الرئيس السيسى ناعيا الدكتور عمر هاشم: سيظل علمه الغزير باقيا وراسخا على مر الزمان    رسميا.. تسليم خطابات الترشح لمرشحى مستقبل وطن    الرئيس السيسي يتابع انتظام العام الدراسي ويوجه بصرف 1000جنيه حافز تدريس" شهرياً للمعلمين    وزير الخارجية: مصر ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية أمنها المائى    بقيمة 180 مليون جنية..ضبط 2,5 طن مواد مخدره بحوزة عصابة جلب المخدرات بالسويس    هكذا ارتفعت قيمة الصادرات المصرية خلال يوليو 2025 لتبلغ 3.7 مليار دولار    محافظ الجيزة: توزيع 2 طن من لحوم صكوك الأضاحي على الأسر الأولى بالرعاية    انتهاء صلاة الجنازة على الدكتور أحمد عمر هاشم بحضور شيخ الأزهر وكبار العلماء    جوتيريش يدعو لوقف الهجمات الإسرائيلية فى غزة واغتنام خطة ترامب لإنهاء الصراع    حلم الصعود.. منتخب مصر يقترب من التأهل إلى المونديال    ارتفاع سعر الجنيه الإسترليني أمام الجنيه المصري في تعاملات الثلاثاء 7 أكتوبر 2025    الداخلية تكشف ملابسات فيديو لقائد سيارة سمح بتحميل أطفال بصندوقها الخلفي بالمنيا    الأرصاد تحذر من اضطراب بالملاحة وارتفاع الأمواج ل3.5 متر فى بعض الشواطئ    وزير السياحة الأوزبكى يهنئ مصر بفوز خالد عنانى بمنصب مدير عام اليونسكو    نائب وزير الصحة يُحيل مقصرين بوحدة طب الأسرة بالكرادوة للتحقيق    رودريجو: كنت قريبا من برشلونة.. وحققت حلمي بالتواجد في ريال مدريد    الزمالك ينتظر عودة فيريرا لعقد جلسة الحسم    بطل المصارعة الأولمبي محمد كيشو يعلن تمثيل منتخب أمريكا (صور)    وزير الاستثمار يبحث مع الرئيس التنفيذي لجهاز مستقبل مصر التعاون في دعم سلاسل الإمداد والسلع الاستراتيجية    روسيا تعلن اعتراض طائرات مسيرة استهدفت منطقة تيومين الغنية بالنفط في غرب سيبيريا    عامان من الإبادة.. إسرائيل تقتل 67 ألف فلسطيني نحو ثلثهم أطفال    السيطرة على حريق مخزن زيوت بمسطرد وإصابة ثلاثة أشخاص في القليوبية    وزير الزراعة: إنتاجية الأرز في مصر تصل ل5 أطنان للفدان وهو الأعلى عالميا    اليوم.. انطلاق أولى فعاليات النسخة 13 من أسبوع السينما الإيبيرو أمريكية في معهد ثربانتس بالقاهرة    بالموسيقى والفنون الشعبية.. قصور الثقافة بقنا تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    وكيل الشباب بالجيزة: تنفيذ 6 مشروعات استثمارية خلال 3 أشهر بقيمة تصل ل15.5 مليون جنيه    الصحة تنظم مؤتمر اليوم العالمي لمرض السحايا للقضاء على وبائيات المرض بحلول 2030    حالة الطقس بكفر الشيخ الثلاثاء 7 أكتوبر 2025    استوديو