يبدو أن شعار الدورة ال38 لمهرجان القاهرة السينمائى، التى أقيمت فعالياتها فى الفترة من 15 نوفمبر الجارى وحتى 24 من الشهر نفسه ترفع شعار «التكرار لا يعلم الشطار».. فالأخطاء المتكررة كما هى، بل تتزايد عاما بعد عام، وكأن هناك إصرارا على عدم التعلم، وأن يستمر مهرجان القاهرة السينمائى العريق فى نفس دائرة الأخطاء التنظيمية، والشكاوى المتكررة من الإعلاميين والصحفيين. ................................................................. وإذا كانت الدورات السابقة قد شهدت الكثير من الأخطاء، فإن الدورة ال38 كانت بها أخطاء كارثية لا تليق أبدًا بمهرجان يطلق عليه الأعرق والأقدم فى الشرق الأوسط. والسؤال الذى بات يفرض نفسه حقيقة (هل أصبحنا إلى هذه الدرجة عاجزين عن وضع رؤية وتصور لخروج المهرجان بشكل لائق، هل عدمنا القدرات والإمكانات البشرية القادرة على وضع أفكار واضحة ومحددة لعدم تكرار أخطاء المهرجان؟).. يبدو أن الإجابة (نعم)، خصوصًا فى الدورة ال38 التى أكدت أن هناك عدم تواصل فعال بين إدارة المهرجان، فكل أفرعها التنظيمية فى واد ومسئولو إعلام المهرجان فى واد آخر، ودائما نكتشف أن مسئولى المهرجان هو آخر من يعلم، فعندما ترفع سماعة الهاتف عليهم، ستجد أن هناك الكثير من الأزمات التى يجهلونها. والمفارقة أنه إذا كان هناك اجتهاد فى الحصول على أفلام جيدة داخل المسابقة، إلا أن التفاصيل التنظيمية والتى تعيق العمل أحيانا أو تصيب بعض مرتادى المهرجان ب«العكننة» تقف بالتأكيد عائقا بيننا وبين الاستمتاع أو متعة السينما التى تكدرها تلك الأخطاء. ففى أحيان كثيرة يبدو الحديث عن تغييرات فى جدول العروض عبث، بسبب كثرة تكرار هذا الخطأ فى دورات سابقة، حيث اختلف الجدول المطبوع بالألوان، والذى تم توزيعه منذ اليوم الأول للمهرجان، عن الجدول الموزع من قبل المركز الصحفى على الإعلاميين، ومن الوارد أن يتم تغيير عرض فيلم مثلا نتيجة مشكلة تقنية أو مشكلة فى النسخة المقدمة للفيلم ولكن أن يكون التغيير متكررا فهو أمر غير مفهوم، وأكبر دليل على ذلك الواقعة التى حدثت مع السفير الرومانى بالقاهرة وتناولتها العديد من وسائل الإعلام، حيث غادر السفير دار الأوبرا بعدما اكتشف تغيير موعد عرض الفيلم الذى أراد حضوره وهو «eastern business»، الذى قامت إدارة المهرجان باستبدال الفيلم فى اللحظات الأخيرة ووضعت بدلًا منه فيلم «عروس من شنجهاى»، وبعدها تم تغيير عرض فيلم «بالحلال» ليعرض بدلا منه فيلم «رجل متعدد الاستخدامات». والغريب أن إدارة المهرجان عادت من جديد لتقرر أن تعرض فيلم «بالحلال»، وهو ما يضع علامات استفهام، (هل نسخة الفيلم لم تكن جاهزة للعرض.. هل هناك مشكلة تم تداركها وحلها بعد ذلك؟). كما أنه فى الجدول المطبوع لم يكن هناك تنويه عن عرض فيلم «استراحة قصيرة» يوم 17 نوفمبر، فى الوقت الذى أكد الجدول الموزع على الإعلاميين