تعانى الزراعة المصرية تراجعا مستمرا فى إنتاجية عدد غير قليل من المحاصيل الإستراتيجية وتنامى الفجوة الغذائية عاما بعد عام. فعلى سبيل المثال كانت مصر فى منتصف القرن الماضى من أكبر ثلاث دول مصدرة للفول والعدس ثم تحولنا خلال القرن الجديد إلى دولة مستوردة إلى كامل احتياجاتها من العدس وإلى نحو 70% من احتياجاتنا من الفول وهما من السلع التى ترتبط بالفقراء وبرجل الشارع. يعود السبب لزيادة المستورد منهما إلى تدهور إنتاجية أصنافهما المحلية وعدم إحلالهما بأصناف جديدة أكثر مقاومة للإصابات المرضية والحشرية وتغول الحشائش وفى نفس الوقت تكون عالية الإنتاجية لتتماشى مع معدلات الإنتاج المرتفعة لهذه الحاصلات فى الدول المتقدمة. غياب الدعم المالى عن البحث العلمى الزراعى وغياب مخصصات تطوير الأصناف المصرية ذات الشهرة العالمية والتى تتماشى مع نمط غذاء المصريين سبب آخر لتراجع إنتاجية الفول والعدس وصولا إلى اختفاء كامل لزراعات العدس، والأمر يحتاج إلى إعادة النظر فى مخصصات البحث العلمى الزراعى لزيادة الإنتاجية واستنباط (استنباط كلمة صحيحة وليس استنباتا) الأصناف عالية المقاومة للظروف البيئية فى مصر. تدهورت إنتاجية الأصناف المصرية للعدس حتى وصلت إلى أقل من طن للفدان كان الفلاح يبيعها للتاجر بنحو سبعة آلاف جنيه وهو مبلغ أقل من أن يغطى إيجار الأرض الزراعية وتكاليف الإنتاج وعائد ستة أشهر من العمل الدؤوب، بما وصل بنا إلى استيراد كامل احتياجاتنا منه. ارتفاع أسعار الدولار إلى متوسط 16 جنيها للدولار يمكن أن يعيد الانتعاش إلى زراعة العدس فى مصر لأن أسعار المستورد سوف ترتفع وربما تصل إلى 20 جنيها للكيلوجرام أو تتجاوزها بما يجعل زراعتها مجددا فى الأراضى المصرية مربحة حيث يمكن أن يرتفع عائد الفدان من زراعة العدس إلى نحو 15 ألف جنيه للفدان، وهو رقم يجعل زراعته مربحة ويعيد العدس الإسناوى إلى الأراضى المصرية. نفس هذا الأمر ينطبق على زراعات الفول بعد ارتفاع أسعار الدولار بنحو 80% وبالتالى أصبحت الأصناف المستوردة مهيأة للبيع بأسعار تتراوح بين 12 إلى 18 جنيها للكيلوجرام حسب النوعية ومدى زيادة حجمها بعد التسوية، وبالتالى يصبح متوسط أسعار الفول البلدى فى الأسواق المصرية بين 15 إلى 20 جنيها للكيلوجرام، بما يجعل زراعته مربحة طبقا لمتوسط المحصول الذى يتجاوز الطن بنحو مائة وخمسين كيلوجراما ويرتفع معها عائد زراعة الفول إلى مابين 15 إلى 18 ألف جنيه للفدان، وتستعيد الزراعة المصرية عرشها المفقود من زراعات الفول والتى لا تحتاج إلى أكثر من نصف مليون فدان فقط للاكتفاء الذاتى انتظارا لأنشطة البحث العلمى التى تضاعف إنتاجية الأصناف الجديدة من الفول المصرى عالى المواصفات. لا يقتصر الأمر فقط على زراعات الفول والعدس ولكن تعويم الجنيه المصرى سوف يكون له مردوده الهائل على الزراعة المصرية ولعلها تكون أهم القطاعات المستفيدة من ارتفاع أسعار الدولار والذى يمكن أن يحسم المنافسة بين القمح والبرسيم والمحسومة لصالح البرسيم بسبب تفوق عائده عن عائد القمح. الوعد الحكومى بشراء المحاصيل الإستراتيجية من المزارعين بسعرها فى