تقع دارفور غرب السودان، وتبلغ مساحتها 549 ألف كيلومترمربع، وعاصمتها مدينة الفاشر، وكانت لها علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وسيطرت الحكومة المصرية عليها عام 1874م فى عهد الخديو إسماعيل حتى قامت الثورة المهدية فى السودان 1881م وقضت على وجود الحكومة المصرية فى دارفور والسودان عام 1884م. كانت تجارة الرقيق منتشرة فى دارفور، وتغلغلت فى البلاد لحاجة السادة والأعيان الشديدة إلى الرقيق كجنود وعمال زراعة وخدم للمنازل وسلعة تجارية، وكان الأرقاء جانباً من العشور التى يدفعها الحكام والملوك لكبار الرؤساء والسلاطين، مقابل ترك الحكم لهم فى إقطاعاتهم. وشجع سلاطين دارفور هذه التجارة لأنها جزء مهم من دخل السلطنة، وهناك قبائل كانت تدفع جزيتها السنوية من الرقيق، مثل قبائل الفرتيت. ويذكر أن سلاطين دارفور شنُّوا حُروباً على جيرانهم لصيد الرقيق لبيعهم، حتى أصبح ذلك الصيد من الأمور المعترف بها، وبات الرقيق سلعة رئيسية مطلوبة لها سوق داخلى مضمون ومستقر بدارفور، لأن أرباحها طائلة، واشتهرت دارفور كمستودع للرقيق واقتاد التجار العبيد إلى أسواق القاهرة وأسيوط عن طريق درب الأربعين. لهذا كله أمر الخديو إسماعيل قادته بتحرير الرقيق، فحرروا فى دارفور وحدها نحو ألف وستمائة عبد، ومنحوا سبعمائة منهم أوراق تحريرهم من الرق، وكان نحو تسعمائة يشكون من أمراض مختلفة عالجها الأطباء المصريون الذين أرسلهم الخديو حتى تم شفاؤهم. وكان قادة الخديو إسماعيل قد دخلوا الفاشر عاصمة دارفور يوم 6 نوفمبر 1874م، وأول ما فعلوه إطلاق سراح جميع الأرقاء فى الفاشر، واتخذوا إجراءات سريعة لإرسالهم إلى أوطانهم، بهدف القضاء على تلك التجارة غير المشروعة، وتشجيع التجارات المشروعة فى دارفور بضمها، واتخذت الإدارة المصرية عدة إجراءات لمكافحة هذه التجارة، أهمها إصدار الخديو إسماعيل أوامر مشددة إلى الحكمدار ومديرى دارفور بالقبض على تجار الرقيق وتطبيق العقوبات الصارمة عليهم كمصادرة ممتلكاتهم، وشراء الزرائب(مستودعات الرقيق)، وتشديد الرقابة الأمنية بتفتيش القوافل لمنع مرور الرقيق والأسلحة، وألحقت الحكومة المصرية الرقيق بالجندية، ولهذا طلب الخديو إرسال كل من يستطيعون من الرقيق إلى مصر، وأكد عدم تقييد أياديهم بالحبال لأن ذلك يتنافى مع الإنسانية، وبتجنيد هؤلاء الرقيق وتحريرهم يتم انتشالهم من الرق. وتضمن أمر الخديو أن يرسل الأرقاء إلى مصر بصفتهم عساكر لا أرقاء، تكفلت الحكومة المصرية بمصاريف تنقلهم وإقامتهم، ووصل نحو ألف من الرقيق من دارفور إلى مصر لتدريبهم على الأصول العسكرية. كانت إنجلترا مهتمة بإنهاء تجارة الرقيق، فعقد معها الخديو إسماعيل معاهدة عام 1877م للقضاء على هذه التجارة الشائنة، غير أن إنجلترا كان لها رأى مختلف فى الطريقة التى يتم بها للقضاء على الرق والنخاسة، وهى تختلف جوهرياً عن طريقة الخديو الذى اعتمد سياسة التقييد، أى إحكام الرقابة على نشاط تجار القوافل داخل دارفور، ومنع ترحيل الرقيق خارجها، وبمرور الزمن يتم القضاء عليها، وجعل الرق بعد فترة تجارة غير مشروعة، لكن إنجلترا لم توافق على سياسة التقييد تلك، واتبعت سياسة العنف فى إلغائها. وتضمنت المعاهدة عدة إجراءات منها، منع تصدير الرقيق، وإنزال عقوبة صارمة بالمشتغلين بها، وتزويد المحررين من الرق بأوراق العتق، وتسليم رعايا الدول الأجنبية المهتمين بهذه التجارة لمحاكمتهم أمام محاكم مختصة بالنظر فى قضاياهم، واستخدام المحررين من الرق فى أعمال ملائمة لهم، وتعهد الحكومة بتربية أولادهم. ويوم 4 اغسطس 1877م أصدر الخديو إسماعيل فرماناً بتحريم بيع وشراء الرقيق من الزنوج والحبش ومنعه منعاً باتاً خلال سبع