تسجيل غير قانونى فى الجيزة.. القبض على مدير شركة مخالفة    إسرائيل دخلت «العزل»    الرئيس الفنزويلى: مجموعة إرهابية خططت لوضع شحنة ناسفة داخل السفارة الأمريكية    "الأونروا": إسرائيل تقتل الأطفال فى غزة وهم نائمون    مفاجآت فى واقعة اختفاء لوحة أثرية من مقبرة بسقارة.. فيديو    وزير الخارجية يؤكد ضرورة إطلاق مسار سياسى يفضى إلى تنفيذ حل الدولتين    طلاب الثانوى العام والبكالوريا يسجلون الدخول على منصة كيريو لدراسة البرمجة.. صور    وزير الصحة لمجدى يعقوب :الحالات مرضية كانت تُرسل سابقًا للعلاج بالخارج واليوم تُعالج بمركز أسوان للقلب    وزير الصحة يوافق على شغل أعضاء هيئة التمريض العالى المؤهلين تخصصيًا لوظائف إشرافية    انطلاق مبادرة الكشف عن الأنيميا والتقزم بين أطفال المدارس بسوهاج.. صور    أسعار الحديد في المنيا اليوم الثلاثاء7 اكتوبر 2025    التضامن تشارك في فعاليات معرض "إكسبو أصحاب الهمم الدولي" بدبي    جامعة قناة السويس تطلق الصالون الثقافي "رحلة العائلة المقدسة.. كنزا تاريخيا واقتصاديا وسياحيا"    كثافات مرورية بمحاور القاهرة.. وانتشار أمني مكثف أعلى الطرق السريعة    وزير التعليم العالي: فوز خالد العناني باليونسكو «هدية من مصر للعالم»    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-10-2025 في محافظة الشرقية    "فيها إيه يعني" بالمركز الأول بالسينمات.. وماجد الكدواني يتصدر الإيرادات ويقترب من "20 مليون" جنيه في 6 أيام فقط    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 7 اكتوبر 2025 فى محافظة المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-10-2025 في محافظة قنا    أسعار الحديد اليوم الثلاثاء 7-10-2025 في الدقهلية    رسائل تهنئة 6 أكتوبر 2025 مكتوبة للاحتفال بعيد القوات المسلحة    «وهم».. عرض جديد يضيء خشبة المعهد العالي للفنون المسرحية ضمن مهرجان نقابة المهن التمثيلية    «بعد 3 ماتشات في الدوري».. إبراهيم سعيد: الغرور أصاب الزمالك واحتفلوا بالدوري مبكرا    أبو ريدة يصل المغرب ويستقبل بعثة منتخب مصر استعدادًا لمواجهة جيبوتي    تسليم التابلت لطلاب أولى ثانوي 2025-2026.. تعرف على رسوم التأمين وخطوات الاستلام    تعرف على موعد بدء تدريبات المعلمين الجدد ضمن مسابقة 30 الف معلم بقنا    الأهلي يكافئ الشحات بعقده الجديد    بعض الأخبار سيئة.. حظ برج الدلو اليوم 7 أكتوبر    هاني تمام: حب الوطن من الإيمان وحسن التخطيط والثقة بالله سر النصر في أكتوبر    أمين الفتوى: وحدة الصف والوعي بقيمة الوطن هما سر النصر في أكتوبر المجيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤى نقدية
