مصرف «الرهاوي» أحد أكبر مصادر التلوث لنهر النيل، وسبب رئيس لمشكلات البيئة المزمنة، نظرا لاحتوائه على الصرف الزراعي، والصحي، والصناعي. يبدأ المصرف من بنى سويف مارا بفيصل والمريوطية والمنصورية ونكلا ثم المصب بالرهاوى بمحافظه الجيزة حيث يلقى بجميع أنواع المخلفات فى فرع رشيد بما يقدر بنحو مليونى متر مكعب يوميا، مسببا أضرارا صحية خطيرة للإنسان والزراعة والحيوان، ومدمرا للثروة السمكية. تجولنا فى منطقة الرهاوي؛ لمعاينة ما يحمله المصرف من ملوثات.. فقال حمدى الخولى: «نصاب كل يوم بضرر بسبب مصرف الرهاوي، ورائحته التى لا يتحملها إنسان، بخلاف الأمراض الجلدية وحساسية الصدر والفشل الكلوى وأمراض أخري، كما أنه يلوث المياه الجوفية، وبالتالى يلوث مياه الشرب، لأنه ليس لدينا مياه شرب نظيفة مما يؤدى بجميع القرى التى تقع حول مصرف الرهاوى إلى شراء «جراكن» المياه، التى لا نعلم مدى صلاحيتها، بأكثر من عشرة جنيهات. ويضيف الحاج سيد صابر (صياد بفرع رشيد): لم يعد مصرف الرهاوى المكان المناسب للبحث عن الرزق بسبب تلوث النيل الذى يقتل الأسماك، ويقلل حصيلة الصيد، ولا يوجد دخل لنا سوى مهنة الصيد.. فلمن نشكو لحل هذه المشكلة، لاستمرار الحياة لنا، والأسر التى تعتمد على هذه المهنة؟ ومن جهته، يؤكد الدكتور صلاح طعيمة، الباحث بالمركز القومى للبحوث الزراعية، أن الصرف الزراعى والصحى والصناعى يحتوى على بقايا أسمدة ومبيدات زراعية ومخلفات مليئة بالعناصر الثقيلة مثل الرصاص والكادميوم والسلينيوم والزنك، وهى عناصر سامة تؤدى إلى نفوق الأسماك، ويجعلها غير صالحة للاستخدام. رد «الري» حملت تلك الملاحظات والتساؤلات والشكاوى إلى المسئولين بوزارة الرى فوجدتهم أكثر دراية بتفاصيل الأزمة، ويطلبون تضافر جهود كل الأطراف لحلها. يقول الدكتور عصام خليفة، رئيس الهيئة العامة للصرف الصحي، بالجيزة: «يخدم المصرف زمام 139 ألف فدان، وهى تمثل أكثر من 75% من زمام محافظة الجيزة، بينما يستقبل المصرف خمسة مصارف فرعية عبر سحارة الرهاوى التى تمر أسفل الرياح الناصرى وسكة حديد المناشى والرياح البحيري، بالإضافة إلى مصرف الجانبية اليُمنى واليسرى، وهى المصارف الرئيسية التى تخدم زمام محافظة الجيزة. ويضيف أن المصرف تعرض للتلوث مما يسبب تدنى نوعية المياه به، إذ يستقبل نتائج محطة صرف صحى زنين بطاقة.400 مليون متر مكعب يومياً ومحطة صرف صحى أبو رواش بطاقة 1٫00 مليون متر مكعب / يوميا. توسع مستقبلى ويؤكد خليفة أنه من المقرر أن تبلغ طاقتها بعد التوسعات المستقبلية 1٫600 مليون متر مكعب/ يوميا؛ مما يؤدى إلى ارتفاع منسوب المياه، وحدوث «ازدحامات» بالمصارف، وبالتالى يؤثر على كفاءتها، وحدوث إطماء بمعدل أسرع. وقد يحدث انسداد فى التغطيات مما يُعرض القرى والكتل السكنية لمخاطر الغرق، مما يتطلب تجريف تلك المصارف بمعدل أكبر، وزيادة التكاليف التى تتحملها الوزارة.. كما يؤدى تلوث المصرف إلى تأثر الأعمال الصناعية مثل الكبارى والتغطيات وغيرها سلباً. إلى ذلك، يعترف مدير الرى بأن تدهور نوعية المياه بالمصارف له أثر بيئى خطير، إذ يؤثر سلباً على نوعية الزراعات، والثروة الحيوانية، وعلى شبكات الصرف المغطى. تدهور المياه يقول مدير الري: «نظرا لكون مصرف الرهاوى يصرف فى فرع رشيد بنهر النيل فإن تدهور نوعية المياه بالمصرف تؤدى إلى تدهور نوعية المياه، مما يسبب تدهور نوعية المياه بمحطات مياه الشرب المغذية لبعض المحافظات مثل الجيزة والبحيرة والإسكندرية، وإلى نفوق الأسماك بالنيل، وهو ما يدعو إلى الحاجة لإطلاق مياه إضافية من السد العالى لغسل نهر النيل مما يعنى إهدار تلك الكمية من المياه فى البحر فى ظل الاحتياج الشديد لزيادة الموارد المائية. ويؤكد أنه بالرغم من الجهود التى تقوم بها الوزارة متمثلة فى الهيئة المصرية العامة لمشروعات الصرف، للحفاظ على نوعية المياه بالمصارف، وضمان استيعابها للتصرفات الزائدة بصفة دائمة؛ إلا أنه يتبقى القول إن حل مشكلة تدهور نوعية المياه هو مسؤوليتنا جميعاً. ويتابع أن من بين تلك الجهود قيام الهيئة حالياً بإنشاء سحارة الرهاوى الجديدة بتكلفة 52 مليون جنيه لاستيعاب التصرفات الزائدة نتيجة الصرف النهائى لمحطات الصرف الصحى بزنين وأبو رواش، وتم افتتاحها تجريبيا فى أبريل الماضي. كما قامت الهيئة بدراسة الحلول الممكنة لمشكلة تدهور نوعية المياه بمصرف الرهاوى وبفرع رشيد، وخلُصت إلى ضرورة قيام وزارة الإسكان والمرافق العمرانية بعدم الصرف النهائى لمحطات الصرف الصحى (أبو رواش - زنين) واستغلاله فى زراعة غابات شجرية بالظهير الصحراوى لمحافظة الجيزة، وفقاً للتعميم الأصلى عند إنشاء تلك المحطات، وتطوير محطات الصرف الصحى بهما لتصبح المعالجة ثلاثية، وذلك قبل الصرف النهائى بالمصارف. وترى الهيئة أخيرا أنه لابد من تضافر جميع الهيئات والوزارات المعنية لحل مشكلة مصرف الرهاوي، والمصارف الأخرى، للمحافظة على صحة الإنسان والبيئة.