إن الشيء الوحيد المتبقي للمواطن المصري في علاقته بمجلس النواب هو صندوق الانتخابات الذي يدلي فيه بصوته لمرشح دائرته ، ثم يجتمع السادة النواب تحت القبة البرلمانية يقيمون شعائر الجلسات والاجتماعات وقيلولات الظهيرة العابرة أحيانا ! وتخرج الصحف ببعض المانشيتات الحلامنتيشي مطعمة ببعض الصور لتلك العمليات النيابية التى تحدث في رحم مصر . ونرجع «فلاش باك» الى أكثر من مئة وخمسين عام تحديدا في 1866 م قام الخديو إسماعيل بإنشاء مجلس شورى نيابي له الحق في الإطلاع على ميزانية الحكومة «اختصاص مالي».. ومن رحم الثورة العرابية عام 1881 م انطلق المجلس بغرفتيه ( الشورى والنواب ) ليصبح الاختصاص رقابيا .. وظل الحراك الشعبي المصري متأججا وملزما بالتغيير حيث كانت ثورة 1919 م نبراسا لإرساء دستور 1923 م لينتخب أول مجلس نيابي حقيقي يمكنه سحب الثقة من الحكومة علم 1924 م وبعد ثورة يوليو خرج الى النور مجلس الأمة الذي شهد على أعظم خطابات رئاسية من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ويليه السادات ! وبعد أحداث ثورة يناير عاد البرلمان الى نظام الغرفة الواحدة «مجلس النواب» بينما ظل المواطن حائرا ! إن هذا السرد التاريخي المقتضب يصل بنا الى نتيجة جوهرية هي أن وظيفة النائب البرلماني المنتخب واحدة ذات شقين، أولا الرقابة ، ثانيا التشريع ، فمراقبة الحكومة ومراجعة أعمالها هو أول ملمح رئيسي لسيرورة العملية الديمقراطية في الشعوب الحرة ، وتشريع القوانين وفقا لمتطلبات العصر الراهن ضرورة لمجابهة التغيرات المتراكمة التي يلقي علينا بها الحراك العالمي والتطور الراديكالي الناتج عن التفاعلات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية مؤخرا . لكن الكارثة الحقيقية يا سادة تكمن في الجهل الشعبي المتفشي بصدد الثقافات المجتمعية ، لتجد المواطن حائرا بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون فيتحول سيادة النائب المبجل الى مجرد «مخلصاتي» أو «مشهلاتي» للجماهير العريضة التي انتخبته وغالبا ما يخصص كل نائب مكتب لإدارة شئون الدائرة فتجده يعج بالمواطنين يحملون طلبات عدة فهذا يحتاج إلى تأشيرة من وزير التعليم لقبول إبنه في مدرسة فوق الكثافة ، وهذا طلب آخر لوزير الإسكان للإستفادة من مشروعات الإسكان للشباب ، فضلا عن من يريد أن يأخذ «نبطشيات مسائية» لأنه بيصحى متأخر ، والبعض يريد إعفاءات من رئاسة الحي حتى يتمكن من استخدام الشارع لتوسيع محاله التجارية ، وآخر يأخذ استثناء للإرتفاع بأدوار غير قانونية في عمارته ..... وما ينقص النائب أن يتقدم له أهل الدائرة بطلبات تزويج للشباب الذي يعاني من العنوسة ذكور وإناث ! والكارثة الأكبر أن يؤجل النائب طلبا لمواطن أو يدلي برأيه الموضوعي في أن المطلوب منه يخالف القانون والدستور ، هنا تقوم الدنيا ولا تقعد ويجد ريحا من المعايرات الصندوقية والإنتخابية على طريقة « أهي آخر مرة ننتخبك تاني انت ما بتخدمش حد « ! أيها المواطنون الشرفاء نحن ننتخب نائبا يمثلنا في البرلمان ليراقب الأداء الحكومي ويشارك في تشريع القوانين التى تحتاج إليها البلد للنهوض من كبوتها ، فكيف تطالب ممن يراقب الحكومة أن يتقدم لها بطلبات تكتظ بالتجاوزات ؟ وأين الوقت الذي يمكنه من دراسة الأوضاع وتشريع ما تيسر من القوانين ؟ فيا أيها الشعب المصري العظيم نائب الشعب ليس «ساعي بريد للوزراء» ولا شغلته إنه يكون مخدماتي لجحافل الجماهير الغفيرة .. فراجعوا أنفسكم أولا قبل أن تطالبوا بالتغيير ، فعلى الرغم من الحالة التفاؤلية التى أجنح لها غالبا الا أنني أستطيع أن أقسم لكم الآن أنه ليس في الأفق أية ومضات للتغيير طالما مازالت عقولنا متوقفة عند الإيديولوجيات البالية التى تجعل الحياة النيابية في مصر مجرد «مقايضة» بين الناخب والمنتخب «خد صوتي وهات لي خدمة « ... فكيف لهذا النائب الذي إحتسى الشاي بالياسمين في مكتب سعادة الوزير حتى يحظى بتأشيراته الذهبية على الطلبات الشعبية أن يقيمه أو يوبخه أو يحاسبه – إن أخطأ – إنها مأساة دوارة لا تنتهي فلا تنظروا صوب أقدامكم وارفعوا رءوسكم لتحديد ملامح الطريق الصحيح .فالحكم على أداء سيادة النائب لا يمكن أن يندرج تحت « الحب أو الكره» إنما وفقا لقاعدة «أصاب أو أخطأ» ..... فاستقيموا يرحمنا ويرحمكم الله .