(بمناسبة اختيار صلاح عبد الصبور شخصية العام فى معرض القاهرة الدولى للكتاب القادم) أحزان صلاح عبدالصبور -2
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 12 - 2016

ويستمر صلاح عبد الصبور فى وصف الحزن عارضا لنا تنوع تجاربه مع تجليات الحزن،‮ ‬فنقرأ‮:‬‬‬‬‬‬‬
لقد بلوت الحزن حين‮ ‬يزحم الهواء كالدخانْ‬‬‬/ فيوقظ الحنين،‮ ‬هل نرى صحابنا المسافرينْ‬‬‬/ أحبابنا المهاجرين/ وهل‮ ‬يعود‮ ‬يومنا الذى مضى من رحلة الزمان؟‬‬‬‬‬‬/ ثم بلوت الحزن حين‮ ‬يلتوى كأفعوان‬‬‬/ فيعصر الفؤاد ثم‮ ‬يخنقهْ‬‬‬/ وبعد لحظة من الإسار‮ ‬يعتقهْ‬‬‬/ ثم بلوت الحزن حينما‮ ‬يفيض جدولا من اللهيبْ‬‬‬/ نملأ منه كأسنا،‮ ‬ونحن نمضى فى حدائق التَّذَكّراتْ‬‬‬/ ثم‮ ‬يمر ليلنا الكئيب‬‬‬/ ويشرق النهار باعثا من الممات/ جذور فرحنا الجديب/ لكن هذا الحزن مسخ‮ ‬غامض،‮ ‬مستوحش،‮ ‬غريب‬‬‬‬‬‬‬‬‬/ فقل له‮ ‬يا رب ‬أن‮ ‬يفارق الديار‬‬‬‬‬‬‬‬‬/ لأننى أريد أن أعيش فى النهار وهنا فى الأسطر السابقة،‮ ‬نجد وجها آخر من الحزن الذى‮ ‬يرد مقترنا بالليل‮ -‬ وهو دال آخر من الدوال الأثيرة فى قاموس صلاح عبد الصبور الشعرى سوف نتحدث عنه فيما بعد‮- ‬فالحزن هنا حزن مختلف,‮ ‬يبدأ أولى تجلياته بالاتحاد مع الحزن على فراق الأحبة الذين نظل نَحِنُّ‮ ‬إلى زمنهم،‮ ‬وهو استمرار للوجه السابق‮. ‬لكن هناك هذا الحزن الذى‮ ‬يعتصر القلب فجأة ثم‮ ‬يتركه‮. ‬وهو المجلى المقارب للحزن الذى‮ ‬يتحول إلى ما‮ ‬يشبه اللهب الذى‮ ‬يتأجج فى الصدور حين نمضى مع الذكريات السعيدة التى‮ ‬ينتهى تذكرنا لها بالاكتشاف المر،‮ ‬أنها لن تعود،‮ ‬وأنها قد مضت إلى الأبد‮. ‬لكن هناك المجلى الأخير لنوع من الحزن‮ ‬غريب وغامض‮ ‬يبدو وكأنه مسخ مشوه،‮ ‬مستوحش ومخيف كأنه الفزع الأكبر أو الرعب الذى ليس بعده رعب،‮ ‬فلا نجاة منه سوى بالدعوة إلى الله كى‮ ‬ينقذ الإنسان منه ويزيح هذا النوع المفزع من الحزن،‮ ‬بعيدا عن طريقه كى تصفو له الدنيا،‮ ‬ويرى مباهج مشرق النور فى النهار‮. ‬ما هذا النوع الغريب من الحزن المفزع المنظر؟ إنه الحزن الميتافيزيقى الذى‮ ‬يبدأ من الإحساس بافتقاد الغاية من الوجود وينتهى بالتخبط فى ظلمات الحياة؛ بحثا عن‮ ‬يقين‮ ‬يعطى للحضور فى الحياة معنى ومغزى وهدفا‮. ‬إنه الحزن الذى‮ ‬يقودنا إلى الوجه الأخير من أوجه الحزن فى شعر صلاح عبد الصبور،‮ ‬وهو الحزن الميتافيزيقى الذى لا‮ ‬يشعر به إلا من‮ ‬يشعر أنه قد ألقى به فى كون خلا من الوسامة،‮ ‬أكسبه التعتيم والجهامة،‮ ‬حين سقط فوقه فى مطلع الصبا،‮ ‬فيظل باحثا عن‮ ‬يقين وعن ضوء‮ ‬يهتدى به،‮ ‬ضوء‮ ‬يعطى للكون معناه وللإنسان‮ ‬غاية فى حياته،‮ ‬ومهمة تجعل من هذه الحياة حياة مجدية ممتلئة بالحضور‮. ‬هكذا‮ ‬يدخل بنا صلاح عبد الصبور إلى تخوم الميتافيزيقا التى‮ ‬يعرف‮ - ‬بوصفه شاعرا‮ - ‬أن رموز التصوف هى أقرب الرموز لتجسيد معنى هذا البحث فى ظلمات الوجود التى تصيب الإنسان رهف الشعور بالفزع،‮ ‬فكل بحث عن المصير هوة تروع الظنون قد‮ ‬يفضى هذا البحث إلى مشرق النور والعجائب،‮ ‬كما‮ ‬يقول نجيب محفوظ فى‮ «‬أولاد حارتنا‮»‬،‮ ‬أو‮ ‬يفضى إلى ما‮ ‬يبعث الحزن الذى‮ ‬يلتف حول كل شىء فى الحياة،‮ ‬فيجعل كل شىء فيها مقيتا كالأفعوان بلا فحيح‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
هكذا نصل إلى اختلاط الوجه الميتافيزيقى بالوجه السياسى،‮ ‬ويبدأ هذا الامتزاج فى التصاعد ما بعد العام السابع والستين؛ ابتداء من قصائد‮ «‬تأملات فى زمن جريح‮» ‬مرورا بقصائد ديوان‮ «‬شجر الليل‮»‬،‮ ‬حيث نقرأ قصيدة‮ «‬أربعة أصوات ليلية للمدينة المتألمة‮»‬،‮ ‬وانتهاء ب‮ «‬الإبحار فى الذاكرة‮» ‬التى‮ ‬يتخللها أو التى‮ ‬يفترشها نوع أقرب إلى اليأس من اكتشاف ما‮ ‬يريح أو‮ ‬يشير إلى نور ساطع كنور الكشف من إجابات قد تعطى للكون مغزاه‮. ‬وهكذا نسمع صوت الشاعر الذى‮ ‬يطوف فى خيال الحلم الميتافيزيقى أن تفتح السماء أبوابها عن نور‮ ‬يضىء الطريق،‮ ‬ولكن النور لا‮ ‬يأتى إلا كاللمح أو أقل من اللمح،‮ ‬فيسأل الشاعر فى قمة‮ ‬يأسه سؤاله القديم‮:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
رباه‮!‬‬‬‬/ رباه‮!‬‬‬‬/ ما سر هذه التعاسة العظيمة؟/ ما سر هذا الفزع العظيم؟/ يقول لمدينته أو‮ -‬ دنياه‮ -:‬‬‬‬‬‬‬/ أحس فيك‮ ‬يا مدينتى المحيرة‬‬‬/ بأننى/ سوف أظل واقفا على نواصى السكك المنحدرة/أبحث عن مكان/ وربما/ يلمسنى ما‮ ‬يلمس النبات والحديد والجدران‬‬‬/ ويسقط الصدأ/ عندئذ،/ نكون‮ ‬يا مدينتى صنوان‬‬‬/ وأعرف العنوان
لكن هذا الأمل الواهى سرعان ما‮ ‬يختفى ويضيع اليقين،‮ ‬ويتكاثف الحزن الوجودى،‮ ‬فيدخلنا فى عتمة الميتافيزيقا وألغازها التى لا تنحل،‮ ‬فنختتم بما‮ ‬يكمل ملامح الوجه الميتافيزيقى للحزن،‮ ‬فنقرأ فى آخر ديوان‮ «‬شجر الليل‮» ‬قصيدة‮ «‬توافقات‮» ‬التى‮ ‬يزيد ختامها حزن الشاعر الميتافيزيقى حزنا،‮ ‬فنقرأ‮:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ها أنا أستدير بوجهى إليك،‮ ‬فأبكى‬‬‬/لأن انتظارىَ طال،‮ ‬لأن انتظارى‬‬‬/ يطول،‮ ‬لأنك قد لا تجىء،/ ‬لأن‬‬‬‬‬‬النجوم تكذب ظنى/ ‬لأن كتابَ الطوالع‮ ‬يزعم أنك تأتى/ إذا اقترن النسر والأفعوان‮/ لأن الشواهد لم تتكشف‮/ ‬لأن الليالى الحبالى‮ ‬يلدن ضُحى ‬مجهضا/ ‬ولأن‬‬‬‬‬‬‬‬‬ الإشارات حين تجىء/ تجىء إلينا الإشارات من مرصد الغيب،‮ ‬يكشف عن سِرِّها العلماء الثقات،‮ ‬تقول‮:‬‬‬‬‬‬‬/انتظار عقيم‮!‬‬‬‬/ انتظار عقيم‮!‬‬‬‬/ انتظار عقيم‮!‬‬‬‬
