لقد تعامل الرسول صلى الله علية وسلم مع اليهود والنصارى تعاملا فريدا قائم على الأخلاق وحسن التعامل مع الآخرين كونهم أصحاب كتب سماوية. وهذه بعض مظاهر التسامح التي لقيها اليهود والمسيحيين في بلاد المسلمين: 1) أحل طعام أهل الكتاب والزواج من النساء الذين أتوا الكتاب 2) شرع التعاملات التجارية معهم 3) أمره الله بدعوتهم إلى الإسلام والحوار معهم بإحسان 4) شرع زيارتهم والاطمئنان عليهم حال مرضهم 5) الإحسان إليهم في جوارهم وعدم إيذائهم وإهداءهم الهدايا، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أَنَّهُ ذُبِحَت لَهُ شاةٌ فَجَعَلَ يَقُولُ لِغُلَامِهِ أَهْدَيْتَ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتَ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يوصيني بِالْجَارِ حَتى ظَنَنتُ أنه سَيَورِثُه " رواه البخاري. 6) أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بحمايتهم وحفظ دمائهم وأعراضهم وأموالهم طالما كانوا يعيشون في دولة المسلمين، وحرم الاعتداء عليهم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا " رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: " «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " 7) أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم إكراههم على ترك دينهم واعتناق الإسلام بل يخيرون، وأخبر بمضاعفة الأجر لمن آمن منهم، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: وذكر منهم " مُؤْمِنُ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ أَجْرَانِ " رواه البخاري ومسلم . 8) شرع عقد المعاهدات معهم كما حدث عند الهجرة إلى المدينة. 9) أوجب الرسول العدل مع أهل الكتاب ولو اقتضى الأمر أن يحكم للكتابي على المسلم، ففي البخاري عن الأشعث بن قيس قال :كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَكَ بَيِّنَةٌ ؟ قُلْتُ: لَا . قَالَ : فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ احْلِفْ . قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } . أخلاقيات الرسول في الحروب بعد النصر: لعل هذا من أصعب الأمور تحقيقًا كون النصر يورث الزهو والفخر، لكن كان للرسول الله صلى الله عليه وسلم منهج أخر أكثر رحمة كون النصر من عند الله ويمكن انتزاعه وإعطائه لقوم اخرين، وهذه أحدى المواقف: 1) بعد موقعه بدر الكبرى جاء عمير بن وهب، وهو من كبار زعماء مكة، ليفك أسر ابنه وهب الذي أُسِر في بدر، ولكن كان الهدف الحقيقي هو قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقع سيفه في السم وانطلق إلى المدينة، روغم علم الرسول بأمره إلا أنه أذن له بالدخول. ثم قال: «ما جاء بك يا عمير؟» قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه. قال: «فَمَا بَالُ السّيْفِ فِي عُنُقِك؟» قال:قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئًا ؟ قال: «اُصْدُقْنِي، مَا الّذِي جِئْت لَهُ؟» قال: ما جئت إلا لذلك. قال: «بَلْ قَعَدْت أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ قُلْت: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْت حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمّدًا، فَتَحَمّلَ لَك صَفْوَانُ بِدَيْنِك وَعِيَالِك، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ وَاَللّهُ حَائِلٌ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ». قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام. 2) بعد فتح مكة ورغم ما لاقه الرسول من إداء وتعذيب للمسلمين واتهض إلا أنه عند فتح مكة أكرم أهل مكة وقال لهم أذهبوا فأنتم الطلقاء أخلاقيات الرسول عند الهزيمة: من أصعب مواقف السيرة النبوية عندما غدر فريق من المشركين من قبيلة بني سليم بالمسلمين في شهر صفر من السنة الرابعة من الهجرة، وقتلوا في هذا الحادث سبعون صحابيا من أفضل الدعاة إلى الإسلام وحفظا للقرآن، هذا بعد شهور قليلة من مصيبة أحد، ووصل الأسى والحزن برسول الله صلى الله عليه وسلم أن مكث شهرًا كاملاً يدعو على هؤلاء الغادرين، وهذا ليس أمرا معتادا في حياته صلى الله عليه وسلم، بل لعلها المرة الوحيدة التي وصل فيها حزنه إلى هذه الدرجة، ولم ينج من هذه الكارثة إلا صحابي واحد هو عمرو بن أمية الضمري. وأثناء عودة عمرو بن أمية إلى المدينةالمنورة التقى برجلين من مشركي بني عامر وهي فرع من فروع بني سليم، فرأى عمرو أن قتلهما يعد ثأرا لأصحابه، فقتلهما بالفعل، ثم فوجئ بوجود عهد لهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمان، فعاد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وحكى له القصة، فقال لعمرو بن أمية في عدل نادر «لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ لَأَدِيَنّهُمَا!». ولذلك قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفع الدية لأهلهما!! ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد خان الآخرون العهد وقتلوا سبعين فمن حقي أن أخون العهد أنا الآخر وأقتل رجلين. ولكن لم يكن قرار دفع الدية قرار سهلا كونها فدية كبيرة لا تجمع بسهولة فيما تمر المدينة بأزمة اقتصادية كبيرة.