عام بعد آخر تستمر الأزمة الليبية على الرغم من الجهود الأممية والدولية والعربية والقارية المبذولة من أجل التوصل لحلول تجمع القوى والأطراف الليبية في ظل تعدد الاشكاليات التي تواجه ليبيا حاليا . السفير هاني خلاف مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون العربية ومن الشخصيات الدبلوماسية المصرية المعروفة لدى العديد من الدوائر العربية والدولية باهتمامها العميق بالشأن الليبي كشف في تصريحات ل «الأهرام» أبرز الإشكاليات التي تواجه ليبيا في الفترة الحالية وسبل التحرك فيها ودور مبعوثي الأممالمتحدة والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي وكذلك وجهة النظر الأمريكية حيال الأزمة الليبية بعد انتخاب دونالد ترامب والدور المصري المستقبلي . يوضح السفير هاني خلاف ان ليبيا تواجه في المرحلة الراهنة ثلاثة إشكاليات متداخلة ومتزامنة وقد تكفي واحدة منها لإرباك المشهد كله وتعطيل الثمار التي يمكن أن يحققها اى انفراج في المشكلات الاخري وأولي هذه الإشكاليات استمرار نقصان الشرعية الموحدة والملزمة او توزعها بين عدة أطراف في شرق وغرب ليبيا وذلك بسبب استمرار الخلاف حول مدى كفاية الاتفاق السياسي المعروف «باتفاق الصخيرات» فى تحقيق التوازن بين مكونات المجتمع الليبي وقواه السياسية والعسكرية والإشكالية الثانية تكمن فى تمدد جماعات الإرهاب الداعشي والقاعدي مع تعدد المؤسسات العسكرية والأمنية والميليشيات المسلحة وغياب اية مبادرة وطنية حقيقية يمكنها ان تقنع او تغري الميليشيات الجهوية المتناثرة للانضمام إلى الجيش الليبي الوطني، باعتباره المؤسسة العسكرية الأكبر حجما والأكثر استعدادا مؤكدا أن هذا التوزع بين القوى العسكرية تستفيد منه الجماعات الإرهابية في إطالة بقائها واستغلال الثغرات فى الانتقال بين مواقع مختلفة داخل وخارج ليبيا وتتمحور الإشكالية الثالثة حول تدهور الأوضاع الاقتصادية في عموم البلاد وتفاقم مشكلات المعيشة اليومية للمواطنين وظهور بوادر لحركات عصيان مدني فى العاصمة طرابلس وبعض المدن الاخري رغم إعلان مصرف ليبيا المركزي ومؤسسة النفط الليبية عن ارتفاع حصائل صادرات النفط واستمرار كميات الإنتاج دون تخفيض على النحو الذي توصي به منظمة أوبك .ويبدو واضحا ان من وراء هذه الإشكاليات الثلاث التي يعاني منها الليبيون إشكالية أخري اكبر واشمل وهى تدخل عدة اطراف اقليمية ودولية فى تحريك الامور داخل ليبيا بما يحقق مصالح تلك الاطراف الخارجية مع عدم قدرة الاطراف الليبية على وقف هذا التدخل . وحول كيفية التحرك لمواجهة هذه المشكلات يوضح مساعد وزير الخارجية للشئون العربية انه اذا كان من قبيل الرومانسية الثورية او النصيحة النظرية فإن الليبيين مطالبين فى ظروفهم الراهنة بتحرير أنفسهم من قبضة الوصاية الخارجية تماما فليكن لدى القيادات الليبية الثلاث التي تتوزع بينها «الشرعية» قدر من الشجاعة الأدبية في اتخاذ قرار بالالتقاء معاً ولو فى إحدى مدن الجنوب الليبي لإرسال رسالة إلى جميع الليبيين والى العالم باستعدادهم لكسر الجليد والاتفاق على إجراءات او خطوات لبناء الثقة فيما بينهم تبدأ برسم ملامح التعديلات الممكنة للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي وتقديم تفاهمات متبادلة في شأن وضعية الجيش الليبي وعلاقته بباقي مؤسسات الدولة وطرح مبادرة وطنية لحل