عندما التقيت مستشار الأمن القومى القادم مايكل فلين، فى أثناء المؤتمر القومى للحزب الجمهورى فى كليفلاند بولاية أوهايو منذ أشهر قليلة، تحدثت معه بشأن اللغة العنيفة التى يستخدمها هو وكثير من الجمهوريين ومنهم المرشح الجمهورى فى ذلك الوقت دونالد ترامب بشأن الإسلام والمسلمين بشكل عام، ونبهته إلى التأثير السلبى لتلك اللغة على الحرب ضد الإرهاب لأنها يمكن أن تخلق عداء مع قطاع كبير من المسلمين المعتدلين الذين ينبغى أن يكونوا الحليف فى تلك الحرب. لكن مايكل فلين لم يقتنع وقال إن مشكلتهم مع الإسلاميين الإرهابيين فقط، مدللا على ذلك بأنهم يهدفون للتحالف مع قيادات تحارب الإرهاب مثل الرئيس عبدالفتاح السيسي. ويؤكد فلين مثل كثير من الجمهوريين أنه لايمكن الانتصار على العدو ما لم يتم تحديده بصراحة وهو فى هذه الحالة «الإرهاب الراديكالى الإسلامي» كما أنهم ينتقدون الرئيس أوباما لرفضه استخدام هذه العبارة. لكن أوباما رفض طوال السنين الماضية استخدام هذا التعبير لأنه يربط الإسلام بمجموعة من القتلة وقال فى خطاب منذ أيام: «هؤلاء الإرهابيون يريدون أن يصوروا أنفسهم كما لو كانوا يمثلون طليعة نظام عالمى جديد لكنهم ليسوا كذلك فهم عصابات وقتلة.. وهم بإمكانهم قتل أناس أبرياء لكنهم لا يمثلون تهديدا وجوديا لأمتنا، ومن الخطأ رفع قدرهم كما لو كانوا كذلك، فهذا يحقق لهم هدفهم ويجعلهم أكثر أهمية ويساعدهم على حشد المناصرين». لكن ترامب تحدث بعده بساعات قليلة بلغة عسكرية مناقضة قائلا: «رجالنا ونساؤنا الشجعان (فى إشارة للجنود) هم خط الدفاع الأول ضد الإرهاب الراديكالى الإسلامي، وهى كلمات لا يرغب البعض فى ترديدها. هذه أيديولوجية الموت، تذبح الرجال والنساء والأطفال.... فى كل جيل يظهر تهديد جديد للحرية، وكما هزمنا مصادر هذه التهديدات فإننا سنهزم أيضا مصادر الإرهاب بقوة وبسرعة». وقد علق الخبير الشهير دافيد جيرجين على التباين بين الخطابين بقوله: «إن أوباما عقلانى منطقي، أما ترامب فهو بدائي، لا يهتم بالحقائق أو المنطق بل يتجه لمخاطبة المشاعر. فإذا كان أوباما دون دراما فإن ترامب هو كل الدراما». والحقيقة أننى تصورت أن ميل ترامب إلى الدراما ربما يخف قليلا بعد فوزه فى الانتخابات وشعوره بالمسئولية بحيث يعود للغة التقليدية للمسئولين الأمريكيين. لكن مايقوله ترامب وفريقه الآن اخترق هذا الحاجز الذى حذر منه بوش وأوباما. فهم يستخدمون عبارات توفر غطاء دينيا إسلاميا للإرهابيين بما يعطيهم مشروعية ينبغى نزعها عنهم. إلا أن ماحدث يوم الإثنين الماضى مثّل نقلة نوعية فى رد فعل الرئيس القادم. فبعد مقتل السفير الروسى فى تركيا بقليل سارع ترامب لوصف القاتل بأنه: «إرهابى إسلامى راديكالي» رغم أنه لم تكن توافرت بعد معلومات كافية عنه أو عن دوافعه، لكن الأكثر إزعاجا كان فى بيان ترامب بعد عملية اقتحام سوق فى برلين بعربة نقل، فلم تكد تمضى دقائق على ذلك العمل الإرهابى الحقير حتى قال الرئيس المنتخب: «إن داعش وغيرها من الإرهابيين الإسلاميين يذبحون المسيحيين فى مجتمعاتهم بشكل مستمر وفى أماكن العبادة كجزء من جهادهم العالمي» . هنا يتحدث ترامب كما لو كان لايزال مرشحا سياسيا غير مسئول، وقبل أن تُظهر التحقيقات أى نتائج. صحيح أن هناك بصمة إرهابية واضحة فيه ولكن ليس من المنطقى أن يتحدث شخص فى موقعه بمجرد التكهن. كما أن الأخطر هو إضفاء الصراع الحضارى والدينى بربطه العملية «الإرهابية الإسلامية» ب «ذبح المسيحيين» رغم أن الضحايا كانوا فى سوق حتى لو كان احتفالا بالكريسماس. وصحيح أن هناك استهدافا للمسيحيين من قبل الإرهابيين لكنهم أيضا يستهدفون جماعات أخرى عديدة على أساس طائفى ومذهبي. لكن ترامب وضعه فى إطار دينى كمدافع عن المسيحيين إرضاء للقاعدة المحافظة من مؤيديه، وربما تبدو لغة ترامب جديدة، إلا أنها فى الحقيقة ظلت منتشرة بشكل واسع بين القاعدة المحافظة للجمهوريين على مدى سنوات فى وسائل إعلامهم وبرامجهم ومؤتمراتهم، لكن لغة المسئولين بين الجمهوريين ظل فيها قدر من الانضباط، إلى أن جاء ترامب واختار كبار مساعديه من تلك النوعية المنفلتة. فمستشاره الجديد للأمن القومى مايكل فلين سبق له وصف الإسلام بالسرطان وأنه يمثل أيديولوجية سياسية تتخذ الدين قناعا. وقد جمع فلين حوله شخصيات مشابهة فى توجهاتها ممن وصفتهم مجلة «نيويورك» بالحمقي. لقد أكد ترامب فى بيانه الأخير ضرورة استئصال خطر الإرهابيين الإسلاميين، وهو هدف نتفق عليه جميعا، لكن السؤال: هل ما يقوله الرئيس المنتخب والمحيطون به يساعد على تحقيق هذا الهدف أم أنه يدخل بنا فى «صراع حضارات» يتضاءل بجانبه ذلك الخطر الإرهابى رغم بشاعته؟ لمزيد من مقالات محمد السطوحى