عرضه. هذه بعض من أمثلة كثيرة لتكرار الأخطاء والإصرار على عدم تداركها من خلال وضع جدول عروض محكم يستطيع المتابعون للأفلام وضع خطة المشاهدة بناء عليه. والمدهش فى هذه الدورة أيضًا حجم التشديدات الأمنية المبالغ فيها وغير المبررة للكثير من المتابعين للمهرجان وهى التشديدات التى أدت إلى العديد من الاشتباكات بين الأمن والإعلامين. الأفلام المصرية فى المسابقة الرسمية السؤال الذى يطرح نفسه بقوه فى هذه الدورة (هل ترقى الأفلام المصرية المختارة إلى المشاركة فى المسابقة الرسمية، وسط منافسة من إنتاجات عالمية تنتمى لدول مختلفة، حيث يتسابق 15 فيلما من فرنسا، وبولندا، والمجر، وإيطاليا، والهند، والصين، والتشيك، وإستونيا، وجورجيا، وكرواتيا، والبرتغال، والجزائر؟) الإجابة قطعا (لا) خصوصًا وأن هناك العديد من الأفلام الهامة والمميزة ومنها فيلم «زوجة طيبة» والفيلم التشيكى «لسنا بمفردنا أبدا»، والمجرى «قتلة على كراسى متحركة». وغيرها من الأعمال الهامة والمميزة، والتى تسابق متابعو المهرجان على حضورها، فى حين أن الفيلمين المصريين المنافسين جاءا دون مستوى المنافسة «يوم للستات» والذى شارك فيه عدد كبير من النجوم وعلى رأسهم إلهام شاهين، ومحمود حميدة وفاروق الفيشاوى ونيللي كريم واحمد الفيشاوى وناهد السباعي واياد نصار وهالة صدقي وكثيرون ..وشهد يوم للستات انقساما حادا في الاراء بين متحمسين للفيلم واخرين رافضين له بالطبع فكرة قيام الهام شاهين بالانتاج في هذه الظروف الصعبة هو شئ يستحق التحية ولكن اهم من الانتاج هو ماذا نقدم ؟ .. قد تكون فكرة الفيلم تحمل شئ من الابتكار والاختلاف . نساء فيلم “يوم للستات سيناريو «هناء عطية ” يعشن فى حارة عشوائية، يعانى أهلها الفقر والتخلف والإحباط وكافة أشكال ألإهمال ولسبب ما، غير مبرر أو مفهوم تقرر الحكومة أن تُنشيء “حمام سباحة” فى مركز الشباب التابع للحى، و يقرر الكابتن المسئول عن الحمام تخصيص يومًا للسيدات وبغض النظر عن منطق هذا الامر وإمكانية تحقيقه في الواقع الا اننا سنتعامل بمنطق أنه فرضية درامية أو لنكن أكثر تحديدا ماذا لو حدث هذا الامر وما هي الاشياء التى سترتب عليه ؟ في الدراما من الطبيعي أن نصادف هذه الفرضيات الدرامية وبالطبع الفكرة براقة ولكن ماذا حدث ؟ لا شئ حيث سنجد انفسنا امام سيناريو مرتبك وشخصيات مبتورة ومعظم شخصيات الفيلم مهزومة ولا تقاوم الواقع، بدءا من شامية تجسدها _ الهام شاهين _ والتى تعمل موديل عارية للرسامين منذ أن كانت طفلة وهي المهنة التى تمارسها بالوراثة عن والدتها وخالتها، نيللي كريم المقهورة التى مات زوجها وابنها في حادث العبارة السلام ، ولكن تستسلم له وترضى به، ربما تكون عزة أو ناهد السباعى هى الشخصية الوحيدة، التى قررت بوضوح عدم الاستسلام لظلم المجتمع، ولقيوده السخيفة، ولكن طبقا للسيناريو « هي فتاة قدرتها العقلية محدودة أو» عبيطة « طبقا لما يراها أهل الحارة. أزمة يوم للستات في ظنى أنه محاولة باهتة لتكرار تجربة واحد صفر، أو نسخه بمعنى أدق، ورغم النسيج الدرامي ووجود أكثر من شخصية وقصص مختلفة إلا أن الفيلم لا يحمل لحظات صراع حقيقية ، ولايوجد لشخصياته تاريخ واضح ، ومن الممكن بسهولة الاستغناء عن شخصيات كاملة مثلا ما الذي أضافته هالة صدقي ؟ جسدت دور كابتن الحمام في يوم السيدات ، وغيرها من الشخصيات التى ظهرت في حمام السباحة ولا أعرف هل هذا الارتباك الذي سيطر علي روح السيناريو والعمل يرجع لاعادة مونتاج الفيلم أكثر من مرة خصوصا ان المخرجة كاملة أبو ذكري قالت بكل بساطة انها اضطرت لحذف أدوار كاملة منها دور كامل للمثلة سماح أنور وهو الامر الذي لم استطع التعاطي معه مهما كان المبرر أفهم أن تحذف بعض اللقطات ولكن دور كامل ؟ واذا كان هناك سهولة في حذف ادوار كاملة معنى هذا ان هناك خلل واضح في البناء الدرامي واعتقد أن هذا هو ما صعب مهمة المونتير « معتز الكاتب وجعل إيقاع الفيلم مترهل في احيان كثيرة حيث طوال الوقت ننتظر تصاعدا ما ولا يحدث. وإذا كان فيلم يوم للستات يعانى من فوضى السيناريو ، إلا أن فيلم «البر التانى» والذي يعد التجربة الانتاجية والبطولة الاولي لمحمد علي والذي سبق وشارك في فيلم « المعدية» أقل توصيف له أنه فيلم بليد سينمائيا يحاكي السهرات التليفزيونية رغم الكلام عن ميزانية ضخمة تخطت ال25 مليون جنيه . . ويوجد العديد من المصورين والمونترين الاجانب وواضعى المؤثرات البصرية الا أن السيناريو الذى كتبته زينب عزيز يبدأ بمشاهد تمهيدية، لنرى مشاكل هؤلاء الشباب وطموحهم وأحلامهم ا التى لا تتحقق أبدا ورغبتهم فقط في أن يحييون حياة كريمة ، السيناريو لا يحمل النظام او الدولة مسئولية ضياع هؤلاء الشباب من قريب أو بعيد وكانت هذه اللقطات هى الأسوأ، وكأننا بصدد سهرة تليفزيونية ركيكة المستوى _( استعراض الاسر وعلاقة الاب والام والحديث علي ليلة زواجهما )_ بدت لي كمشاهد للحشو والاستهلاك الزمنى في حين أن الحدث الرئيسى وهو ركوب المركب لم نر فيه احداثا تذكر ولم نتعرف علي نماذج اخري او قصص اخري لهؤلاء الشباب الذين يملأوون المركب مكتفيا بخط البطل المنتج ومعه الممثل عمرو القاضي _ الحسنة الوحيدة في الفيلم _ والممثل محمد مهران ، واكتفي السيناريو برسم صورة شيطانية مضحكة لقائد المركب المهرب ، والمفارقة المدهشة ان حادث غرق المركب لم يستغرق دقائق علي الشاشة رغم انها من المفترض أن يكون « الماستر سين « في العمل والذي تتولد منه لحظات مؤثرة دراميا . ولكن ابدا لم يحدث ورغم أهمية القضية التى يناقشها الفيلم خصوصا وان حادث ضحايا مركب رشيد لا يزال حاضرا في الاذهان الا ان المنتج والبطل والذي اراد أن يطلق نفسه نجما في عالم السينما مؤكدا انه مهموم بتقديم قضايا حقيقية من الواقع الا انه لن يكون نجما ولم يضف شيئا لقضايا الواقع.