بعبارات مقتضبة وصوت حزين ووجه يعلوه الوجوم، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند منذ ايام قليلة عن انسحابه من المعركة الانتخابية المرتقبة للرئاسة فى 2017.لتكون المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة التي لا يترشح فيها رئيس فرنسي لولاية ثانية..وليلغي بذلك اولاند من حساباته إمكانية البقاء لفترة جديدة بالاليزيه.وهو مايتنافي مع رغبته وطموحاته الحقيقية. والواقع ان القرار زلزل الساحة بالجدل بين المؤيد والمعارض، وبين الرأي والرأي الآخر يرى بعض المراقبين ان اعلان رئيس الوزراء-المستقيل-مانويل فالس خوضه سباق الاليزيه يعد بمثابة شبه اتفاق ضمني بين الرئيس فرانسوا اولاند ورئيس حكومته السابق للترشح بالنيابه عنه، في خطوة للم شتات الحزب الاشتراكي والعمل علي الاحتفاظ بالسلطة في اروقة اليسار. الا ان البعض الآخر يري ان هناك خلافات مقنعة وان فالس خان رئيسه وطعنه في ظهره حينما اعلن مسبقا عن نية ترشحه، خاصة وانه انتقد في تصريحات أدلي بها ل«جورنال لوديمونش»، صدور كتاب لفرانسوا اولاند، استعرض فيه الاخير،اسرار نسائه الثلاثة، سيجولن روايال، وفاليري تريفيلير، والعشيقة الحالية الممثلة جولي جايه ،والكتاب احاديث لاولاند مع صحفيين بجريدة لوموند. وبنظرة عامة علي تداعيات الأحداث حل وزير الداخلية برنار كازنف مكان رئيس الوزراء المستقيل،الامر الذي اتخذته المعارضة والمحللون اداة لانتقاد القرار الرئاسي، حيث ان البلاد في حالة طوارئ، وعرضة لاعتداءات ارهابية، وبالتالى فان قرار ترك كازنف للداخلية -حاليا-غير موفق،خاصة وانه علي علم بإبعاد الأزمة وخطورة الوضع الأمني في البلاد. وفيما يخص الصراع علي الاليزيه،يري النائب جورج مينش الذي كان يترأس جلسات التحقيقات في الأحداث الإرهابية بالبرلمان، ان التاريخ يعيد نفسه، وان فالس سيقتلع الاشتراكيين من الاليزيه مثلما فعل ليونيل جوسبان رئيس الوزراء-الأسبق-في الانتخابات الرئاسية 2002 حيث انه كان سببا في وصول الزعيم اليميني المتطرف جان ماري لوبن للجولة الثانية، لولا تفوق جاك شيراك عليه. وان الظروف الراهنة اشد خطورة،حيث تعاني فرنسا من مشاكل امنية خطيرة، و يُذكّر مينش، بان الفرنسيين رفضوا جوسبان-آنذاك-بسبب ارتفاع نسبة المتسولين والشغب في المجتمع. والان،ونحن علي بعد خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية،مازالت ردود الأفعال تتوالي علي الساحة السياسية ، فالمعارضة بانتماءاتها،اعتبرت انسحاب اولاند نتيجة لفشل سياساته في إدارة البلاد،وادركا منه بانه لو خاض الانتخابات سيهزم هزيمة ساحقة، وهو نفس رأي مارين لوبن زعيمة الجبهة اليمينية المتطرفة.اما المؤيدون لسياسته فيختلقون له الاعذار، فعلي سبيل المثال، ترى جوليت ميدال سكرتيرة الدولة لشئون مساعدة الضحايا، وهي من معسكر اولاند. أن تردي شعبية اولاند وانسحابه ترجع إلى حالة ما وصفته ب «افلاس تفاهم سياسي»..بالاضافة الي الانقسام الواضح في جبهة اليسار والاشتراكيين. وقالت جوليت ان انسحاب اولاند ليس بسبب اخفاق الرئيس وسياساته في قيادة البلاد وانما هو بسبب سوء تفاهم في ساحة اليسار موضحة ان هذا الصدع كان من أهم الأسباب التي أدت لرفض البرلمان اعتماد الميزانية التي قدمتهاالحكومة مؤخرا. الامر الذي كشف بوضوح ان هناك نواب من اليسار والاشتراكيين أنفسهم -المفترض انهم الأغلبية الحاكمة-قد صوتوا بالرفض علي خطة معسكرهم. وبالطبع كان هذا الرفض بمثابة المسمار الاخير في نعش الاشتراكيين، لذا فضل الرئيس فرانسوا اولاند ألا يغامر باجتياز الانتخابات لفترة رئاسية ثانيةحرصا منه علي رأب الصدع في اروقة اليسار. أما بالنسبة لفرضية الخيانة السياسية التي اودت ببقاء اولاند بالاليزيه، بتلقيه حزمة طعنات من «عائلته السياسية» فيرى المراقبون أن هناك اكثر من شخصية أعطاها اولاند الثقة، وكانوا من اهم معاونيه في الحكومة بداية من ارنوا مونتبور وزير الاقتصاد السابق، المحسوب على أقصى اليسار بالحزب الاشتراكي، وكان من الوزراء الذين انسحبوا من الحكومة عندما كان يرأسها جان مارك آيرو،لاختلافه الشديد حول السياسات الحكومية..وكذلك إيمانويل ماكرون وزيرالمالية الذي جاء إعلانه بترك الوزارة ليخوض سباق الاليزيه كالعاصفة المدوية علي الساحة وصفعة للسلطة. وعلي صعيد الانتخابات وبعد اعلان فالس خوض الانتخابات التمهيدية بالحزب الاشتراكي في يناير2017.يطرح المراقبون افتراضية إخفاقه ليواجه نفس مصير الرئيس اليمني السابق نيكولا ساركوزي الذي تم استبعاده -مؤخرا- في انتخابات حزبه الجمهوري والتي خرج منها رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون فائزا علي عكس توقعات الساحة. ويرجع البعض افتراضية الفشل المحتمل،إلى ان فالس كان رئيسا للحكومة ويحمل نفس البرنامج السياسي للرئيس فرانسوا أولاند. ومن ناحيته، نوه مانويل فالس في كلمته الاخيرة عن أسباب ترشحه إلى إن مواجهة اليمين المتطرف من أهم أسباب ترشحه، وإنه لا يريد أن يرى فرنسا في نفس موقف عام 2002 عندما تواجه اليمين واليمين المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. ودعا اليسار الفرنسي لتوحيد الصف ونبذ الانقسام قائلا ان فرنسا بطبقاتها الكادحة من العمال والموظفين والطبقات الشعبية بحاجة إليهم وعليه ألا يخذل الجميع. وكما اعتدنا في مثل هذه الحملات الانتخابية اغتنم فالس الفرصة ليهاجم مرشح الجمهوريين للانتخابات الرئاسية فرانسوا فيون، واصفا برنامجه بالرجعي المنغلق، وبأنه لا يرقى لتطلعات البلاد في العالم الجديد.وقال فالس أريد فرنسا قوية جديدة تستثمر في البيئة والصناعات الحيوية والطاقة المتجددة.