البورصات العالمية مضافا إليها تكاليف النقل البحرى والتفريغ فى الموانى المصرية والتسهيلات والنقل البرى الداخلى من الموانى المصرية إلى المحافظات السبع والعشرين فى ظل ارتفاع أسعار الدولار يجعل من زراعات القمح زراعة مربحة وبشكل غير مسبوق. الذرة الصفراء للأعلاف والتى تحتل مصر رابع أكبر مستورد عالمى لها بنحو 6.6مليون طن، وتشير أرقام غير مؤكدة إلى ارتفاعها إلى 8 ملايين هذا العام، والتى تكلفنا نحو 230 دولارا للطن واصلا للأراضى المصرية، وبالتالى تتحمل الخزانة المصرية بالأسعار السابقة للدولار نحو 1.4 مليار دولار أى أكثر من 12 مليار جنيه مصرى ترتفع بالأسعار الجديدة للدولار إلى 22 مليار جنيه مصرى ويصبح سعر الطن من الذرة 3700 جنيه مصرى والتى يصل متوسط إنتاجيته فى مصر مايقرب من 3.5 4 أطنان للفدان تحق عائدا يقترب من 15 ألف جنيه بخلاف مايستفيد به الفلاح من عيدان الذرة كعلف لمواشيه أو بيعها كسياج وتدفئة لأرضه. هذا العائد الكبير يجعل من زراعة الذرة زراعة مربحة عالية العائد، ويمكن لمصر أن تصل منها إلى الاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى تخفيف الضغط لتوفير هذه المليارات عن كاهل الخزانة العامة للدولة، بالإضافة إلى إنتاج مبلغ مماثل من أراضينا لم يكن موجودا من قبل وهو مانسميه التأثير المزدوج (توفير مبالغ الاستيراد وإنتاج مبالغ جديدة) لدعم الاقتصاد والجنيه المصري. ارتفاع أسعار الدولار يعيد زراعة محاصيل الزيوت بدءا من بذرة القطن وزيتها الفاخر، ومعها عباد الشمس وفول الصويا والذى يصل سعر الطن منها عالميا ألف دولار للطن قائلا للزيادة المستمرة، وبالتالى فإن استيراد مايقرب من 3 ملايين طن سنويا من زيوت الطعام يكلف مصر نحو 3 مليارات دولار ليس من السهل على الدولة تدبيرها فى ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، ولكنه يضاعف من احتمالات زراعتها فى مصر بالأسعار الجديدة للدولار ويقترب عائد الفلاح من زراعة الصويا والعباد وبذرة القطن إلى 15 ألف جنيه مصرى إذا ماساهمت مصانع الزيوت المصرية الستة عشر فى التعاقد مع المزارعين لتسلم كامل إنتاجهم من البذور الزيتية ومتخلية عن عادتها فى استيراد الزيوت الخام من الخارج، لأن الوقت حان للاعتماد على الزراعات المصرية والتخفيف عن كاهل الدولة، وعلى الدولة أن تسهم أيضا بقرارات إيقاف استيراد الزيوت الخام من الخارج طالما توافر إنتاجها من أراضينا. القطن قصير التيلة ومساهمته فى توفير احتياجات مصانعنا للنسيج، بالإضافة إلى جذب استثمارات أجنبية لتصنيع الملابس الكاجوال والجينز والتيشيرت من أصحاب الماركات العالمية يمكن أن يشهد انتعاشة مماثلة بعد مضاعفة أسعار الدولار. أسعار السكر عالميا والتى تجاوزت 600 دولار للطن تصعد بأسعاره الجديدة للدولار إلى 9600 جنيه للطن على أرض بلاده أى نحو 10 جنيهات للكيلوجرام، وعلينا سرعة التوسع فى زراعات بنجر وقصب السكر لسد الفجوة الغذائية منها، والتى لا تتجاوز 30% فقط من السهل تحقيقها بعد ارتفاع الأسعار الذى يعيد الزراعة مهنة مربحة دون مجهود من وزارة الزراعة. لمزيد من مقالات د. نادر نور الدين