نجحت الطبلية أن تلم شمل العرب بعد أن فرقتهم السياسة والصراع الذي يأبي أو ربما هم الذين يأبون أن يغادرهم يوما , حيث تستعد جماعة بصمات الفنانين التشكيليين العرب لإقامة ملتقي فني بمشاركة حوالي250 فنانا من18 دولة عربية يقدمون350 عملا فنيا كانت الطبلية هي مصدر إلهامهم, إذ يحتضن أتيليه القاهرة يوم الأحد18 من ديسمبر الجاري الملتقي في دورته الثانية عشرة وقد خصصت باسم العراق وبتيمة أساسية هي الطبلية والموروث الشعبي. ............................................................. وبحسب الفنان وحيد البلقاسي رئيس جماعة بصمات جاء اختيار هذه التيمة في ذلك التوقيت خصيصا حرصا علي الحفاظ علي عادتنا وتقاليدنا الشعبية. فما الطبلية إلا معني عميق نفتقده الآن ويكمن في الالتفاف واللمة حول مائدة طعام واحدة وهي الفن والثقافةحرصا منا علي استمرارية لم الشمل العربي علي مستوي الفكر والوجدان والشعوب إذا كنا فشلنا كعرب في تحقيق ذلك في السياسة والأنظمة.! ومن هنا ستكون الطبلية هي التيمة الشعبية لشتي أنواع الفنون التشكيلية بالملتقي من رسم, وتصوير زيتي وفوتوغرافي, ونحت, وخزف, وجرافيك, وأعمال في الفراغ, وخط عربي, فلم تكتف الطبلية يوما بحمل أطباق الطعام, لكنها كانت تقدم إلينا قبل ذلك مشاعر وأحاسيس دافئة ومشاهد وصورا انسانية نادرة, ولم تكن مجرد سطح خشبي يستندإلي تلك القوائم الأربعة القصيرة,إنما كانت شاهداعلي أيام اللمة الحلوة والتمازج الروحي لتحفر في الذاكرة والوجدان أياما وذكريات لاتنسي خاصة في الأعياد والمناسبات السعيدة, إنها الطبلية التي ترفض أن تتواري, فما بين عودتها إلي البيوت العصرية كقطعة ديكور تراثية وظهور مطاعم حديثة تقدم الطعام علي الطبلية في حنين لها ولذكرياتها. فكانت الطبلية قديما بمثابة رمزيجمع المصريين في مختلف أنحاءالوطن وللمة العيلة قبل انتشارمواقع التواصل الاجتماعي ووسائل التكنولوجيا الحديثة, التي أفسدت الترابط الأسري, فحول الطبلية التف المصريون, فأكلوا وشربوا وذاكروا وتعلموا التقاليد المصرية, وكانت كقطعة شهية من التاريخ تتمتع بمذاق خاص هو مذاق أرض الكنانة الطيبة. تجسد في جوهرها وما يرتبط بها من معان ومشاعر وما يوجد حولها من عناصر لوحة فنية من صنع مصر خاصة في الريف والجنوب, لتتكون اللوحة من الطبلية الخشبية وقد وضع عليها الطعام الفلاحي أو الصعيدي قبل أن يبدأ الجميع يومه وعمله. وكان الجالسون علي الأرض حول الطبيلة يتسلل إليهم الإحساس بروعة المشاعر المتوهجة في حالة من الحميمية ومشاعر الود الطيبة التي تجمع بينهم.فكانت الأسرة الواحدة تأخذ حولها شكل الحلقة الدائرية وتلتصق الأجساد كل بجوار الآخر دون أن تسمح الطبلية الصغيرة بوجود الفراغات الكبيرة, فيجلس الأبوان بحنانهما وعطائهما الجميل والأبناء بشقاوتهم وضحكاتهم الصافية ينتظرون النايب, ثم تختلط الأيادي, كبيرها مع صغيرها أثناء تناول الطعام. حيث يحكي كل فرد ما حدث في يومه القريب والبعيد!, فيتناقشون ويضحكون ويتسامرون ويأكلون بنفس راضية. علي العكس مما يحدث الآن في كثير من البيوت حيث يتناول كل فرد طعامه منفردا وفقا لظروف عمله أو