صادرت إسرائيل فى القدسالشرقية حوالى 64% من الأراضى الفلسطينية منذ 1967، وجرمت أكثر من 80٪ من الفلسطينيين وفق قانون التخطيط الإسرائيلي، ويوجد فى القدس اليوم، 44 الف منزل فلسطينى غير معترف بها وفق القانون الإسرائيلي، وتم تحويل شرقى القدس إلى مدينة «ثنائية القومية» من الناحية السكانية، نجحت إسرائيل بشكل كبير فى خلق واقع ديمغرافى جديد فى القدسالشرقية منذ 1967 لتصل نسبة اليهود فيها اليوم إلى 43% مقابل 57% من الفلسطينيين، تحولت القدسالشرقية إلى كانتونات منفصلة ومبعثرة ومساكن فقر، لعرقلة إقامة عاصمة فلسطينية مستقلة فى القدسالشرقية، وخلق خطاب تاريخى جديد يمحو الوجود الفلسطينى منذ آلاف السنين، وامام كل ذلك هناك غياب مطلق لسياسات استراتيجية فلسطينية لمواجهة شمولية تخطيط إسرائيل للهيمنة على القدس، مع تصاعد وتيرة التخطيط التهويدى فى شرقى القدس، لأنه سيسفر خلال سنوات معدودة عن قلب الميزان الديمغرافي، فى ظل المصادقة على آلاف المخططات التفصيلية فى أروقة التخطيط الإسرائيلي، وفى ظل غياب ردود فلسطينية ممنهجة. ولا يملك الطرف الفلسطينى الخاضع للإحتلال تحت القوة المسلحة اى رد من الممكن ان يوقف النهب الإسرائيلى للأرض والمشروع الصهيونى للتهويد، فى ظل حالة الإنقسام والتشرذم التى تعانيها الجبهة الفلسطينية سواء كان على مستوى الصراعات الداخلية داخل فتح والتى اخذت السلطة الفلسطينية فى نفق ضيق ومهاترات فصائلية، بينما إسرائيل تدير عجلة التهويد والإستيطان والتهرب من الإستحقاقات القانونية وتجهز القدس لتكون العاصمة الموحدة لإسرائيل، فتعاملت الخطط القومية الصهيونية وبعدها الإسرائيلية ولا تزال تتعامل مع المكان الفلسطينى عموما وكأنه مكان مهجور، وأن هذه الخطط لم تتضمن أى إشارة لأى اسم فلسطينى أو عربي، حماس المقاومة تدور معركتها مع إسرائيل على فتح المعابر وادخال السلع الغذائية ومواد البناء ومعاناة المواطن الفلسطينى المنكوب فى قطاع غزة، وتحالفات دولية مع المحور الشيعى ثم صراع داخل الحركة بين الرفض والقبول بالمد الإيرانى ووقت فلسطينى طويل ومهدر فى محاولات لم الشمل بين غزة والضفة واجتماعات وانقسامات وتعهدات وتوقيع على ورقة مصالحة والتنكر للتوقيع والموافقة على انتخابات ثم تراجع من الطرفين وكل جهود الفلسطينيين مجتمعة انصبت على اللعنة السوداء المسماة بالانقسام فراحت جهود الساسة وفكر المقاومة فى تقسيم الغنائم التى هى الشعب الأعزل الخاضع للإحتلال بينما انياب إسرائيل تنهش فى جسد القدس حتى تحولت التجمعات العربية فيها الى كنتونات معزولة وجزر لا يربطها رابط تم تفتيتها بالمستوطنين المتطرفين. وفى ظل هذا التشرذم الفلسطينى تنطلق عجلة التهويد المسعورة فى إعلان بلدية الاحتلال الإسرائيلية فى القدس عن مخطط استيطانى ضخم تحت مسمى «الخوذة المذهبة»على جبل المشارف فى العيسوية هو تحد للمجتمع الدولى ولكل محاولة لاحياء عملية السلام ويبعث برسالة واضحة تفيد ان الحكومة الإسرائيلية ماضية بالاستيطان ونهب الأراضى والعقارات وتهويد مدينة القدس واسرلتها، ضاربة عرض الحائط بكافة المواثيق والمعاهدات الدولية، ومثل هذا المخطط الضخم على أراضى قرية العيساوية فى جبل المشارف شمال المدينة المقدسة، على ارتفاع 35 مترا فوق سطح البحر، والممتد على ما يقارب 28 دونما من أراضى القرية «الفدان يساوى 3 دونم»، هو احد المخططات العنصرية التى من شأنها إفشال ما تبقى من فرص حل الدولتين، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلية