جازي الله الشدائد بكل خير، حيث كشف الاحتلال الإنجليزي والحماية عن معدن الشعب المصري، وتلاحم أقباطه مع مسلميه في وحدة وطنية رائعة، ارتفع فيها الصليب مع الهلال، حتي اندلعت ثورة 1919 التي انتهت برفع الحماية وحصول مصر علي استقلالها، وسأل أحد الأقباط، سعد زغلول: ما هو وضع الأقباط بعد الاستقلال؟، فأجاب: أن «لهم ما لنا وعليهم ما علينا». كان ذلك في بداية القرن العشرين، ليعود الهلال مع الصليب، وليرتفعا مرة أخري في أوائل القرن الحادي والعشرين في الحدث الدامي بالكنيسة البطرسية، الذي أدي إلي وفاة 26 سيدة وطفلا، وسقوط مئات الجرحي والمصابين، فهب الشعب «أقباطه ومسلموه»، ثائرا ضد الإرهاب، فالجريمة لم تكن موجهة إلي الأقباط وحدهم، وإنما ضد مصر كلها. ويكشف هذا الحدث عن صلابة الوحدة الوطنية، فأعلنت الدولة الحداد ثلاثة أيام، وسار الرئيس جنبا إلي جنب مع بطريرك الأقباط في تشييع جثامين الشهداء، ويأمر الرئيس عبدالفتاح السيسي بإعادة ترميم وإصلاح الكنيسة لتكون معدة للصلاة في عيد الميلاد (7 يناير)، وهكذا يعيد التاريخ نفسه، فكما خطب القمص سرجيوس بالأزهر الشريف في أثناء ثورة 1919، رتل الشيخ نزيه متولي سورة مريم في السرادق المعد لتقبل العزاء، حين طلب منه والد شهيدة تلاوة القرآن الكريم، ولم تنطفئ شعلة الوحدة الوطنية والمواطنة، أو يخبو نورها، علي مر الأيام، حيث قال مكرم عبيد: «أنا قبطي دينا، مسلم وطنا»، معبرا عما يجيش به عقل وقلب كل قبطي في مصر، وقال البابا شنودة: «مصر ليست وطنا نعيش فيه، وإنما هي وطن يعيش فينا»، حيث عبر بذلك عن أسمي معاني المواطنة والتعايش بين المصريين «مسلمين وأقباطا»، أما البابا تواضروس فقال: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، تعليقا علي الاعتداء علي الكنائس، فعمق بذلك مفهوم المواطنة والتعايش، فإمكان الصلاة في غير الكنائس، خير من كنائس تفتقد الوطن، وتصبح جزءا منعزلا، فينتهي التعايش بين الأقباط والمسلمين، وتنتهي المواطنة. إن استشهاد العشرات ومئات المصابين من النساء والأطفال يوم 10/12/2016، الذين كانوا يصلون في الكنيسة البطرسية، لم يكن الأول من نوعه، حيث سبقه استشهاد الكثير من الأقباط في الزاوية الحمراء والكشح وكنيسة القديسين، وغيرها، ولن يكون الأخير، مادام الإرهاب والأفكار المتطرفة موجودة، وتاريخ الكنيسة القبطية زاخر بالشهداء، والتقويم القبطي سنة 1733ق هو التاريخ الذي وصل فيه استشهاد الأقباط الذين قتلهم الرومان الوثنيون إلي عشرات الألوف، وكان أول شهيد في المسيحية هو القديس اسطفانوس الذي قتلوه رجما بالحجارة، وكان في أثناء رجمه يصلي ويقول: «اغفر لهم يا الله لأنهم يفعلون ما لا يعلمون»، وهكذا صلي أهالي شهداء الكنيسة البطرسية وقالوا: «اغفر لهم يا رب لأنهم يفعلون ما لا يعلمون»، لأن المسيحية تأمر المسيحيين بأن يصلوا من أجل الذين يسيئون إليهم، طالبين أن يهديهم الله، وأن تسبق رحمته عدله. إن الرحمة المهداة للعالمين، الذي بعث ليكمل مكارم الأخلاق، النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، قال: (من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا خصمه يوم القيامة)، وقال: (من أذي ذميا فأنا خصمه)، وقال: (استوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما). وقال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص، وهو في طريقه لفتح مصر، يبصره بوصية الرسول وأقواله: (احذر يا عمرو من أن يكون رسول الله صلي الله عليه وسلم، خصما لك يوم القيامة).. تري هل يستجيب الله سبحانه وتعالي، لصلاة أهالي الشهداء ويغفر لقتلة أبنائهم خصوم رسوله الذين لم يطيعوه وكفروا بأقواله في عيد مولده، هم ومن حرضوهم ومن مولوهم، وساعدوهم وأصحاب الفتاوي السامة، الذين دمروا بيتا من بيوت الله يذكر فيها اسمه، وقتلوا من لا ذنب لهم، وكفروا بالوحدة الوطنية، ورفضوا المواطنة؟!. د.سعد واصف مصر الجديدة