هذا اليأس الميتافيزيقى‮ ‬يمتزج بغيره من أنواع اليأس التى تجعل من الحزن الميتافيزيقى لصلاح عبد الصبور حزنا شاملا ومركبا ومعقدا‮ ‬يختلط فيه الشخصى الذاتى بالسياسى الاجتماعى بالميتافيزيقى على السواء‮. ‬ولذلك فمن الصعب أن نرد هذا الحزن إلى وجه واحد أو إلى عامل واحد،‮ ‬فهو نتاج مجموعة من العوامل المتضافرة والمتداخلة فى آن،‮ ‬ولذلك فنحن إزاء حزن متعدد الأوجه إذا نظرنا إلى وجه فيها قادنا هذا الوجه إلى بقية الأوجه الحاضرة فيه‮ - ‬على نحو من الأنحاء‮ - ‬والحاضر فيها بالقدر نفسه‮. ‬الطريف أن صلاح عبد الصبور كان‮ ‬يشعر شخصيا أنه كان لابد أن‮ ‬يواجه هؤلاء الذين وصفوه بأنه شاعر حزين،‮ ‬يؤدى شعره إلى الإحباط؛ ومن ثم إلى اليأس من الحياة بدل التقدم فيها إلى الأمام بحسم،‮ ‬وقد فعل ذلك فى كتابه‮ «‬حياتى فى الشعر»؛ حيث‮ ‬يقول‮:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮«‬يصفنى نقادى بأننى حزين،‮ ‬ويديننى بعضهم بحزنى،‮ ‬طالبا إبعادى عن مدينة المستقبل السعيدة،‮ ‬بدعوى أننى أفسد أحلامها وأمانيها،‮ ‬بما أبدوه من بذور الشك فى قدرتها على تجاوز واقعها المزدهر‮ (‬فى رأيه‮) ‬إلى مستقبل أزهر‮. ‬وقد‮ ‬ينسى هذا الكاتب أن الفنانين والفئران هم أكثر الكائنات استشعارا للخطر‮. ‬ولكن الفئران حين تستشعر الخطر تعدو لتلقى بنفسها فى البحر هربا من السفينة الغارقة‮. ‬أما الفنانون فإنهم‮ ‬يظلون‮ ‬يقرعون الأجراس،‮ ‬ويصرخون بملء الفم،‮ ‬حتى‮ ‬ينقذوا السفينة،‮ ‬أو‮ ‬يغرقوا معها‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ويجيب صلاح عبد الصبور عن السؤال الذى قد‮ ‬يخطر بعقل القارئ الذى‮ ‬يلاحظ هذا الكم المتكاثر،‮ ‬متعدد الأوجه فى أغلب قصائده؛ فيقول‮:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮«لست شاعرا حزينا،‮ ‬ولكنى شاعر متألم،‮ ‬وذلك لأن الكون لا‮ ‬يعجبنى،‮ ‬ولأنى أحمل بين جوانحى»،‮ ‬كما قال شيلى،‮ ‬شهوة إصلاح العالم‮... «‬إن شهوة إصلاح العالم‮» ‬هى القوة الدافعة فى حياة الفيلسوف والنبى والشاعر،‮ ‬لأن كلا منهم‮ ‬يرى النقص،‮ ‬فلا‮ ‬يحاول أن‮ ‬يخدع عنه نفسه،‮ ‬بل‮ ‬يجتهد فى أن‮ ‬يرى وسيلة لإصلاحه،‮ ‬ويجعل دأبه أن‮ ‬يبشر بها‮. ‬وقد‮ ‬يحمل الفلاسفة والأنبياء رؤية مرتبة