دراسته, مشغولا بما ينتابه من إحدي وجبات التيك أواي السريعة, أو ربما يكون أكثر انشغالا بأحداث الدراما التي يتابعها في التلفاز وبهموم أبطالها أكثر مما يهتم بهموم ومتاعب من حوله من أفراد أسرته!! وفي أحيان أخري يحمل بين يديه جهاز الموبايل أوالآي باد غارقا فيما تحمله إليه مواقع التواصل الاجتماعي من حقائق وأكاذيب وصور وتعليقات. تراث غذائي ولطالما كانت تحمل الطبلية صنفا واحدا من الطعام يتلاءم مع ظروف كثير من الأسر المصريةالراضية السعيدة بأحوالها دون تذمر. وفي المناسبات والأعياد كانت تحمل الطبلية أو هذا الخوان المستدير المنخفض الذي يؤكل عليه وفقا لمعناها في قاموس المعاني الولائم للضيوف. فكثيرا ما حملت علي سطحها الدائري الخشبي التقليدي أشهي الأطباق, وألذ الأصناف المصرية الأصيلة في مختلف مناحي الوطن.. صور متكررة في كل مكان علي أرض المحروسة, فهذه المرأة الريفية في نهاية عملها بالحقل تتوجه للداربجلابيتها المزركشة بألوان الطبيعة ببعض ما جمعته من أرضها الخضراء, لتعد الطعام لزوجها وللأبناء ثم تضعه راضية سعيدة بما أنجزته علي الطبلية التي يلتف حولها الجميع, و هذه تسرع لتلملم ماتبقي علي صاجها الساخن من أرغفة العيش الشمسي الصعيدي والبتاو لتحتل موقعها علي الطبلية, وعلي سفرة زمان كان هناك الطبق البطل أو الرئيسي الذي يوضع في المنتصف, وهو البط ومعه المارتة والأممة في دمياط وبورسعيد,, وهو في سيناء الفتة وفوقها الأرز واللوز وحمص الشام واللحم, والفطائر المصنوعة من الطحين والسمن.ومضت هذه الأيام وأخذت معها كثير من مفردات الحياة المصرية البسيطة ومنها الطبلية, فقلما تجتمع الأسره كلها الآن علي( طبلية) أو مائدة طعام واحدة بسبب اختلاف ايقاع الحياة ومتطلبات الحياه الحديثه وأصبح لكل فرد مواعيد طعام مختلفة عن الآخر, ومع هذه التغيرات تحولت الطبلية إلي تراث, لكنه علي ما يبدو تراث يرفض أن يختفي من المشهد المصري, حيث تطل علينا من جديد لكن كقطعة ديكور هذه المرة فرأينا بعض المصممين يتجهون إلي تصميمات عصرية للطبلية يقبل عليه بعض أصحاب البيوت الراغبة للمزج بين الأصالة والحداثة, كما أنك لو تجولت في حي خان الخليلي فلاتزال هناك بعض الأيدي التي تبرع في إبداع أنواع من الطبلية بعضها من الخشب المشغول والمحفور والبعض الآخر من مادة الألومنيوم المحفور عليها نقوش وزخارف بحرفية عالية يشتهر بها المبدع المصري, كما أنك لو تجولت بين بعض المطاعم المصرية الحديثة التي يرتبط اسمها ب الطبلية سيفاجئك مشهد تقديم الطعام علي الطبلية دون وجود لمائدة السفرة أو كما أطلق عليها طهطاوي الطبلية العالية وذلك كنوع من التماهي مع الجذور والتراث والاعتزاز بمفردات البيئة المصرية الأصيلة, وربما النوستالجيا, كما يفاجئك أن تظهر بقوة وتحد كتيمة شعبية لملتقي بصمات الفنانين التشكيليين العرب في دورته الثانية عشرة بمشاركة فنانين تشكيليين من18 دولة عربية. وفي كل الأحوال يثبت ذلك ويؤكد المكانة الخاصة للطبلية في مصر والتي جعلتها قادرة علي مقاومة فكرة الاندثار للآن حتي ولو تحولت إلي جزء من التراث أو استسلمت لبعض اللمسات العصرية من أحل البقاء!