الأول "جامعيين": التحاقي بالقوات المسلحة كان حلم الطفولة وشرف العمر    وزير الاتصالات: تنفيذ عدد من المشروعات لتوظيف تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الذكاء الاصطناعى فى إدارة الموارد المائية    ترامب يغادر البيت الأبيض بعد قليل متجها إلى الشرق الأوسط    نتنياهو: الحرب لم تنته لأن جزءًا من أعدائنا يبني قدراته ويستعد للهجوم علينا    الخارجية الفلسطينية تؤكد أهمية ربط خطة ترمب للسلام بمرجعيات القانون الدولي    الصحفي الذي لم يغادر الميدان إلا شهيدًا.. من هو صالح الجعفري الذي اغتيل على يد ميليشيات مسلحة في غزة؟    منتخب مصر يتقدم على غينيا بيساو بهدف نظيف في الشوط الأول    تدريبات تأهيلية لثلاثي الزمالك خلال مران اليوم    تريلا تدهس توك توك أعلى كوبري بدمياط ومصرع شخص جراء الحادث    "السياحة": منصة رحلة تتيح زيارة 112 موقع أثري في مقدمتها الأهرامات والمتحف الكبير    عضو بالحزب الجمهوري الأمريكى: السيسي أنقذ الشعب الفلسطيني من التهجير    وائل جسار يُحيى حفلا غنائيا فى لبنان الأربعاء المقبل    وكيل صحة سوهاج: انطلاق الفحص الطبى الشامل لطلاب المدارس لمدة 3 أشهر    تعرف على تشكيل كرواتيا ضد جبل طارق بتصفيات المونديال    «مدبولي» يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره الجزائري لمتابعة تحضيرات اللجنة العليا المصرية الجزائرية المشتركة    التحريات تكشف تفاصيل جديدة في حادث سقوط السقالة بمدينة السادات في المنوفية    أحمد موسي: كانت هناك محاولات لإفشال مفاوضات شرم الشيخ لكن ترامب ضغط لإجرائها    خطوات إضافة مواليد على بطاقة التموين 2025    نتائج اليوم الثاني لمنافسات الكبار ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية    بيحبوا يصحوا بدري.. 5 أبراج نشيطة وتبدأ يومها بطاقة عالية    هل التدخين يبطل الوضوء؟ أمين الفتوى: يقاس على البصل والثوم (فيديو)    أسامة الجندي: القنوط أشد من اليأس.. والمؤمن لا يعرف الإثنين أبدًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أول الحذر..ظلمة الهوى000؟!    إصابة أولمو تربك حسابات فليك قبل مباراة جيرونا    قافلة طبية بجامعة الإسكندرية لفحص وعلاج 1046 مواطنًا بالمجان في الكينج مريوط (صور)    بسبب عدم مشاركته ضد بلغاريا.. حارس تركيا يترك المعسكر دون إذن    قيادات وأساتذة جامعات بقائمة المعينين بمجلس الشيوخ.. بالأسماء    بعد حادث الوفد القطري.. رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري يستقبل سفير مصر في الدوحة    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    20 أكتوبر.. انطلاق جولة «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بإقليم القناة وسيناء    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تأجيل الدعوى المقامة ضد إبراهيم سعيد لمطالبته بدفع نفقة ابنه    رئيس وزراء لبنان يطلب من الخارجية تقديم شكوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    مصر تدين الهجوم على مركز لإيواء النازحين بمدينة الفاشر السودانية    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    نجوم الأهلي في زيارة حسن شحاتة بالمستشفى للاطمئنان على حالته الصحية    سويلم يلتقى نائب وزير البيئة والزراعة السعودى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    إصابة 5 فى تصادم سيارة ملاكى وتوك توك وتروسكيل بطريق برج نور أجا بالدقهلية    مستشفيات مطروح تقدم 38 ألف خدمة طبية وتجرى 206 عمليات جراحية خلال أسبوع    رئيس الضرائب: التعامل بالفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني يعزز الشفافية    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    محافظ أسوان يتابع استكمال تشغيل المراكز الطبية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    محمود ياسين من نادى المسرح فى بورسعيد إلى ذاكرة الوطن    مراكز خدمات «التضامن» تدعم ذوى الهمم    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    غدًا.. عرض أفلام مهرجان بردية السينمائي في ضيافة المركز القومي للسينما بالهناجر    «كفى ظلمًا».. حسام المندوه: أدخلنا للزمالك 800 مليون جنيه    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجال حول الرسول.. عمير بن وهب " شيطان الجاهلية, وحواريّ الإسلام " ( 22 )
نشر في الفجر يوم 09 - 07 - 2015