سنوات من تاريخ القرار تنتهى فى 1884م دارفور، وفى السودان تنتهى عام 1889م، وإذا قبض على شخص يتاجر فى الرقيق بعد هذين التاريخين يقدم للمحاكمة، ويعاقب بالحبس مدة تتراوح بين خمسة أشهر وخمس سنوات. وتعذر تطبيق المعاهدة فى الأقاليم السودانية عامة وفى دارفور خاصة، بصورة تكفل القضاء على الرق وتقضى على تجارته فى المدة المحددة، حيث أصرت الحكومة الإنجليزية على إلغاء تجارة الرقيق من الأقاليم السودانية بكاملها قبل نهاية عام 1889م، وفى تلك الفترة تم تعيين الإنجليزى غوردون حكمداراً على السودان فبراير 1877م، ومنحه الخديو سلطات عسكرية ومدنية مطلقة، واعتبر تعيينه دليلاً على رغبة الخديو الصادقة فى القضاء على تجارة الرقيق، واعتبر نفسه المسئول الوحيد عن إلغاء هذه التجارة لكن استعانة الخديو بالأجانب ومنحهم وظائف كبيرة فى السودان كان من الأخطاء التى وقع فيها، حيث أرغمت إنجلترا غوردون على اتباع العنف مع تجار الرقيق، وترتب على ذلك قيام ثورات بدارفور بتحريض من هؤلاء التجار، كثورة هارون حفيد السلطان محمد الفضل ضد الحكومة المصرية، وحرص غوردون فى أثناء تلك الأحداث على جذب قلوب الأهالى واستمالة زعمائهم، وكافأ الخديو اسماعيل الذين أظهروا ولاءهم له، ومنحهم رتبا ونياشين، وقلدهم مناصب مهمة فى دارفور، مثل أولاد عوافى من قبيلة الزيادية، وآدم ولد أحمد من قبيلة ريان بالرتبة الرابعة، كذلك أنعم على الشيخ داود ولد هيماد شيخ قبيلة البشير، وعلى الشيخ الصافى ولد الملكى من مشايخ قبيلة البشير، والشيخ أحمد العريق من تجار أم شنقه، والشيخ كتوكتو ولد سليمان من مشايخ قبيلة فلاتة، ومنح على إبراهيم دفع الله تاجر بكبكابية، وعبد الرحيم أبو حنقل من مشايخ قبيلة حمر الدقاقيم. وتحت ضغط بريطانيا عدل غوردون عن سياسة التهدئة فى محاربة تجار الرقيق؛ وعزل موظفين من الأهالى لاعتقاده أنهم لا ينفذون أوامره بشدة، ويتواطأون مع تجار الرقيق، فاستبدلهم بموظفين أجانب اتبعوا سياسة العنف فى محاربة الرق بدارفور، وطاردوا تجار الرقيق، وتعقبوهم بحملات عسكرية فى مكامنهم، فحرض التجار السلطان هارون للقيام بثورة ضد قوات الحكومة المصرية، وبالرغم من نجاح غوردون فى إخماد الثورات والقضاء على زعمائها، فإنها أثبتت أن تجار وصيادى الرقيق كان عزمهم شديدا، وقاوموا الإلغاء بنفس الوسائل التى لجأ إليها غوردون، وانضموا فى نهاية الأمر إلى محمد أحمد المهدى وساندوه بإشعال الثورة فى دارفور. وهنا يطرح السؤال نفسه. هل تمكنت الإدارة المصرية بعد هذه الإجراءات من القضاء على تجارة الرقيق فى دارفور؟ بالرغم من الجهود الكبرى للحكومة المصرية لمواجهة الرق بدارفور، فإن تجارة الرقيق كانت متأصلة فى دارفور، فلم تستطع الحكومة المصرية القضاء عليها خلال تلك الفترة القصيرة التى قضتها فى دارفور، فحكمها استمر لتسع سنوات فقط. مصادر المقال Browne, W. G., Travels in Africa, Egypt and Syria from the year, 1792, London, 1799, p. 277. (2) ر. س أوفاهي، الدولة والمجتمع فى دارفور ترجمة عبد الحفيظ سليمان عمر، الخرطوم، مركز الدراسات السودانية، 1999م. (3)محمد سعيد القدال، تاريخ السودان الحديث، محمد سعيد القدال، تاريخ السودان الحديث 1820-1955م، الخرطوم ، مطبعة السودان المحدودة ، 2002م. ، ص86. (4) محمد فؤاد شكرى ، محمد فؤاد شكري: الحكم المصرى فى السودان 1820-1885م، القاهرة، دار الفكر العربي، 1947م. (5) Shukry, M. F., The khedive Ismail and Slavery in the Sudan (1863-1879) Cairo, 1937, p. 230. (6) Ibd, p. 234. (7) Ibd, p. 237. (8) ضرار صالح ضرار، تاريخ السودان الحديث، المرجع السابق ، ص100. (9) مكى شبيكة ، السودان عبر القرون ، ص181.