فى الوقت الذى يحتفل فيه المسلمون بذكرى المولد النبوى الشريف، ويستعد الإخوة المسيحيون للاحتفال بأعيادهم، تفجعنا واحدة من الكوارث الإنسانية بتفجير الكنيسة البطرسية فى محاولة للنيل من وحدة الشعب المصرى وزعزعة أمنه واستقراره، ولكن هيهات..وألف هيهات! من هؤلاء؟!.. هل أنتم حقا مسلمون..مسيحيون..مصريون؟!..هل ما يجرى فى عروقكم دماء؟! هل ما ينبض بين أضلعكم قلوب..هل ما تحرككم عقول؟! هل تدركون ما تصنعون؟!..أبرياء قتلوا وأصيبوا وروعوا..وبلاد تنزف يوما بعد يوم رجالاتها وثرواتها وأمنها. إلى أى دين تنتمون ..وبأى شريعة تعتقدون..وبأى منطق تقتلون وتدمرون وتخربون..هل أنتم حقا بشر؟!..الديانة لا تهم، والهوية أيضا لاتهم، فالنهاية واحدة: مجرمون مع مرتبة الشرف! وقبل أن يحاول البعض أن يتخذ الدين تكأة لهذه الجرائم البشعة، حرى بنا ونحن نحتفل بذكرى المولد النبوى الشريف أن نعرج سريعا لنذكر أنفسنا ونُرِيَ غيرنا كيف كان خلق رسول الإسلام مع المخالفين فى العقيدة، وكيف امتدت رحمته لتشمل العالمين على السواء، ولنؤكد من جديد أن التشدد والغلو والقتل والترويع، الإسلام منه براء، ورسوله، والمؤمنون. فى البداية يوضح الدكتور صابر عبد الدايم العميد السابق لكلية اللغة العربية بالزقازيق أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يمثل صورة حضارية شاملة للتعامل مع غير المسلمين، من العفو والتسامح والرأفة والرحمة، ولم يُر فى موطن من المواطن فظا غليظ القول، ولم لا وقد قال عنه الله عز وجل «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك..». والمتأمل لسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم، مع أتباعه، ومخالفيه،أنصاره وأعدائه، القوى والضعيف، فى السلم والحرب، فى الرضا والغضب، يجده دائما أبدا رحيما متسامحا عدلا رفيقا، وتحفل السيرة بنماذج كثيرة تعكس هذا السلوك، لعل أبرزها عفوه عن أهل مكة يوم الفتح، حينما قال لهم قولته الشهيرة «اذهبوا فأنتم الطلقاء». وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على حسن معاملة أهل الكتاب والبر بهم، ولم يكن الاختلاف العقدى يوما سببا فى اضطهاد أو سوء معاملة غير المسلم، وإن لم يكن كتابيا، ففى الحروب والغزوات التى اضطر النبى لخوضها كان يوصى القادة بالحفاظ على معابدهم وعدم المساس برهبانهم. كما يلفت الدكتور مصطفى مراد، أستاذ الأديان والمذاهب بكلية الدعوة، إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم ضرب أروع الأمثلة فى احترام وتقدير غير المسلمين، ومنحهم من الرعاية والحماية والإحسان والإكرام ما لم ينالوه من بنى جنسهم ودينهم، ولم يفرق بينهم وبين المسلمين فى المعاملة، ويكفى أنه مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي. وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم فى يعامل أهل الكتاب بالحسنى، يتفقد أحوالهم، ويرعى شئونهم، ويزور مرضاهم. كما كان يمنح أهل الكتاب من الحقوق ما للمسلمين كما فى المعاهدة العالمية المعروفة بدستور الميثاق الإسلامى الأول، عندما عقد الاتفاقية بين المسلمين وغيرهم، بعد أن وصل إلى المدينة، وكان من العبارات الواضحة الناصعة العادلة، قوله: لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، وكان هذا الدستور عهدا أبديا راعاه النبى صلى الله عليه وسلم وأوصى به، ولم يحدث على مدار العهد النبوى أن قُتل كتابى غيلة أو اغتصب عرضه أو ماله أو انتهكت حرمته. الجهل وضعف الإيمان وأكد مراد أننا نحتاج أن نوعى ونفهم المسلمين وغيرهم هذه السيرة العطرة الطويلة وكيف كان النبى حريصا على التعامل مع أهل الكتاب، فقد تزوج مارية وهى قبطية على غير الإسلام، فأحسن إليها ليكون إبراهيم ابن النبى خال المصريين من هذه القبطية. فزواج المسلمين بالكتابيات كان ملؤه الرعاية والعناية انطلاقا من الفهم الدقيق لقوله تعالى «..والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب...»