في يوم بدر, كان واحدا من قادة قريش الذين حملوا سيوفهم ليجهزوا على الإسلام.
وكان حديد البصر, محكم التقدير, ومن ثم ندبه قومه ليستطلع لهم عدد المسلمين الذين خرجوا مع الرسول للقائهم, ولينظر إن كان لهم من وزرائهم كمين أو مدد..
وانطلق عمير بن وهب الجمحيّ وصال بفرسه حول معسكر المسلمين, ثم رجع يقول لقومه:" إنهم ثلاثمائة رجل, يزيدون قليلا أ, ينقصون" وكان حدسه صحيحا.
وسألوه: هل وراءهم امتداد لهم؟؟ فأجابهم قائلا:
" لم أجد وراءهم شيئا.. ولكن يا معشر قريش, رأيت المطايا تحمل الموت الناقع.. قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم..
" والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم, فإذا أصابوا منكم مثل عددهم, فما خير العيش بعد ذلك..؟؟
" فانظروا رأيكم"..
وتأثر بقوله ورأيه نفر من زعماء قريش, وكادوا يجمعون رجالهم ويعودون إلى مكة بغير قتال, لولا أبي جهل الذي أفسد عليهم رأيهم, وأضرم في النفوس نار الحقد, ونار الحرب التي كان هو أول قتلاها..

كان أهل مكة يلقبونه بشيطان قريش..
ولقد أبلى شيطان قريش يوم بدر بلاء لم يغن قومه شيئا, فعادت قوات قريش إلى مكة مهزومة مدحورة, وخلّف عمير بن وهب في المدينة بضعة منه.. إذ وقع ابنه في أيدي المسلمين أسيرا..
وذات يوم ضمّه مجلس ابن عمّه صفوان بن أميّة.. وكان صفوان يمضغ أحقاده في مرارة قاتلة, فان أباه أميّة بن خلف قد لقي مصرعه في بدر وسكنت عظامه القليب.
جلس صفوان وعمير يجترّان أحقادهما..
ولندع عروة بن الزبير ينقل إلينا حديثهما الطويل:
" قال صفوان, وهو يذكر قتلى بدر: والله ما في العيش بعدهم من خير..!
وقال له عمير: صدقت, ووالله لولا دين محمد عليّ لا أملك قضاءه, وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله, فان لي عنده علة أعتلّ بها عليه: أٌقول قدمت من أجل ابني هذا الأسير.
فاغتنمها صفوان وقال: عليّ دينك.. أنا أقضيه عنك.. وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا..
فقال له عمير:إذن فاكتم شأني وشأنك..."

ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسمّ, ثم انطلق حتى قدم المدينة.
وبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر, ويذكرون ما أكرمهم الله به, إذ نظر عمر فرأى عمير بن وهب, قد أناخ راحلته على باب المسجد, متوشحا سيفه, فقال:
هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب, والله ما جاء إلا لشرّ..
فهو الذي حرّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر..
ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فال:
يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه..
قال صلى الله عليه وسلم:
أدخله عليّ.." فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبّبه بها, وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار, ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث, فانه غير مأمون."
ودخل به عمر على النبي صلى الله عليه وسلم, وهو آخذ بحمّالة سيفه في عنقه فلما رآه الرسول قال: دعه يا عمر..
إذن يا عمير..
فدنا عمير وقال: انعموا صباحا, وهي تحيّة الجاهلية,
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير, بالسلام.. تحية أهل الجنة.
فقال عمير: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد.
قال لرسول: فما جاء بك يا عمير..؟؟
قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم.
قال النبي: فما بال السيف في عنقك..؟؟
قال عمير: قبّحها الله من سيوف, وهل أغنت عنا شيئا..؟!
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أصدقني يا عمير, ما الذي جئت له..؟
قال: ما جئت إلا لذلك.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: بل قعدت أنت وصفوان بن أميّة في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش, ثم قلت, لولا دين عليّ, وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا, فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له, والله حائل بينك وبين ذلك..!!!
وعندئذ صاح عمير: أشهد أن لا اله إلا الله, وأشهد أنك رسول الله.. هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان, فوالله ما أنبأك به إلا الله, فالحمد لله الذي هداني للإسلام..
فقال الرسول لأصحابه: فقّهوا أخاكم في الدين وأقرئه القرآن, وأطلقوا أسيره....!!