الميليشيات الجهوية المسلحة وإدماج عناصرها داخل المنظومة العسكرية الوطنية الجامعة وفتح باب المصالحة أمام عناصر النظام السابق التي لم تتلطخ أياديها بدماء الليبيين كما انه من المهم الإعلان عن خطوط جديدة لتشكيل الحكومة الوطنية وصياغة ملامح لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكافة أرجاء البلاد وقد يكون من المفيد أيضا قيام القيادات الثلاثة بطمأنة الأطراف الأجنبية على مصالحها الاقتصادية وتأمين جالياتها وبعثاتها الموجودة في ليبيا والإعلان أيضا عن التزام ليبيا والليبيين باحترام قواعد القانون الدولي والاتفاقيات والمواثيق المبرمة ، وعدم الدخول فى تحالفات عسكرية او امنية مع اى من القوى الكبري ضد قوى اخري وفى تقديري فإن مثل هذا اللقاء لو تم بهذه الروح وبعيدا عن الوسطاء يمكن ان يفتح صفحة جديدة فى تاريخ الوطنية الليبية وقد ينتج عنه اختزال فى مراحل التسوية الشاملة للازمات الليبية. ويؤكد انه اذا حدث التوافق الليبي الداخلي لا يعني ذلك الاستغناء عن ادوار الوسيط الدولي كوبلر والمبعوث العربي الجديد صلاح الجمالي فهذه الأدوار الدولية والعربية ومعها أيضا الأفريقية ستكون مهمة ومطلوبة لانجاز وتنفيذ كثير من الجوانب الفنية المتعلقة بخطوات إعادة بناء الدولة وتجهيز وإمداد المؤسسات العسكرية والاقتصادية بما يلزم لعملها ومن المأمول أن يتمكن المبعوث العربي من فتح أبواب وقنوات جديدة للدعم العربي بما يوافق احتياجات المؤسسات الليبية حاليا وفى مراحل ما بعد التسوية السياسية . وحول ما إذا كانت اتجاهات ترامب ستؤثرعلى السياسة الامريكية تجاه ليبيا يوضح السفير هاني خلاف انه من واقع المرصود فى تصريحات الرئيس الامريكي المنتخب بشأن ليبيا يلاحظ انه يهتم فقط باستمرار صادرات النفط الليبية ومحاربة داعش والقاعدة ولا ينبغي ان يفهم من ذلك ان أمريكا فى عهده لن يكون لها اهتمامات أخري فمسألة توازن المصالح بين أمريكا وأوروبا من ناحية والعلاقات الإستراتيجية بين واشنطن وموسكو من ناحية أخري سيكون لهما في الأرض الليبية اختبارات عديدة وقد يؤدى تضييق الخناق على داعش والقاعدة فى ليبيا الى قيام بعض عناصرهما بعمليات ضد المصالح الأمريكية . وحول الادوار المصرية المتوقعة فى مستقبل ليبيا يشير ان مصر وليبيا ترتبطان بروابط تحكمها اعتبارات الجوار الجغرافي اللصيق والأصول السكانية المشتركة لعدد من القبائل الموزعة على جانبي الحدود بالإضافة إلى تبادل الخبرات بين أبناء مصر الذين أسهموا طوال العقود الأربعة الماضية في مشروعات التنمية العمرانية والصناعية الزراعية و الخدمية فى ليبيا ومساهمة الأشقاء الليبيين باستثماراتهم في بعض المشروعات الزراعية والسياحية داخل مصر، ومن الطبيعي ان تستأنف مصر أدوارها التنموية في ليبيا بمجرد انجاز التسويات السياسية وتحقيق الاستقرار الأمني وقد يكون لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وقطاعات الكهرباء والتشييد المصرية السبق عند استئناف هذا الدور التنموي إلى جانب المساهمة في إعادة بناء وتدريب القوات المسلحة الليبية والمرافق والمواني البحرية ، والمساهمة في بناء مؤسسات الخدمات الصحية والتعليمية التي يحتاجها الأخوة الليبيون. ومن الوارد في كل الأحوال أن تقوم مصر بتنسيق هذه الأدوار مع كل الأطراف العربية والإفريقية والأجنبية الراغبة في معاونة ليبيا والليبيين .