، فهل يمكن أن يبلغ دين هذا المبلغ من الأمن على الشخصية المسلمة حتى إنه يوافق ويرضى ويبيح له الزواج بهذه الكتابية وهى التى ترعى أبناءه وتتصرف فى شئون الأسرة، فما هذا إلا لطلب حسن العشرة وبناء الأوطان والتلاحم بين بنى الوطن الواحد وإن كانوا مختلفى الديانة والمعتقد الديني. لأن هذه الزيجات ستتسبب حتما فى حسن المعاملة وإصلاح الحالة النفسية بين المسلمين وغيرهم. واختتم مراد قائلا: إن هذا الأمر وحده كفيل بأن ينقض كل ما يقوم به المتربصون والمغالون المتشددون بما يصدر عنهم من دعاوى باطلة تبيح لهم دماء وأموال مخالفيهم. أما الدكتور محمد عبد رب النبى، مستشار الفقه وأصوله بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية فيؤكد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع المسلمين وغير المسلمين بخلق واحد، فى السؤال والبر والإحسان وإماطة الأذى وحسن الجوار، فكان ميزانه واحدا لا يفرق بين مسلم وغير مسلم، وكان بره وإحسانه يشمل اليهود والنصارى حتى المجوس، وكان طالما حذر من الإساءة لأهل الكتاب فقال: «من آذى ذميا فقد آذاني، ومن آذانى فقد آذى الله» وقال أيضا «من آذى معاهدا لم يرح رائحة الجنة» حتى فى الحروب والغزوات التى كانت دفاعا فى أصلها وليس اعتداء، كان يأمر الصحابة ألا يقاتلوا إلا من حمل السلاح عدوانا على المسلمين، وكان مما أوصى به ألا يقتلوا شيخا كبيرا ولا معاهدا ولا يهدموا صومعة ولا يؤذوا راهبا، فى إشارة إلى احترام دور عبادة غير المسلمين ومنحهم الحرية فى معتقداتهم، فأهل الكتاب على الجملة كانوا يهنأون بحرية المعتقد والعبادة والمعاملة الطيبة فى إطار قاعدة «لا ضرر ولا ضرار». الاحتفاء بالنصارى وبلغ من تقديره صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب أنه كان عندما يأتيه غير المسلمين من النصارى، كان يبسط لهم رداءه للجلوس عليه، وهذا فى تراث العرب كان دليل تقدير واحتفاء وتعظيم للزائر. كما كان صلى الله عليه وسلم يثنى على اليهود، وعندما رأى جنازة يهودى وقف لها متأثرا، وعندما سئل: يا رسول الله إنها جنازة يهودي!، قال: أو ليست نفسا أكرمها الله، هى من خلق الله. فمعاملة النبى تعكس، التسامح والحلم وعدم العصبية، واحترام الإنسان وتقديس النفس البشرية كونها نفسا بصرف النظر عن المعتقد. يصلون فى مسجد النبى وأشار عبد رب النبى إلى أن التسامى فى علاقة المسلم بأهل الكتاب يتجلى فى أن النبى أذن للوفد النصرانى أن يصلوا صلاتهم فى مسجده صلى الله عليه وسلم على قبلتهم وطريقتهم، والمسلمون كانوا يصلون صلاة الظهر.وبعد الصلاة جادلهم النبى وناظرهم فى الشأن الذى أتوا فيه ولم يتفقوا، فعادوا إلى بلادهم سالمين. تقصير الدعاة ويرى عبد رب النبى أن هناك خطأ شنيعا يقع فيه بعض الدعاة، حيث يركزون فى علاقة الإسلام بغير المسلمين على قضايا الحروب والقتل رغم أنها لا تساوى فى التاريخ والتراث الإسلامى سوى 2 3%، ولكنهم نظروا لهذه الأمور بمرآة محدبة ضخموا بها الصغير، فلبَسوا على الناس كثيرا من الأمور، وأفقدوا الأمة التراث العمرانى والأخلاقي، وشوهوا التاريخ الإسلامي. فهناك خطأ فى التعامل مع التاريخ والسنة، وتناسى هؤلاء الدعاة أن 99% من سنة النبى تدعو إلى العمران والحرف والعمل والسلوكيات الكريمة، ومراعاة حقوق الإنسان المسلم وغير المسلم، فالنبى صلى الله عليه وسلم أمضى حياته الدعوية كلها ثلاثة وعشرين عاما فى غرس قيم وأخلاق وإرساء قواعد تربية وتنشئة سليمة على العمران والبناء، وكان يدعو قومه ليكونوا خير أمة، وحينما سئل عن خير الناس قال: «خير الناس أنفعهم للناس»، ولم يقل أنفعهم للمسلمين فقط. من جانبه، يوضح الدكتور جاد مخلوف جاد الأستاذ بجامعة الأزهر أن هدى الرسول صلى الله عليه وسلم براء من كل عنف وقتل وتدمير وخيانة، وإنما بعث رحمة للعالمين، الإنس بكل أطيافه المسلم وغير المسلم، ورحمة بالجن، بل شملت رحمته أيضا أعداءه الذين لم يؤمنوا به ولا برسالته. ..وندوة تناقش «دور الدعاوى المتطرفة فى تفتيت الأمة» تعقد الرابطة العالمية لخريجى الأزهر، اليوم، ندوة حول «الدعاوى المتطرفة ودورها فى تفتيت الأمة ووحدتها» بمركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، يحاضر فيها الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية. وتتناول الندوة عدة محاور، أهمها : «تفسير التنظيمات الإرهابية المغلوط لبعض آيات القرآن الكريم», ويلقيه فضيلة المفتى د.شوقى علام، «تفسير آيات الجهاد فى القرآن الكريم» ويلقيه الدكتور عبد الفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، و«التنظيمات الإرهابية ودورها فى تقسيم المجتمعات» ويلقيه المفكر الإسلامى د.ناجح إبراهيم، ويدير الندوة د.خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية. ويحضر الندوة عدد من سفراء دول آسيا وافريقيا، وطلاب الأزهر الوافدين من دول اليمن ونيجيريا وليبيا وسوريا والعراق وغيرها، وأعضاء الجاليات السورية والليبية والعراقية بالبلاد.