رئيس مياه البحيرة يشهد تدريب ومحاكاة للتعامل مع تسرب الكلور بمحطة دمنهور 2    لامبورجيني أوروس.. سيارة بدروع وزجاج مضادًا للرصاص وإطارات مقاومة للثقب    الجيش الأردني يحقق في سقوط صاروخ مجهول في محافظة معان جنوب المملكة    مدرب الأهلي المحتمل.. ريفيرو يودع أورلاندو بفوز كبير في دوري جنوب أفريقيا    جماهير الزمالك تتهم محمد عواد بالتفويت.. وتطالب برحيل حسين لبيب    وزير العمل يكشف عن آخر تطورات سفر العمال الزراعيين لليونان    اجتماع لمجلس النقابة العامة للمحامين والنقباء الفرعيين غدًا    الشباب والرياضة ببنى سويف تحتفل باليوم العالمى للصحافة    رياح ترابية وأمطار.. الأرصاد تكشف طقس الساعات المقبلة وتعلن موعد ارتفاع جديد لدرجات الحرارة    مي فاروق تشوق الجمهور لحفلها في دار الأوبرا: «هستناكم علشان وحشتوني»    مسلسل آسر الحلقة 32، وفاة فيصل واتفاق ثلاثي بين راغب وغازي وعزت للنصب على آسر    وربيرج: نسعى لنكون شريكًا أساسيًا وندرك حرية دول المنطقة    من بين 80 غزوة.. علي جمعة يكشف عدد الغزوات التي شارك فيها النبي؟    هل تعليق الصور في البيوت يمنع دخول الملائكة؟.. أمين الفتوى يحسم    هل تأثم الزوجة إذا قررت منع الإنجاب؟.. أمين الفتوى يجيب    قرار بتعديل تكليف خريجي دفعة 2023 بالمعهد الفني الصحي بقنا إلى المستشفيات الجامعية    احذر- علامات تدل على نقص فيتامين ه بجسمك    وزير التعليم يستقبل الممثل المقيم لصندوق الأمم المتحدة للسكان لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك    محافظ جنوب سيناء خلال لقاؤه «الجبهة»: المواطن السيناوي في قلب الأولويات    وكيل الصحة بالمنوفية يتفقد القومسيون الطبي لبحث تطوير الخدمات    وزير خارجية سوريا: رفع ترامب العقوبات عن بلادنا نقطة تحول محورية    التقنية الحيوية ومستقبل مصر.. رؤية من جامعة القاهرة الأهلية    د. أسامة السعيد يكتب: ساعات فى رحاب المجد    محافظ الدقهلية: 1457 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية الخليج مركز المنصورة    الصحة العالمية تحذر من عجز أعداد الممرضين في إقليم شرق المتوسط    رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج يشكر مصر على استضافة البطولة الإفريقية    وكيل وزارة الصحة يعقد اجتماعًا مع لجنة المعايشة بمستشفى سفاجا المركزي    المستشارة أمل عمار تشهد ختام التدريب التفاعلي الثالث لقاضيات مجلس الدولة    الجمهور المصري ينفق 168.6 مليون جنيه لمشاهدة فيلم سينما في 41 يوم (تفاصيل)    رئيس الوزراء يستعرض جهود تعزيز استدامة جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة    المرأة الوحيدة في استقبال ترامب.. من هي الأميرة السعودية ريما بنت بندر؟    "فخور بك".. كريستيانو يحتفل بأول ظهور لنجله مع منتخب البرتغال (صور)    وفاة الفنانة فاطمة سعد صاحبة صوت كابتن ماجد    «كان يا ما كان في غزة» ينطلق في عرضه العالمي الأول من مهرجان كان السينمائي    انطلاق مسيرة دعم وتمكين فتيات «ريحانة» بمركز شباب أبنوب بأسيوط    ننشر الصورة الأولى لشاب ألقى بنفسه في ترعة الإسماعيلية    انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم بمديرية أوقاف كفر الشيخ    "نيويورك تايمز": قبول ترامب للطائرة الفاخرة يتجاوز حدود اللياقة.. ومعلومات عن اطلاق عملة مشفرة لتمويل مؤسسته    قرار عاجل من المحكمة في إعادة إجراءات محاكمة متهمين بأحداث شغب السلام    الصحة العالمية: نصف مليون شخص فى غزة يعانون من المجاعة    فرص عمل بالإمارات برواتب تصل ل 4 آلاف درهم - التخصصات وطريقة التقديم    بالصور- مصادرة مكبرات صوت الباعة الجائلين في بورسعيد    مصدر ليلا كورة: لا توجد أزمة في خروج حسام عبد المجيد لأداء امتحان ثم عودته    براتب 87 ألف جنيه.. تعرف على آخر موعد لوظائف للمقاولات بالسعودية    كشف ملابسات فيديو يتضمن تعدى شخصين على سيدة بالضرب في الدقهلية    هل يجوز ذبح الأضحية الحامل؟.. "لجنة الفتوى" توضح الحكم الشرعي    وزير الثقافة يزور الكاتب صنع الله إبراهيم ويطمئن محبيه على حالته الصحية    المشدد سنة ل3 أشخاص بتهمة حيازة المخدرات في المنيا    «بتهمة تزوير معاينة بناء».. السجن سنتين لمهندس تنظيم بمركز مغاغة في المنيا    د.