض شيوخ الفضائيات التي انتشرت في العالم العربي في السنوات الأخيرة . حيث يكشف لنا العالم الخفي لهؤلاء الشيوخ . والعلاقات التي تربطهم بأجهزة الأمن والساسة ورجال الأعمال وتوضح كيف يساء استخدام الدين والشخصية المحورية فيها الداعية حاتم الشناوي الملقب ب " مولانا" وهو نموذج لداعية مرن ومرح يراعي الظروف ومتطلبات العصر والرواية غنية بالأحداث والشخصيات الجوهرية وبها عدة خطوط درامية تمثل مادة خصبة للتعبير عنها بلغات فنية أخري ولهذا أري أن مناضل عنتر جاء موفقا وذكيا في اختيارها.. " ثراء درامي" العمل تكون من 13 مشهداً ومن خلالها تناول عنتر معظم الشخصيات الرئيسية في الرواية منهم "والد حاتم والمتصوف وحسن من بيت السلطة وفتاة الإعلانات التي تغوي حاتم" وأيضا ركز علي أهم الأحداث الجوهرية من خلال الحركة الجسدية لغته الأساسية في هذا العمل والتي تفوق في معظمها واتضح انه يمتلك موهبة وحرفية صحيح لم يقدم وجهة نظر ولكنه عبر عن العمل والتفوق الحقيقي نلمحه في الرقصات الفردية ووصل للقمة في بعض الرقصات الثنائية التي حملت فكرا تصميميا جيدا مثل مشهد الداعية وظله وحركة اليد المتكررة بشكل ابتكاري جديد ايضا في مشهد تأثير الشيخ علي العقول بحركة خيوط الماريونيت هنا جاء تصميمها جيدا وتم توظيفة في العمل بالرغم انها ليست حركة جديدة وأيضا رقصة حسن الذي يريد التنصر ومحاولة اقناعة من قبل الشيخ حاتم كانت من أقوي المشاهد الحركية ومن هنا أجد أن مناضل عنتر اثبت نفسه كمصمم رقصات فقط لاغير حيث أن اللغة الوحيدة التي استعملها كانت لغة الحركة التي أعترف أنه نجح فيها ويجب تشجيعه عليها ولكن ما أضعف هذه اللغة تماما إعتماده علي لغة الخطاب المسرحي بداية من الراوي الذي يطل علينا من حين لآخر ثم الاكتفاء به في مشهد الختام وكأنني في مسرحية الحوار هو العنصر الرئيسي فيها حيث توقف تماما عن استعمال لغته الحركية التي استخدمها طوال العرض. مناضل عنتر قدم نفسه في الكتيب الاسترشادي للعمل أنه مخرج العرض ولهذا لابد ان ندخل في تقييمنا هذه الصفة التي للأسف لم ألاحظها طوال هذا العرض لأن المخرج في عروض الرقص المسرحي الحديث تتعدد أدواته التي يعبر بها عن الفكرة ليقدم لي رؤية بصرية مكتملة وهنا لم يحدث. فالديكور تقليدي وممل لم يتغير طوال العرض ولم يتم توظيفه علي الإطلاق ولم نجده مرتبطا بالحركة وهذا أيضا كان حال الإضاءة والأ زياء أما الموسيقي فحدث ولاحرج مجرد أغاني صوفية بلغات مختلفة لاتعبر عن الحركة علي المسرح وكان نتيجة كل هذا عرضا مفككا يفتقر أدوات التعبير التي يجب أن تربطه والتي دائما هي ميزات هذا الفن الجديد والتي تجعله يختلف عن فنون المسرح الأخري بل العكس نجد الأعمال المسرحية الحالية تقتبس منه لتدخل من خلاله لعالم الحداثة ولكن ما يثير الدهشة انه هنا تخلي عنها .. ورغم تفوق عنتر في لغة الحركة مازال مثل زملائه الذي اتيح لي رؤية اعمالهم نقطة الضعف لديه ولديهم هي الرقصات الجماعية وتكوينها الحركي علي المسرح والتي ما زال في يحتاج فيها إلي تدريب أما العناصر الأخري يحتاج فيها لثقافة تشكيلية تجعله يستخدم كل عناصر هذا الفن ليعبر عن فكرتة برؤية بصرية تجعل مشاهدة العرض متكاملة ومتعة للمشاهد خاصة أنه كما سبق ان ذكرت الرواية التي تناولها ثرية بالتفاصيل والخطوط الدرامية.. اما الأداء فقد تفوق الراقصون الرجال الذين يستحقون كل التحية حيث حافظوا علي مستواهم الذي تعودنا عليه من هذه الفرقة وكانت لياقتهم عالية وأداؤهم يتميز بحرفية تؤكد حرصهم علي التدريب بعكس أداء البنات الذي جاء بعيدا عن الاحتراف وسييئا في الشكل والحركة والوقفة علي المسرح باستثناء راقصة أو راقصتين. وأخيرا رغم سلبيات العمل إلا أنه من الأعمال الجادة التي يستحق مبدعها مناضل عنتر التشجيع حيث يمتلك الموهبة والفكر التصميمي الذي يميل للابتكار والذي أري أنه مع الخبرة والثقافة سوف تنضج تجربتة ونكسب فنانا مصريا يمثل إضافة لهذا الفن الحديث.