لا أخفى ما سمعت فى عدد من العواصم والمدن العالمية الكبرى فى الشهرين الماضيين من عام مقبل صعب ينتظرنا جميعا،ً سواء على المستوى الاقليمى أو الدولي. يرى خبراء فى الشئون المصرية والعربية والدولية أن حالة عدم الاستقرار وعدم رغبة الأطراف الفاعلة فى الوضع الاقليمى المضطرب فى الوصول الى حلول بشأن أزمات مؤلمة مثل الحرب فى سوريا أو اليمن أو ليبيا سيؤدى الى مد أجل تلك الأزمات الى ما بعد 2017. أثناء انتخابات الرئاسة الأمريكية، لم تكن الأجواء فى واشنطن أو نيويورك تنبيء أن هناك فى الدوائر الأمريكية من يملك رؤية جديدة للشرق الأوسط، ولم يكن فوز دونالد ترامب بالرئاسة مفاجئا الا لمن صدق وسائل الاعلام التقليدية التى تملك أجندة خاصة تشكل بها الأولويات وتلون بها القصص الخبرية وهو ما يدعونى الى القول ان صحفا ومحطات تليفزيونية ستظل على حالها فى التغطيات المنحازة والمبتورة عند التعامل مع الحالة فى الشرق الأوسط، فتلك وسائل اعلامية لا تعرف الهزيمة وتخسر جولة ثم تعاود الكرة من جديد، ومن ثم ستكون الحرب على أشدها بين ترامب وصحف وقنوات فى الولاياتالمتحدة وخارجها. فى القارة الأوروبية أيضا، يشارك الكثيرون نظراءهم الأمريكيين فى التشاؤم من المستقبل القريب ويرون أن حجم المخاطر التى شكلها عام 2016 بالنسبة للمواطن العادى فى أوروبا لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية وهو ما أطلق بدوره موجة من التغيير السياسى العميق فى دول رئيسية مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والدور على ألمانيا فى العام الجديد. فى افتتاحية عدد نهاية العام من مجلة «الايكونومست» البريطانية تشير تحت عنوان «حلم العقل» الى أنه بعد انقضاء 2016 السؤال هل الحلم مازال ممكناً فى قدرة النظام الليبرالى الدولى على اصلاح نفسه؟ تعرب المجلة الشهيرة عن تشاؤمها وهو موقفها بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وانتخاب ترامب وتراهما حدثين مكلفين ويحملان مخاطر ثم تقول إن المزيج الخطر اليوم يتمثل فى خليط «صعود القوميات» وبهيمنة الشركات العملاقة على القرار «السياسي» و«السخط الشعبي» فى عام الطلب على التغيير. وترى المجلة أن النظام الليبرالى فى الغرب يحتاج الى العودة للدفاع عن قيم «التسامح» و«الانفتاح فى الأفكار على العالم»! --- السؤال الى النخب المتعلمة والعاقلة فى منطقتنا التعيسة: كيف يمكن بناء نظام يقوم على التسامح والانفتاح على الأفكار مثلما تقول المجلة الشهيرة؟ وهل لدينا من يستطيع أن يتحمل بعقل مفتوح تبعات اصلاح منظومة الأفكار فى مجتمعاتنا؟ ومتى يمكن أن نقر بوقوع أخطاء فادحة فى التعليم وفى التعاطى مع التعاليم الدينية والتى أخرجت لنا نسخا مشوهة من البشر فيما يتفاقم الوضع يوما بعد يوم نتيجة غياب المواجهة؟ --- المناخ الصحى فى المجتمعات المفتوحة يسمح باعادة تصحيح الأفكار وترميم أثار الصدمات المفجعة وحتى لو كانت حركة صعود اليمين القومى أو الشعبوى فى عدد من الدول الأوروبية كرد فعل على موجات من الهجرات وعدد من العمليات الارهابية تثير القلق. خطوة من جانبنا يمكنها أن تجنبنا تأزم المواقف واستهداف مجتمعاتنا بمزيد من التدخلات السياسية والعسكرية كما لوكان الحال مجرد تكرار لعقود وقرون سابقة دون تغيير. قبل ايام تحدثت على صفحات «الأهرام» الى فالى نصر خبير العلاقات الدولية الأمريكى عن مستقبل المنطقة ويرى الباحث المعروف أن الحل فى يد العرب حيث لا يمكن التعويل على القوى العالمية للخروج من المأزق الكبير ويقول إنه «لو نفذ صبر المجتمع الدولى فانه يأتى الى الشرق الأوسط على طريقة اقتلاع الأعشاب الضارة فى حديقة المنزل ثم يرحل دون أن يزرع نباتا جديدا، فيعود العشب الضار مجدداً. فلو افترضنا أن أمريكا نجحت فى دفع داعش خارج الموصل والرقة ما الذى سيحدث بعدها»! ---- المدهش أن الكل فى المنطقة يتطلع الى من يقتلع الأعشاب الضارة ولا يريدون أن يزرعوا نبتاً جديداً ويعتقدون أن مهمة الخلاص من جماعات الارهاب هى المهمة العاجلة فقط ولا ينظرون الى خلفية الصورة القبيحة التى جعلت منطقة بأكملها مثار جدل عالمى وبؤرة يُحذر من التوجه اليها. ---- عام 2016 جاء مخيبا فيما يتعلق ببوصلة التوجه نحو علاج أمراض العقود الماضية. الكل يبرر للفشل فى المواجهة ويرمى الأمر على أطراف خارجية ويقلل من العامل المحلى كما لو كنا نعيش فى مجرة أخرى وليس على كوكب الأرض. وحالة الانكار تلك ليست وليدة اليوم أو رد فعل لما جرى فى السنوات الأخيرة ولكنها حالة أصيلة فى مجتمعاتنا نتيجة اغراق النخب فى «شخصنة» القضايا وحجز أماكن الى جوار من بيده السلطة دون أن يستوعب هؤلاء أنهم يدفعون أجيالا كاملة الى اليأس والهرب الى بدائل أخري. لا تنتظروا السلطة السياسية حتى تحل لكم مشكلاتكم أو تمنح لكم الضوء الأخضر لأنها لن تقوم بكل العمل وهى منغمسة فى أمور كثيرة وهو الدرس من كثير من المجتمعات التى حققت نقلات تدريجية نحو بناء مجتمعات صحية يقود فيها المجتمع المدنى عملية التحديث خاصة فى التعليم والانصهار الثقافي. --- الأعشاب الضارة أبعد من مجرد مواجهة الارهابيين أو رؤوس جماعات العنف الأعشاب الضارة صارت نباتات متوحشة متنوعة ضاربة فى عمق مجتمعاتنا وتنتظر مواجهتها قوة وشجاعة أكبر. [email protected] لمزيد من مقالات عزت ابراهيم;