فوضى الشارع أصبحت نارا تحت الرماد تندلع فى أى لحظة لتفجر الخلافات والاشتباكات بين المواطنين, وامتدت إلى مواقف الميكروباص وسيارات الأقاليم ، وربما سمعت وشاهدت اشتباكات حامية بين السائقين للخلاف على أولوية تحميل الركاب فى مشهد يدل على الفوضى والعشوائية. وبسبب تزايد الظاهرة السيئة فى الشارع رصدت تحقيقات (الأهرام) بعض صور البلطجة واستمعت إلى رأى المتخصصين فيها لتحليلها. البداية.. كانت فى موقف سيارات محطة مصر حيث تحدث محمد عبد الحفيظ - محصل كارتة - قائلا : كنت سائق ميكروباص والآن أقوم بتحصيل الكارتة من السائقين ، ولا أستخدم القوة إلا فى الحالات التى يرفض فيها بعض السائقين الجدد دفع الكارتة التى تسمح لهم بالانتظار فى الموقف وتحميل الركاب . واضاف ان مهنتى ليست لها علاقة بالبلطجة وإنما أطبق قانون الموقف على الجميع بدون استثناء ويجب على السائقين الالتزام به وإلا لن يدخل الموقف مرة أخرى أما السائقون فقد عبر عدد كبير منهم عن غضبهم من فرض الكارتة أو الإتاوة كما يسمونها عليهم وقالوا إن قيمة الكارتة تختلف من موقف إلى آخر ، وأن الإتاوة التى يدفعونها للبلطجية تتفاوت من يوم إلى آخر وأحيانا تختلف حسب الدور والسائق أيضا، حيث تتراوح من جنيه على كل ( طلعة) إلى 10 جنيهات أو 15 جنيها وأحيانا تصل الكارتة إلى 50 جنيها فى الدور خاصة فى المناسبات دون الحصول على إيصال بالدفع، لذلك نضطر إلى زيادة الأجرة على الركاب. أما شريف عبد العزيز - سايس بمنطقة الترجمان - فيرى أن الحصول على مبالغ مالية من أصحاب السيارات شيء طبيعى للحفاظ عليها من السرقة إلا أن بعض البلطجية يسيطرون على بعض المناطق من أجل ابتزاز أصحاب السيارات للحصول على المال فقط دون الحفاظ على السيارة . ويقول زكريا وشهرته ( زيكو ) سائق بموقف عبود - لا يوجد أى اهتمام بموقف عبود رغم أننا ندفع الكارتة ولا يتم صرفها على صيانة المواقف والاهتمام بها ، مشيرا إلى أن المهنة أصبحت تؤوى المنحرفين والخارجين على القانون الذين يتعاملون مع المواطنين ببلطجة ، الأمر الذى ينعكس على السائقين بشكل عام . ويرى محمود عبد الرءوف مدرس أن الميكروباص تحول من وسيلة لنقل الركاب إلى دولة داخل الدولة يحكمها نظام غير آدمى وتخضع لقوانين سائقى الميكروباص التى تعتمد على البلطجة بداية من رفع سعر الأجرة حسب المزاج والسير عكس الاتجاه، والوقوف المفاجئ فى وسط الطريق لنقل الركاب دون مراعاة لأى قوانين ويقف المواطن حائرا بين سطوة البلطجية وغياب الأمن . ويضيف وائل عبد الله صيدلي- أن القيادة بسرعة جنونية هى السمة الأساسية لأغلب سائقى الميكروباص حتى بالشوارع المزدحمة بالسيارات والمواطنين بالإضافة إلى وقوفهم المفاجئ فى وسط الطريق لتحميل الركاب مما يتسبب فى تعطيل حركة الطريق ويؤدى إلى العديد من الحوادث ويعتمدون على البلطجة فى تصرفاتهم وسلوكهم لتخويف المواطنين . ويرى حسنين محمد موظف أن السائقين تحولوا إلى فتوات وبلطجية يفعلون ما يريدون فى المواطنين حيث إن سائقى الميكروباص يهددون بالتوقف عن العمل إذا لم يقم المواطن بدفع الأجرة المطلوبة التى تزداد يوميا جنيها أو جنيها ونصفا ( على مزاجهم ). أما شيماء عبد الله - معيدة - فترى أن سائقى الميكروباص يتعمدون الإساءة إلى الركاب بألفاظ خارجة ونعانى يوميا سوء أخلاقهم فهم لا يحترمون أى أحد سواء كان رجلا أو امرأة أو عجوزا لأن لغتهم واحدة هى البلطجة . وأكد رجب محمود - طالب - أن عددا من سائقى الميكروباص يستولون لأنفسهم على مواقف غير قانونية فى منطقة المطرية بأسلوب البلطجة وإذا حاول أى شخص التحدث مع السائقين لكى يتركوا المواقف التى اتخذوها دون وجه حق يتطاولون عليه بالسب والضرب لذلك يرفض أهالى المنطقة التحدث معهم ويقبلون بالأمر الواقع. وأشارت تسنيم راشد - طبيبة - إلى أن بعض السائقين يكونون تحت السن القانونية لقيادة الميكروباص ، وهناك أطفال يتولون القيادة وأعمارهم لا تتعدى 15عاما .. وتتساءل : أين المرور من السيطرة على صور البلطجة فى الشارع ؟ وأوضحت أن معظم سائقى الميكروباص يضايقون الفتيات على الطرق، هذا بجانب المعاملة السيئة التى يلقاها الركاب من قبل السائقين يوميا ويعلق إبراهيم متولى - سائق - قائلا : لسنا بلطجية وإنما نعمل لتوفير متطلباتنا اليومية التى نعانى منها بسبب ارتفاع الأسعار، والاتهامات الموجهة إلى فئة السائقين هدفها تشويه صورتهم ولا أنكر أنه يوجد انفلات أخلاقى من بعض السائقين. ويقول على متولى - سائق بموقف رمسيس: - أحيانا نرفع سعر الأجرة ولكن هذا ليس من باب استغلال الركاب أو البلطجة عليهم فالأسعار ترتفع فى كل شيء وتطالبوننا بألا نرفع سعر الأجرة. ويرى اللواء حمدى موافى الخبير الأمنى أن القضاء على ظاهرة البلطجية مهمة المجتمع وليست مسئولية الدولة فقط وتحتاج لتضافر جهود الجميع خاصة بعد انتشار هذه الظاهرة وترويجها بدور السينما من خلال تقليد بعض الشباب لدور البلطجى والتى كانت آخرها قيام شابين بمنطقة المرج بذبح بعضهما على طريقة محمد رمضان فى مسلسل الأسطورة . وأشار الى أن السينما لها دور كبير فى تفشى ظواهر عديدة سلبية داخل المجتمع ومنها ظاهرة البلطجية التى تصور البلطجى على أنه مجنى عليه ويفعل أشياء تجعل الجميع متعاطفا معه لذلك لابد من مواجهة هذه الظاهرة وفرض رقابة مشددة على هذه الأفلام التى تدمر المجتمع . وأوضح- موافى - أن أعداد الفيديوهات على الإنترنت ترصد بالصوت والصورة جرائم البلطجية بكل أنواعها من قتل وسحل وخطف وإتجار فى المخدرات والأسلحة علنا فى الشوارع وأن ملف البلطجة أخطر من ملف الجماعات الإرهابية المتطرفة خاصة أنها تدفع البلاد إلى منزلق خطير. ويعلق د. على إسماعيل أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة قائلا : إن التربية عامل مهم فى طبيعة الإنسان لأن التربية السوية تستطيع إيقاف فيروس البلطجة سواء كانت فى المدارس أو الشارع أو حتى داخل الأسرة . وأضاف - أستاذ علم النفس- أن البلطجية أشخاص يتسمون بالسلوك العدوانى من خلال بعض المتعلقات التى يستخدمونها كحمل السنج الحديدية والأسلحة البيضاء والنارية وهم يتمركزون غالبا فى الأماكن النائية والشوارع المظلمة وعلى الطرق الفرعية الخالية البعيدة عن الخدمات الأمنية. وأشار د. على - إلى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الرجال فقط بل تشارك فيها النساء أيضا حيث يتم الاستعانة بالمرأة البلطجية فى الحالات التى لا يصلح فيها الرجل البلطجى . وطالب بضرورة تضافر جهود المجتمع من أجل القضاء على هذه الفئة المنحرفة والتى تهدف إلى بث القلق والرعب فى نفوس المواطنين. ويحذر د. سعيد صادق - أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية - من خطورة البلطجة لأنها تهدد استقرار الدولة مطالبا بمواجهة حاسمة مع كل من يحرض على العنف ويعمل على نشر البلطجة. ويضيف قائلاً : هناك للأسف ثقافة دينية مسمومة فى مصر تهتم بالقشور وتركت الجوهر فاتخذت الدين كستار لتبرير أعمال العنف. ويحذر د. سعيد صادق - أستاذ الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية - من خطورة البلطجة لأنها تهدد استقرار الدولة، لذلك لا بد من مواجهة حاسمة مع كل من يحرض على العنف ويعمل على نشر البلطجة. وكشف أستاذ الاجتماع السياسى عن أن الأزمة تكمن فى ضعف القوانين فمن أمن العقاب أساء الأدب، لذلك هناك ضرورة تستلزم سن تشريعات رادعة لمواجهة كل صور البلطجة لردع مرتكبيها من تكرارها .