برامجها التهويدية بإصدار قرار لتدمير مصلى للنساء فى مسجد محمد الفاتح فى حى رأس العمود بالقدسالمحتلة، بذريعة ان البناء غير مرخص، مع مواصلة اقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقصى وإقامة طقوسهم التلمودية فيها بحراسة سلطات الاحتلال الإسرائيلية واذرعها التنفيذية، مع منع كل من يقل عمره عن 50 من الرجال و45 من النساء من دخول القدس او الصلاة فى المسجد الأقصى ماضية فى تنفيذ مخططها التهويدى وعزل القدس عن محيطها الفلسطينى بمصادرة أراضى أهلها وهدم بيوتهم وإقامة المستوطنات عليها لتهجيرهم منها قسراً، وبتعزيز الاستيطان فى البؤر الاستيطانية المنتشرة فى البلدة القديمة وفى محيط المسجد الأقصى، ومنع المصلين المسلمين دخوله والصلاة فيه وإبعادهم عنه رجالاً ونساء لفرض تقسيمه الزمانى والمكانى تمهيداً للهيمنة الكاملة عليه، وبالحفريات المستمرة تحت أساساته لتقويض بنيانه وإقامة الهيكل المزعوم فى مكانه. وفى ظل ضعف وغياب دور المؤسسات الرسمية للمجتمع الفلسطينى الداعمة للقدس وأهلها، تنامى دور المؤسسات الأهلية الفلسطينية لتصبح البديل الوحيد للمواطن الفلسطينى الذى يمكن أن يلجأ إليه لسد بعض حاجات بقائه وصموده فى مدينته، مما أزعج الاحتلال الإسرائيلى الذى اتخذ نسقا قاسيًا من الحصار والتضييق بحق هذه المؤسسات . فى ندوة نظمها المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية «مدار»، حول كتاب يوسف جبارين الأستاذ فى مجال تخطيط المدن فى جامعة هارفاد الأمريكية عن استراتيجيات الإقصاء والهيمنة التى تمارسها إسرائيل فى القدس، أن الإدعاء الأساسى الذى قاد نهج التخطيط الإسرائيلى ارتكز على الترويج لوجود فرصة لبناء كيان حداثى من الصفر، عبر مجزرة معمارية ارتكبتها إسرائيل بعد النكبة طالت آلاف البيوت التى كان تعكس مخططا معماريا جديرا بأن يسمى معمار فلسطين، ودفن بلدة كاملة هى «الخيرية» عبر تحويلها إلى أكبر مكب للنفايات فى فلسطين التاريخية، وجاءت ايديولوجية التخطيط الإسرائيلى على طابع إثنى يرتكز على التمييز لصالح المستوطنين اليهود على نحو جائر، الأمر الذى يتضح فى الجليل والنقب، ففى الجليل يحدد المخطط الإسرائيلى المشاكل التخطيطية على أنها تتمثل فى قلة اليهود ويتجاهل العرب الذين يشكلون 51% من سكان الجليل، ويعرض الحل لما يعتبره مشكلات، عبر اقتراح بناء مدن بمواصفات مغرية لليهود، وتوفير أماكن عمل تمنع ما يسمونه الهجرة اليهودية السلبية، بعد تزايد اعداد اليهود المهاجرين من إسرائيل إحتجاجا على سياسة الاضطهاد التى تمارسها الدولة ضد الفلسطينيين او لتردى الأوضاع المعيشية وسيطرة اليمينيين على صناعة القرار. وتتضح المفارقة العميقة فى النقب إلى تركيز الوجود العربى فى مساحة ضيقة، فى حال يتم فتح المساحات لبعثرة بؤر يهودية بغض النظر عن عدد سكان هذه البؤر، والذى يكون أحيانا بضع مستوطنين يشكل بهم نواة لقرية يهودية جديدة على اراضى مملوكة للفلسطينيين. ويتكشف فى النقب التناغم بين دور الجيش كمؤسسة سلطة تمارس القوة ضد السكان العرب العزل ومؤسسات القانون المتمثلة فى نزيف القوانين التى يخرجها الكنيست لتهويد النقب والتضييق على السكان العرب وإجبارهم على المغادرة، ومؤسسات التخطيط المدنية التى تصوغ المخططات وفقا لحلم يهودى يعتبر صحراء النقب مخزونا استراتيجيا للأرض والسكان اليهود الذين لم يأتوا إلى اسرائيل بعد، فتعتبر إسرائيل معركة النقب بالغة الأهمية والوجود العربى الضئيل يفسد هذه المخططات.