خكذا أسلم عمير بن وهب..
هكذا أسلم شيطان قريش, وغشيه من نور الرسول والإسلام ما غشيه فإذا هو في لحظة يتقلب إلى حواريّ الإسلام..!!
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" والذي نفسي بيده, لخنزير كان أحبّ إليّ من عمير حين طلع علينا..
ولهو اليوم أحبّ إليّ من بعض ولدي"..!!

جلس عمير يفكّر بعمق في سماحة هذا الدين, وفي عظمة هذا الرسول:
ثم تذكر بلاءه يوم بدر وقتاله.
وتذكر أيامه الخوالي في مكة وهو يكيد للإسلام ويحاربه قبل هجرة الرسول وصحبه إلى المدينة.
ثم هاهو ذا يجيء اليوم متوشحا سيفه ليقتل به الرسول.
كل ذلك يمحوه في لحظة من الزمان قوله:" لا اله إلا الله, محمد رسول الله"..!!
أيّة سماحة, وأي صفاء, وأية ثقة بالنفس يحملها هذا الدين العظيم..!!
أهكذا في لحظة يمحو الإسلام كل خطاياه السالفة, وينسى المسلمون كل جرائره وعداواته السابقة, ويفتحون له قلوبهم, ويأخذونه بالأحضان..؟!
أهكذا والسيف الذي جاء معقودا على شرّ طوية وشرّ جريمة, لا يزال يلمع أمام أبصارهم, ينسي ذلك كله, ولا يذكر الآن إلا أن عميرا بإسلامه, قد أصبح أحدا من المسلمين ومن أصحاب الرسول, له ما لهم.. وعليه ما عليهم..؟!!!
أهكذا وهو الذي ودّ عمر بن الخطاب منذ لحظتين أن يقتله, يصبح أحب إلى عمر من ولده وبنيه..؟؟؟!!!
إذا كانت لحظة واحدة من الصدق, تلك التي أعلن فيها عمر إسلامه, تحظى من الإسلام بكل هذا التقدير والتكريم والمثوبة والإجلال, فان الإسلام إذن لهو دين عظيم..!!

وفي لحظات عرف عمير واجبه تجاه هذا الدين.. أن يخدمه بقدر ما حاربه, وإن يدعو إليه, بقدر ما دعا ضدّه.. وأن يري الله ورسوله ما يحب الله ورسوله من صدق, وجهاد وطاعة.. وهكذا أقبل على رسول الله ذات يوم, قائلا:
" يا رسول الله: انب كنت جاهدا على إطفاء نور الله, شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل, واني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة, فأدعوهم إلى الله تعالى, وإلى رسوله, وإلى الإسلام, لعلّ الله يهديهم, وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم"..

في تلك الأيام, ومنذ فارق عمير مكة متوجها إلى المدينة كان صفوان بن أمية الذي أغرى عميرا بالخروج لقتل الرسول, يمشي في شوارع مكة مختالا, ويغشي مجالسها وندواتها فرحا محبورا..!
وكلما سأله قومه وإخوته عن سر فرحته ونشوته, وعظام أبيه لا تزال ساخنة في حظائر بدر, يفرك كفّيه في غرور يقول للناس:" أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تنسيكم وقعة بدر"..!
وكان يخرج إلى مشارف مكة كل صباح يسأل القوافل والركبان:" ألم يحدث بالمدينة أمر".
وكانوا يجيبونه بما لا يحب ويرضى, فما منهم من أحد سمع أو رأى في المدينة حدثا ذا بال.
ولم ييأس صفوان.. بل ظلّ مثابرا على مساءلة الركبان, حتى لقي بعضهم يوما فسأله:" ألم يحدث بالمدينة أمر"..؟؟
فأجابه المسافر: بلى حدث أمر عظيم..!!
وتهللت أسارير صفوان وفاضت نفسه بكل ما في الدنيا من بهجة وفرح..
وعاد يسأل الرجل في عجلة المشتاق:" ماذا حدث اقصص عليّ".. وأجابه الرجل: لقد أسلم عمير بن وهب, وهو هناك يتفقه في الدين, ويتعلم القرآن"..!!
ودارت الأرض بصفوان.. والوقعة التي كان يبشر بها قومه, والتي كان ينتظرها لتنسيه وقعة بدر جاءته اليوم في هذا النبأ الصاعق لتجعله حطاما..!!

