رحل الزعيم الكوبى التاريخى والقائد الأمريكى اللاتينى الأسطورى والرمز العالمى الكبير فيديل كاسترو عن عالمنا عن عمر يناهز التسعين عاماً. وهناك الكثير مما تم كتابته أو قوله أو مما يمكن أن يكتب أويقال عن فيديل كاسترو، الزعيم الوطنى والثائر الأممى ورئيس الدولة والمواطن الإنسان، ولكننى سأتناول هنا موضوعاً محدداً، ألا وهو مواقف الزعيم الراحل فيديل كاسترو، وكوبا تحت قيادته، تجاه مصر، وذلك منذ انتصار الثورة الكوبية فى مطلع عام 1959. وبالرغم من أن الزعيم الكوبى الراحل فيديل كاسترو لم يزر مصر على الإطلاق خلال حياته، فإن الواقعة التاريخية الأبرز التى تمثل بداية علاقته المباشرة بمصر تكمن فى لقائه مع الزعيم المصرى الراحل جمال عبد الناصر على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة التى انعقدت فى سبتمبر 1960، وهى الدورة الشهيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتى شارك فيها عدد كبير من قادة بلدان العالم الثالث المستقلة حديثاً فى ذلك الوقت. وقد روى الكاتب الكبير الراحل الأستاذ محمد حسنين هيكل لاحقاً عن أن الزعيم الراحل فيديل كاسترو ذكر للزعيم الراحل جمال عبد الناصر خلال هذا اللقاء أنه ورفاقه من ثوار كوبا كانوا يستلهمون، خلال قتالهم فى جبال سييرا مايسترا فى كوباضد حكم الديكتاتور «باتيستا» فى خمسينيات القرن العشرين، روح المقاومة والصمود والنضال، من قرار تأميم قناة السويس فى 26 يوليو 1956 ثم من تصدى الشعب المصرى للعدوان الثلاثى ضد مصر فى أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 1956، وذلك حتى انتصرت الثورة الكوبية فى الأول من يناير 1959 وأسقطت نظاماً لم يكن فقط استبدادياً بل كان تابعاً للكارتلات الرأسمالية العالمية والمؤسسات الغربية، خاصة الأمريكية. وقد أعقب ذلك اللقاء التاريخى بين الزعيمين الراحلين فيديل كاسترو وجمال عبد الناصر أن أرسل الزعيم الكوبى الراحل شريك دربه ورفيق ثورته وتوأم نضاله الثائر الأممى الأسطورى أرنستو تشى جيفارا مبعوثاً منه إلى مصر فى مهمتين خلال عقد الستينيات من القرن العشرين، وتم الاحتفاء بزيارتيه لمصر من قبل القيادة السياسية المصرية آنذاك، وكذلك من جانب الكثير من القوى الوطنية المصرية، وفى المقدمة منها قوى اليسار المصري، باعتبارها عوامل ترسيخ لعلاقة استراتيجية وتحالفا مستداما بين دولتين بارزتين وتقدميتين على الصعيد الدولى وفى دائرة بلدان العالم الثالث. وفى مطلع عقد الستينيات من القرن الماضى كانت كل من مصر وكوبا من الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز، والتى جسدت تكتل الدول النامية معاً حتى يكون لها صوت مسموع على صعيد العلاقات الدولية وحتى تتمكن من المشاركة فى إعادة صياغة النظام الدولى ليصبح نظاماً أكثر تعددية وديمقراطية ومشاركةً بما يعكس واقع استقلال غالبية بلدان العالم الثالث منذ ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإذا كانت مصر قد ترأست الحركة فى عقد الستينيات فإن كوبا بزعامة كاسترو قد ترأستها عام 1979، وإن كان بحلول ذلك الوقت كان موقع كل من البلدين مختلفاً عن موقعهما فى عقد الستينيات عندما كان كلاهما فى حالة تحالف أو شبه تحالف مع الاتحاد السوفيتى السابق إبان الحرب الباردة، أما فى عام 1979 فقد كانت كوبا لا تزال متحالفة مع المعسكر السوفيتى بينما كانت مصر قد تحركت فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات باتجاه قريب من المعسكر الغربى بزعامة الولاياتالمتحدةالأمريكية ثم وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل، وهى تطورات أحدثت جفاءً، وتوتراً، فى العلاقات بين الدولتين، خاصة خلال النصف الأول من فترة رئاسة كوبا لحركة عدم الانحياز ما بين عامى 1979 و1983، والتى شهدت محاولات لتعليق عضوية مصر، إحدى الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز، فى الحركة، وهى محاولات باءت بالفشل فى ذلك الوقت. إلا أنه على مدى التاريخ، وحتى خلال سنوات الجفاء، وأحياناً التوتر، فى النصف الثانى من عقد السبعينيات ومطلع عقد الثمانينيات من القرن العشرين، فى العلاقات بين مصر وكوبا بزعامة فيديل كاسترو، كانت هناك مواقف مشتركة ومبادرات جمعت بين دبلوماسية البلدين فى المحافل الدولية المختلفة على الصعيدين السياسى والاقتصادي، خاصة داخل أروقة الأممالمتحدة والمنظمات الدولية الأخري، سواء داخل منظومة الأممالمتحدة أو خارجها. لمزيد من مقالات د.وليد محمود عبد الناصر;