يعد النظام الانتخابى الأمريكى من أعقد الأنظمة الانتخابية فى العالم، إذ يعتمد على الاقتراع غير المباشر لاختيار منصب رئيس أكبر دولة فى العالم ونائبه.. فالشعب الأمريكى لا يصوت مباشرة لمصلحة أحد المرشحين، وإنما يختار «مندوبون «عنه للقيام بتلك المهمة عن طريق منظومة معقدة تسمى المجمع الانتخابي. المجمع الانتخابى هو مؤسسة دستورية تتكون من 538 مندوبا ممثلا للولايات الأمريكية الخمسين، بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا، ويتولى كل مندوب فيها اختيار مرشح رئاسى بعينه نيابة عن الناخبين من المواطنين الأمريكيين، مع التزام «أخلاقي» وليس «قانونيا» من قبل مندوبى المجمع بالتصويت لمصلحة المرشح الذى اختاره الناخبون الأمريكيون فى الانتخابات العامة. وقبل الخوض فى تفاصيل المجمع الانتخابى وآلية التصويت من خلاله، تجدر الإشارة إلى تاريخ هذه المؤسسة الغريبة والفريدة من نوعها والسبب وراء إنشائها. فقد اختلف واضعو الدستور الأمريكى عام 1787 حول طريقة انتخاب رئيس البلاد، فمنهم من طالب بانتخاب مباشر، وآخرون طالبوا بتكليف الكونجرس باختيار الرئيس.. ولذلك طرح البعض فكرة إنشاء المجمع الانتخابى كحل وسط لكى يتحقق مبدأ فصل السلطات ولا يكون للكونجرس أى تأثير على الرئيس الذى يتمتع بصلاحيات مستقلة، فضلا عن رغبة ولايات الجنوب فى إقرار نظام يراعى صعوبة المواصلات فى ذلك الوقت نظرا للمساحات الشاسعة بين الولايات وعدم المقدرة على التعرف على المرشحين عن قرب إذا تم اعتماد نظام التصويت المباشر. وفى شرح مبسط للمجمع الانتخابي، يمكن القول إنه هيئة مكونة من 538 مندوبا يمثلون الولايات الخمسين، بالإضافة إلى العاصمة الفيدرالية واشنطن، أو ما يطلق عليها مقاطعة كولومبيا، أى أن لكل ولاية عددا من المندوبين يتحدد وفقا لعدد ممثلى الولاية فى الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ البالغ عددهم 535 عضوا، بالإضافة إلى ثلاثة أصوات لمقاطعة كولومبيا غير الممثلة فى الكونجرس ولكن لها ثلاثة أصوات انتخابية فى المجمع الانتخابي.. ويتم انتخاب المندوبين من قبل ناشطين سياسيين وأعضاء الحزبين المتنافسين على الرئاسة فى حدث مهم هو المؤتمر العام للحزب، ويحق لكل مندوب أعطاء صوت واحد للرئيس وصوت واحد لنائبه، علما بأن الفوز بالرئاسة يتطلب حصول المرشح الرئاسى على 270 صوتا على الأقل من أصوات المندوبين فى المجمع الانتخابي. وهناك ست ولايات توصف بأنها الأكثر تأثيرا فى المجمع الانتخابى لاستحواذها على 191 صوتا تمثل نسبة 35% من إجمالى عدد أصواته، تتصدرها ولاية كاليفورنيا ب55 صوتا، وتكساس ب38 صوتا، وفلوريدا 29 صوتا، ونيويورك 29 صوتا، وإيلينوى 20 صوتا، وبنسلفينيا 20 صوتا. ويوم الانتخابات العامة المقررة أول ثلاثاء من شهر نوفمبر، يتوجه ملايين المواطنين الأمريكيين إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيسهم، وبعد فرز الأصوات الشعبية تنتقل العملية الانتخابية إلى المجمع الانتخابي، حيث يصوت مندوبو الولايات فى أول اثنين من ديسمبر لمصلحة المرشح التى حصل على أغلبية الأصوات الشعبية فى كل ولاية على حدة، ويتم إعلان النتيجة الرسمية للانتخابات فى الكونجرس يوم السادس من يناير من العام التالي، على أن يتم تنصيب الرئيس الجديد فى 20 من يناير. وفى حالة عدم حصول أى من المرشحين على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي، يتولى مجلس النواب انتخاب الرئيس، فى حين يتولى مجلس الشيوخ اختيار النائب.. ويعتمد نظام المجمع الانتخابى على مبدأ «الفائز يحصد الكل»، ويفسر بأن المرشح الرئاسى الفائز بأغلبية الأصوات الشعبية فى الولاية يفوز بجميع أصواتها فى المجمع الانتخابي، فى حين لا يحصل المرشح المنافس على شيء، وتطبق هذه القاعدةَ الولايات كافة باستثناء ولايتى نبراسكا ومين اللتين تطبقان نظام التمثيل النسبي، حيث تقسم فيهما أصوات المجمع الانتخابى حسب نسبة الفوز فى التصويت.. ويعد مبدأ الفائز يحصد الكل من أبرز مساويء نظام المجمع الانتخابي، إذ إنه قد يسمح بفوز مرشح ما بالرئاسة لمجرد حصوله على أصوات المجمع الانتخابي، حتى ولو كان ذلك المرشح لم يحصل على الأغلبية فى التصويت الشعبى الذى يجرى يوم الانتخابات العامة. وقد حدث أن فاز مرشح بالمنصب الرئاسى دون حصوله على أغلبية أصوات الشعب أربع مرات فى تاريخ الانتخابات الأمريكية، ففى عام 1824، وبعد اقتسام أربعة مرشحين أصوات المجتمع الإنتخابى اختار مجلس النواب جون كويسنى أدامز رئيسا للبلاد على الرغم من حصول أندرو جاكسون على أغلبية الأصوات الشعبية بل وأصوات المجتمع الإنتخابى أيضا، وفى عام 1876 فاز الجمهورى رثرفورد هايز ب185 صوتا فى المجمع الانتخابى رغم أن منافسه الديمقراطى صامويل تلدين فاز بالأصوات الشعبية بفارق 264.292 صوتا عن هايز. وفى عام 1888، انتخب الجمهورى بنجامين هاريسون بأصوات 233 فى المجمع الانتخابى أمام الديمقراطى جروفر كليفلاند الذى فاز أغلبية الأصوات الشعبية بفارق 100،456 عن الأصوات التى حصدها هاريسون. وفى عام 2000 فاز آل جور ب 48.38% من الأصوات فى عموم البلاد، فى حين حصل جورج بوش الابن على 47.87%، ورغم ذلك فاز بوش بالرئاسة لحصوله على 271 من أصوات المندوبين فى المجمع الانتخابى مقابل 266 صوتا لآل جور.