للكون،‮ ‬وقد‮ ‬يصطنعون منهجا مرتبا فى النظر إلى نقائصه،‮ ‬وقد‮ ‬يبشرون بنظريات مرتبة فى تجاوز هذه النقائص،‮ ‬ولكن الشعراء‮ ‬يعرفون أن سبيلهم هى سبيل الانفعال والوجدان،‮ ‬وأن خطابهم‮ ‬يتجه إلى القلوب‮. ‬وقد‮ ‬يكون أثرهم أكثر عمقا؛ إذ إن التعليم والنصح المجرد مقيتان إلى النفس،‮ ‬كما أن التعبير بالصورة أعمق أثرا من التعبير باللغة المجردة‮. ‬وكثيرا ما أدرك الأنبياء والفلاسفة ذلك،‮ ‬فاصطنعوا منهج الشعراء،‮ ‬ففى آثار كل نبى عظيم أو فيلسوف كبير قبس من الشعر‮».‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ويعنى صلاح عبد الصبور بذلك أن الرؤى القاسية التى‮ ‬يقدمها الفلاسفة والأنبياء والشعراء ليست دليلا على التشاؤم السلبى المغلق،‮ ‬ولكنها دليل على الشوق المجاوز،‮ ‬المتفتح إلى إصلاح العالم‮. ‬فرؤية الشر وتجسيمه لا‮ ‬يعنيان أننا نتهادن معه،‮ ‬ولكنهما‮ ‬يعنيان أننا نواجهه‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
هذا هو المعنى الأساسى الذى‮ ‬يؤكده صلاح عبد الصبور عندما‮ ‬يتحدث‮ -‬نثريا‮- ‬عن تعدد أوجه الحزن فى شعره،‮ ‬فهو شاعر لا‮ ‬يريد أن‮ ‬يفر من مسؤوليته فى الحضور أو مسؤوليته التى أثقلها الله بها حين أوجده فى كونه،‮ ‬واعيا بهذه المسؤولية،‮ ‬شاعرا بأن عليه أن‮ ‬يسهم فى صنع عالم‮ ‬ينطوى على قيم الحق والخير والجمال،‮ ‬وما تعبيره عن الحزن إلا خطوة أو خطوات فى هذا الاتجاه،‮ ‬فهو‮ ‬يبحث عن الإنسان فى عالم تتساقط فيه قيم الإنسانية التى لا‮ ‬يحول بينه وبين الدعوة إليها من جديد شعوره الفاجع بسقوطها تحت الأقدام،‮ ‬فالحق والعدل والخير والجمال،‮ ‬هى قيم أسيرة إلى نفسه‮ ‬يدافع عنها،‮ ‬ويحزن من أجل‮ ‬غيابها‮. ‬ولأنه إنسان،‮ ‬فهو‮ ‬يحزن لما‮ ‬يصيب الإنسان من أخيه الإنسان من خيانة أو‮ ‬غدر أو خسة؛ فالحياة البشرية،‮ ‬فى عالم هو أقرب إلى الغابة،‮ ‬تستحق أن تعاش رغم كل الشر الذى استولى فى ملكوت الله،‮ ‬ورغم كل البشر الذين تحولوا إلى وحوش‮. ‬وهذا وعى‮ ‬يتطلب شجاعة،‮ ‬ويفرض موقفا،‮ ‬وهو مواجهة البشر بأخطائهم من أجل إنسانية أفضل ومواجهة الكون بالأسئلة التى تتجه إلى ألغازه؛ باحثة عن إجابة مقنعة حتى ولو دامت هذه الإجابة برهة من الزمن أو أقل من البرهة،‮ ‬فالمهم أنها موجودة وأنها تخفف من وطأة الحزن القاتم المعتم عتمة ليلة بلا قمر‮. ‬ويقودنا هذا كله إلى إدراك أهمية الحديث عن الليل،‮ ‬من حيث هو رمز بالغ‮ ‬الأهمية فى شعر صلاح عبد الصبور‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
لمزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.