«لا أريد أن يذهب أولادي الى أفغانستان لأنني أعتقد أنهم إما سيقتلون أو يجبرون على الانضمام الى المتشددين».. كانت هذه كلمات راكشا كانوال التى وجدت نفسها بين خيارين, اما العودة الى أفغانستان لتلحق بزوجها الذي تم ترحيله من باكستان الى موطنه الأصلي أفغانستان, أو الرضوخ للعائلة وطلب الطلاق لكي تستطيع البقاء فى باكستان وتعيش مع أولادها فى أمان. مشكلة راكشا لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة فى مسلسل المعاناة التى يعيشها اللاجئون الأفغان الذين أجبرتهم الحروب الدائرة فى بلادهم على النزوح وترك وطنهم الأصلي, ولعل سيف عبد الرحمن خير مثال على ذلك, فقد انتقل الى باكستان عام 1982 فى الوقت الذي كانت فيه أفغانستان قد تحولت الى احدى ساحات الحرب الباردة, حيث قام الاتحاد السوفيتي بغزوها عام 1979 وضخت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها بالمال والسلاح للمجاهدين والمقاتلين الاسلاميين الذين حاربوا السوفيت والحكومة الشيوعية في البلاد, وهو الآن مجبر على العودة هو وأولاده الى بلد مازال يعاني اضطرابات في قطاعات الصحة والتعليم والأعمال والمعيشة مقارنة بما كانوا يعيشون فيه في باكستان. أما شربات جولا أو «موناليزا الحرب الأفغانية» كما لقبها البعض, والتى كانت بطلة غلاف مجلة «ناشيونال جيوجرافيك» لعام 1985, فلم تجد غضاضة فى التصريح بأن أفغانستان ليست سوى مكان ولادتها فقط, ولطالما اعتبرت باكستان وطنها الحقيقي, ومؤخرا قامت السلطات الباكستانية باحتجازها واتهمت بالاقامة غير الشرعية وأعيدت قسريا الى بلادها، وهو مصير ينتظر حوالى 2.5 مليون لاجئ أفغاني يقيمون في باكستان، تلك الجارة التي عرفت بأنها الدولة التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين لأطول فترات في العالم، فاليوم تصر باكستان على اعادة كل اللاجئين الأفغان كونهم أصبحوا «عبئا لا يحتمل على الاقتصاد»، وأخذت تطالب كل أفغاني على أراضيها بوثائق، فمن بين هؤلاء يوجد قرابة مليون لاجئ لا يحملون وثائق لأن الحكومة الباكستانية أوقفت تسجيل اللاجئين في عام 2007، وبالتالي فالذين وصلوا بعد ذلك لا يمتلكون بطاقات اثبات الاقامة، كما لم يتمكن الآخرون الحاصلون على هذه البطاقات من تمديدها. ولا تكف الشرطة الباكستانية عن مضايقة هؤلاء اللاجئين لاجبارهم على العودة الى بلادهم حيث الحرب والفقر والشتاء القارس الذي هربوا منه, فلماذا يعودون اذن؟ تكمن الاجابة عن السؤال في تطور سياسة التعامل مع اللاجئين في باكستان, فبالعودة الى أواخر سبعينيات القرن الماضي، كانت البلاد قد رحبت بهؤلاء اللاجئين بمنتهى الود, وعلى نقيض الوضع في ايران، التي وضعت اللاجئين في المخيمات ومنعتهم من الانخراط في الحياة السياسية، سمحت باكستان لهم بالاندماج مع السكان المحليين وشجعتهم على التواصل مع المعسكرات الاسلامية التي غذت المقاومة ضد الشيوعيين في كابول. وينتمي اللاجئون في الغالب الى عرق البشتون وقد اندمجوا جيدا مع السكان البشتون في باكستان. كما أمكن التأثير عليهم للموافقة على تأكيد باكستان على الهوية الاسلامية كأساس للمقاومة بدلا من الهوية الوطنية الأفغانية. ونتيجة لذلك يعتقد الكثيرون أن باكستان رحبت باللاجئين بغية توسيع نطاق تأثيرها على أفغانستان، التي تميل تقليديا الى الهند، والى تحييد موقف القوميين البشتون من مواطنيها الذين يدفعون بشدة نحو حكم ذاتي أكبر، وأحيانا لوضع حدود للانفصال، كما يعتقد البعض في المؤسسة الرسمية الباكستانية. وزادت شكوك باكستان عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولاياتالمتحدة، عندما بدأت تبرز نسخة من حركة طالبان معادية لباكستان على علاقة بهذه المعاقل, ومنذ ذلك الوقت تحولت نبرة حديث المؤسسة الباكستانية تدريجيا ضد اللاجئين. وقد بدأ بالفعل برنامج ترتيبات عودة اللاجئين الى الوطن بتمويل من المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عام 2002، غير أن المسئولين الباكستانين والأممين يقولون ان الاقبال كان ضعيفا من قبل اللاجئين الراغبين فى العودة, وحددت باكستان مواعيد نهائية مختلفة لهم لمغادرة البلاد، لكن جميعها طويلة الأجل وليست قسرية، حتي جاء القرار الحاسم في ديسمبر عام 2015 عندما حددت باكستان فجأة مدة قوامها ستة أشهر لمغادرة اللاجئين, وهى مدة امتدت بعد ذلك ستة أشهر أخرى. ويبدو أن وجود اللاجئين فى باكستان واستمرار توافدهم اليها أوجد نوعا من الكراهية ضدهم, واستهدفتهم وسائل الاعلام الباكستانية وشبكات التواصل الاجتماعي، هذا بخلاف مضايقات الشرطة الباكستانية، وهو ما حذرت منه المنظمة الدولية للهجرة من أن هناك أعدادا غير مسبوقة من الأفغان يفرون من باكستان بسبب تزايد حوادث العنف والاعتقال التعسفي والاحتجاز وغيرها من أشكال المضايقات. وعلى صعيد آخر يعد توجه هؤلاء اللاجئين الأفغان نحو أوروبا أكثر ما يقلق الأوروبيين، فالعديد من الأفغان الذين يعيشون في المدن الكبرى أخذوا يتوجهون نحو طرق خطرة للوصول الى أوروبا بسبب السياسة الباكستانية ورفضهم خيار العودة لبلادهم، فخلال النصف الأول من عام 2016 ارتفع معدل رفض طالبي اللجوء الأفغان لدول أوروبية الى 45%.