في مدخل البيت القديم كانت تجلس بجلبابها القديم المطرز بكلف بيضاء علي شكل وردات صغيرة تحتويها وردات أكبر, وشعرها المصبوغ بحناء حمراء اعتادت عليها وأحبتها تفرق الشعر من المنتصف ذلك المنتصف الذي تبدو فيه للمدقق بدايات بيضاء للخصلات الحمراء وعلي كتفيها منديل بنفسجي تتوسطه ورود حمراء تجلس وسط أحفادها الصغار الأربعة يمرحون محدثين جلبة وصخبا يتحرك الأطفال بين طيور جدتهم التي تخرجها من العشة الجانبية وتطعمها من يديها حيث تنثر الآكل وكأنها ترش الملح في ليلة عرس وتقطع بحاجز خشبي حدود عشتها من شمال مدخل البيت مع مدخل البيت المجاور في الأرض الفضاء بينهما تشرب الاوزات من المياه المتجمعة من الأمطار, وتتحرك الديوك فوق العشة وعلي الممر الطويل لحوش البيت بينما الفراخ قابعة حول بيضها أما بقية ثروتها الحيوانية فتوجد في سطح البيت حيث تضع الخراف والماعزات الضامرة من البرد والحمام الذي يطير ويحط فوق الغية مرة أخري بعد أن يقوم ببعض حركاته الاستعراضية في الهواء. تقوم لتقطع حزم البرسيم والكرات والبصل وبقايا طعام اليوم السابق وتخلطها وتقسمها إلي مجموعات الذرة والبرسيم للخراف وبقايا الطعام والكرات للدجاج والبصل والخبزالمبلول للأوزات تحتفل وسط يومها المعتاد بسيمفونيتها التي تعزفها يوميا وسط تلك الاصوات المحببة لقلبها, يدخل عليها ابنها الأكبر الذي لا تحبه لأنه لا يطاوعها كما بقية الأولاد الستة الذين أنجبتهم بعد مرور خمس سنوات ذاقت فيها المرار من جيرانها وأقاربها وبعد الطفل الكبير الذي تراه خائبا قامت بوضع ستة أطفال كأنها في ماراثون ستحصل علي جائزته بعد أن تنجب سبعة أطفال أو كأنها قد نذرت نذرا بأنها ستنجب كل هذا العدد في وقت محدد وكان هذا الولد الذي لم يسكن في الببيت القديم المجاور لبيتها الذي بناه المرحوم لأولاده الستة والبنت في كل دور شقة حتي يكونوا بقرب أمهم وكان كل كفاحه في الحياة قد تلخص في هذا البيت الذي تغرب بسببه إلي السعودية ثم العراق ثم الكويت ثم عاد لمصر وانتهي به المطاف كهربائي فاترينة علي حائط البيت المواجه للشارع يبيع اللمبات القلاووظ والمسمار والنايلون واللمبات الموفرة واسلاك الدش واسلاك الكهربا فقد كان رجلا نشيطا لا يحب الجلوس علي المقاهي عكس عادة اهل تلك الحارة المجاورة لجامع شركس الكبير الذي ينتهي بشارع مسدود قي نهايته ولكن في الجانب الآخر منه يؤدي إلي شارع المنشية الذي يطل علي القلعة وقسم الخليفة و ميدان السيدة عائشة, وكانت هوايته الوحيدة هي تدخين الشيشة علي كرسي يضعه أمام الفاترينة وأحيانا تجده يدعو بعض المارة وأصدقائه القدامي في الحي الذين تربوا معه لحجر معسل علي السريع وفي هذه الحالة يجلب كرسيا بجوار كرسيه وكانت هناك فائدة لهذا الكرسي غير المسامرة والحديث مع من سيجلس عليه وهو تحديد حرم للفاترينة وتوسيع لدائرتها مع الوقت. ازيك يا امه تكمل ما تقوم به من عمل وكأنها لم تسمعه بقولك أزيك يا أمه أزيك يا نن عين أمك ايه الأخبار زي ما انت شايف أنت عارفه أنا عايز ايه عارفه طب أيه أدي الله وأدي حكمته أيوه يعني وبعدين ربك يبعت أنا عايز حقي المحل اللي أخواتك كبروه مش هيتباع إلا لما اموت يا ضنايا عايز توك توك بدل الخردة اللي انا راكبها أديني20 الف منين حقي روح اشتيكيني في القسم هولع في المحل طب كنت اتشطر علي اللي مسكوك وأنت بتسرق موتسكل صاحبك دا تخليص حق اسم الله عليك مفتح وراجل حد قالك عليا لامؤاخذة ما هودا اللي ناقصك والله هصورلك قتيل دول سحبو التوك توك مني إمبارح تهش الفراخ التي تجري حولها لتبعدها عنه ياخيبتي فيك أقعدي عددي بقي قالولي أني ماشي عكس ما أنت ماشي عكس ياأمه أنا مش عارف أعيش أروح فين أولع في نفسي يعني دخل أخوه الأصغر البيت فهو دائما ما يمر علي أمه قبل أن يفتح المحل صوتك جايب أخر الشارع أنت هتعملي فيها راجل بقولك والله أنت أخرتك هتموت مقتول يامحبوس يعلو صوتهما ثم يشتعل بينهما الشجار يخرج الكبير سيفا كبيرا من ملابسه بينما يخرج الصغير مطواته ويمسك مسدسه الخرطوش في يده الأخري يتجمع الناس في الحارة وتفتح النسوة الشبابيك وتطل من البلكونات يالهوي انتوا هتموتوا بعض وأنا عايشة أمال لما أموت هتعملوا أيه الحقونا يا خلق العيال هتموت بعضها يتجمع الماره في شارع الخليفة يحجز الناس بينهما بينما هربت الفراخ والكتاكيت والرومي في الشارع. تدخل أحد الجيران وهو رجل كبير في السن كان صديقا لوالدهم وطلب منهم جميعا أن يهدأوا ويصلوا علي النبي. في المقهي الصغير علي أول الشارع بجوار البيت الكبير بعد أن أنزل القهوجي الشاي والقهوة وبعد صد ورد وكلام كثير جلسوا جميعا وحكم علي بقية الأخوه أن يعطوا أخاهم المبلغ ليستطيع إعادة التوك توك من شرطة المرور.علي أن يجهزوا خلال شهر مبلغ خمسة آلاف جنيه مقدما لتوك توك جديد أعترض الأخ الأصغر فقال له الرجل الكبير في السن يعني هتموتوا بعض عشان الف جنيه فقال الأخ الكبير الناس بتموت بعض عشان جنيه مش الف والعيال لازم تأكل وتعيش قرأوا الفاتحة علي ذلك بينما الأم كانت قد سقطت علي الأرض في غيبوبة سكر جديدة فجري الجميع عليها وحملها الأخ الأصغر علي توك توك أحد أصدقائه. فتبعه الآخرون في العربة السوزوكي الصغيرة التابعة لمحل الموبيليا الذي في أول الشارع وصوت أذان الظهر يصدح في جامع شركس. والأخ الأكبر يغالب دموعة وهو يقول ماتمتيش يامه.