رحل عن عالمنا السفير علي ماهر السيد، وهو بلا أدنى شك أو جدال واحد من أكثر السفراء والدبلوماسيين تميزاً واقتداراً وتألقاً وكفاءةً في التاريخ الحديث والمعاصر للدبلوماسية المصرية، وقد كان كذلك، رحمه الله، واحداً من أكثر السفراء عطاء لوطنه وشعبه وأمته وتفانياً في أداء عمله وحباً للمؤسسة التي انتمى إليها، ألا وهي مؤسسة الدبلوماسية المصرية، إحدى المؤسسات الوطنية العريقة عميقة الجذور في المجتمع المصري ووثيقة الصلة بالحركة الوطنية المصرية على مدار تاريخها. كما كان السفير علي ماهر أيضاً واحداً من أكثر السفراء والدبلوماسيين المصريين كرماً في نقل الخبرات التي تراكمت لديه والتجارب التي مر بها وخاضها إلى زملاء له في نفس المهنة، خاصة إلى أجيال جديدة ومتتالية من الدبلوماسيين من الشباب والشابات، الذين عملوا معه أوتحت قيادته، وذلك على مدار عقود زمنية ممتدة، استمرت حتى بعد تقاعده رحمة الله عليه. وقد عمل السفير الراحل علي ماهر السيد خلال حياته الوظيفية الدبلوماسية في عدد من المواقع الهامة والمؤثرة والحساسة في وزارة الخارجية المصرية، كان منها على سبيل المثال لا الحصر تولي منصب سفير مصر لدي فرنسا لسنوات طويلة كانت شديدة الإثراء في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين وحدثت خلالها نقلات نوعية واختراقات كيفية هامة وذات دلالة في تلك العلاقات بحيث دخلت تلك العلاقات إلى آفاق أرحب ووصلت إلى أبعاد غير مسبوقة من الشراكة الاستراتيجية والتعاون الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والثقافي، بحيث كانت علاقات مصر مع فرنسا هي الأبرز على الساحة الأوروبية، بل وأحياناً على الساحة الدولية ككل. كما كان من ضمن هذه المواقع التي تولاها المغفور له السفير علي ماهر السيد منصب المشرف على مكتب الدكتور بطرس بطرس غالي رحمه الله خلال عمله وزيراً للدولة للشئون الخارجية، وذلك لسنوات عديدة، شهدت تحولات ذات دلالات عميقة في سياسة مصر الخارجية، وفيما يتعلق بدورها على العديد من ساحات العمل الدولي، سواء في المجال الأفريقي أو مع بلدان أمريكا اللاتينية أو مع مجمل بلدان العالم الثالث بشكل خاص، وكذلك مع مجموعة الدول الفرانكوفونية. كذلك شغل السفير علي ماهر السيد رحمه الله منصب سفير مصر لدي تونس على مدار سنوات، بحيث تحررت العلاقات المصرية التونسية خلالها من قيود كبلت حراكها قبل ذلك على خلفية توترات ومرارات سابقة ذات صلة بانتقال مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس منذ نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي، ولقترة زادت على عقد كامل في ضوء تجميد عضوية مصر آنذاك في الجامعة، كما تطور التنسيق بين البلدين في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية وإزاء الكثير من القضايا الدولية والإقليمية. وعقب تقاعد السفير علي ماهر السيد رحمه الله من العمل في وزارة الخارجية المصرية، شغل عدداً من المواقع الهامة في مجالات متنوعة أضاف إليها جميعاً، منها تولي مسئولية أحد مراكز ومؤسسات الفكر والبحث العربية الهامة بالعاصمة اللبنانية بيروت، ثم العمل لسنوات مستشاراً لمكتبة الإسكندرية ضمن منظومة ناجحة ومتميزة يقودها الدكتور إسماعيل سراج الدين، وهي مواقع أسهم فيها جميعاً الراحل الكريم بعصارة خبراته ونتاج تجاربه ونضجه الفكري ورؤيته الثاقبة ونظرته بعيدة المدى ومنهجه العلمي والموضوعي المتميز. وكل ما تقدم ليس غريباً على السفير علي ماهر السيد، فهو سليل أسرة كان من رموزها رئيسا وزراء مصر الراحلان أحمد باشا ماهر وعلي باشا ماهر، كما أنه الأخ الشقيق للراحل الكريم السفير أحمد ماهر السيد وزير خارجية مصر ما بين عامي 2001 و2004، وأضاف هو شخصياً إلى ذلك بفضل تميزه الشخصي وتفوقه الذهني. رحم الله السفير الكبير الراحل علي ماهر السيد، وألهم أسرته وأحباءه وأصدقاءه وتلاميذه القدرة على الصبر، وعلى تجاوز مرحلة الحزن للتفكير في سبل محددة لتخليد ذكراه والإبقاء على تراثه وسيرته وعطائه في شكل ملموس يبقى للأجيال الحالية والقادمة. لمزيد من مقالات د.وليد محمود عبد الناصر;