وذات يوم بلغ المسافر داره.. وعاد عمير إلى مكة شاهرا سيفه, متحفزا للقتال, ولقيه أول ما لقيه صفوان بن أمية..
وما كاد يراه حتى هم بمهاجمته, ولكن السيف المتحفز في يد عمير ردّه إلى صوابه, فاكتفى بأن ألقى على سمع عمير بعض شتائمه ثم مضى لسبيله..
دخل عمير بن وهب مكة مسلما, وهو الذي فارقها من أيام مشركا, دخلها وفي روعة صورة عمر بن الخطاب يوم أسلم, ثم صاح فور إسلامه قائلا:
" والله لا أدع مكانا جلست فيه بالكفر, إلا جلست فيه بالإيمان".

ولكأنما اتخذ عمير من هذه الكلمات شعارا, ومن ذلك الموقف قدوة, فقد صمم على نذر حياته للدين الذي طالما حاربه.. ولقد كان في موقف يسمح له بأن ينزل الأذى بمن يريد له الأذى ..
وهكذا راح يعوّض ما فاته.. ويسابق الزمن إلى غايته, فيبشر بالإسلام ليلا ونهارا.. علانية وإجهارا..
في قلبه إيمانه يفيض عليه أمنا, وهدى ونورا..
وعلى لسانه كلمات حق, يدعو بها إلى العدل والإحسان والمعروف والخير..
وفي يمينه سيف يرهب به قطاع الطوق الذين يصدّون عن سبيل الله من آمن به, ويبغونها عوجا.
وفي بضعة أسابيع كان الذين هدوا إلى الإسلام على يد عمير يفوق عددهم كل تقدير يمكن أن يخطر ببال.
وخرج عمير بهم إلى المدينة في موكب طويل مشرق.
وكانت الصحراء التي يجتازونها في سفرهم لا تكتم دهشتها وعجبها من هذا الرجل الذي مرّ من قريب حاملا سيفه, حاثّا خطاه إلى المدينة ليقتل الرسول, ثم عبرها مرّة أخرى راجعا من المدينة بغير الوجه الذي ذهب به يرتل القرآن من فوق ظهر ناقته المحبورة.. ثم ها هو ذا يجتازها مرة ثالثة على رأس موكب كبير من المؤمنين يملؤون رحابها تهليلا وتكبيرا..

أجل لإنه لنبأ عظيم.. نبأ شيطان قريش الذي أحالته هداية الله إلى حواريّ باسل من حوارييّ الإسلام, والذي ظلّ واقفا إلى جوار رسول الله في الغزوات والمشاهد, وظلّ ولاؤه لدين الله راسخا بعد رحيل الرسول عن الدنيا.
وفي يوم فتح مكة لم ينس عمير صاحبه وقريبه صفوان بن أمية فراح إليه يناشده الإسلام ويدعوه إليه بعد أن لم يبق شك في صدق الرسول, وصدق الرسالة..
بيد أن صفوان كان قد شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها إلى اليمن..
واشتدّ إشفاق عمير على صفوان, وصمم على أن يستردّه من يد الشيطان بكل وسيلة.
وذهب مسرعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:
" يا نبيّ الله إن صفوان بن أميّة سيّد قومه, وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر فأمّنه صلى الله عليك,
فقال النبي: هو آمن.
قال رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك, فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة"..

ولندع عروة بن الزبير يكمل لنا الحديث:
" فخرج بها عمير حتى أدركه وهو يريد أن يركب البحر فقال: يا صفوان, فداك أبي وأمي.. الله الله في نفسك أن تهلكها.. هذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به..
قال له صفوان: ويحك, اغرب عني فلا تكلمني. قال: أي صفوان..فداك أبي وأمي, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الناس, وأبرّ الناس , وأحلم الناس, وخير الإنس.. عزّه عزّك, وشرفه شرفك..
قال: إني أخاف على نفسي..
قال: هو أحلم من ذاك وأكرم..
فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا يزعم أنك أمّنتني..
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: صدق..
قال صفوان: فاجعلني فيه بالخيار شهرين..
قال صلى الله عليه وسلم: أنت بالخيار أربعة أشهر".
وفيما بعد أسلم صفوان.
وسعد عمير بإسلامه أيّما سعادة..
وواصل ابن وهب مسيرته المباركة إلى الله, متبعا أثر الرسول العظيم الذي هدى الله به الناس من الضلالة وأخرجهم من الظلمات إلى النور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.