أحمد ماهر أبورحيل يكتب: تكافل وكرامة انتقل بالحكومة من الأقوال إلى الأفعال    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا    رئيس «اقتصادية قناة السويس»: توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا هدف رئيسي باستراتيجية الهيئة    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    كييف تعلن إسقاط 10 طائرات مسيرة روسية خلال الليل    مصرع شاب غرقا فى حوض مياه بالشرقية    ولي العهد السعودي في مقدمة مستقبلي ترامب لدى وصوله إلى الرياض    وزير الخارجية الباكستاني: "المفاوضات مع الهند طويلة الأمد وضرباتنا كانت دفاعًا عن النفس"    الملالي لاعب أنجيه الفرنسي معروض على الزمالك.. وطلباته المالية تتخطى مليون دولار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعراؤنا الشاعر النبيل فاروق شوشة
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 10 - 2016

فاروق شوشة أحد أبرز الملامح المكونة للخريطة الثقافية في مصر والعالم العربي، كان يرحمه الله صاحب السيرة العطرة والخلق النبيل، الشاعر الكاتب الإذاعي اللغوي الباحث، الأنيق البهيج ذو الطلة الهادئة والحضور اللافت ، وتشاء المقادير البهية
أن يحصل قبل رحيله على جائزة النيل، وهي أرفع الجوائز التي تمنحها الدولة لمبدعيها ومفكريها الذين أثروا حياتنا وأثروا في وجداننا، وقد كنا على يقين من أن الضمير الجمعي لمانحي الجائزة لابد وأن ينحاز للحق والقيمة، والحقيقة أن فاروق شوشة لم يفز وحده بالجائزة، وإنما فاز بها معه كل المبدعين الحقيقيين، وقد رأيت الكتاب يهنئون أنفسهم بهذا الخبر وكأنه يخصهم أكثر من فاروق شوشة نفسه.
...................................
أول ديوان ظهر لفاروق شوشة هو "إلى مسافرة" والذي صدر عام 1966، أي أنه في هذا العام 2016 يكون قد مر على إصدار أول دواوينه نصف قرن كامل، وطوال هذه الفترة لا أظن أن يوما واحدا مر عليه دون شعر، قراءة أو كتابة أو تأملا أو إذاعة، الأمر الذي يجعلنا أمام رجل من الشعر والتفاعيل، كلامه موزون وخطواته راقصة ونظراته أخيلة ودلالات. لم تكن مصادفة أن يكون اسم القرية التي ولد فيها فاروق شوشة "الشعراء"، فالظروف كلها، المناخ والعائلة والطبيعة واسم المكان مهيأة تماما لصناعة شاعر من طراز فريد، وكما يقول باولو كويلو في روايته السيميائي "عندما تريد شيئاً ما، فإن الكون بأسره يتضافر ليوفر لك تحقيق رغبتك"
نحن لا نستطيع أن نتعامل مع فاروق شوشة من زاوية واحدة، علينا أن نبتعد قليلا لنراه مكتملا من زواياه المتباينة، فهو جماع للرجل المثقف كما ينبغي أن يكون، اللغوي العارف لفلسفة الكلام، الإذاعي الفاهم لدور الإعلام، الشاعر الذي هو ضمير أمته ولسانها المنشد.
المتابع للتتويجات التي نالها فاروق شوشة سيكتشف كم هي قليلة وشحيحة في مقابل ما قدمه لنا من نتاجات مضيئة، محليا لم ينل من قبل سوى جائزتي التشجيعية والتقديرية، وعربيا لم يحصل سوى على جائزة يماني، ودوليا لم يحصل سوى على جائزة كافافي، غير أن أهم وأكبر جائزة حصل عليها هي محبة الناس. إن هذه السنوات الثمانين من عمره جعلته يحسن الإمساك بمفاتيح الوجدان، وهذه الخبرة التي أوقفته على مشارف الحكمة، كل ذلك جعل قصيدته صافية خالصة مغسولة بالشعرية في غورها البعيد، ومشغولة بالصوفية والروحانية لكأنها محض حلم مذهب بالحنين:
هبنى طرت وراءك يا عصفور النخل العالى
مخترقاً حيطان فضائك
أبحث عنك
وأمعن كى أتقافز مثل
لكنى أبداً لا ألحق بك
وكأنك تقرأ ما أنويه
وتدرك أنى منتظر لحظةَ سهوٍ منك وغفلةَ عين
لكن هيهاتْ
رادارك فى عينيك سريع اللفتة والإيماء
ردة فعلك أسرع منى آلافَ المرات
والكون جميع الكون أمامك محض نداءات
تسمعها أنت ومحض فضاء
المتتبع للمشوار الإبداعي للشاعر فاروق شوشة سيدهشه هذا الزخم الكبير، وما حيلتنا مع رجل يفعل فعل الرواد وينحو نحوهم، فهو شاعر وإعلامي ولغوي وباحث وأستاذ جامعي ومثقَّف ومثقِّف، وقد كنا نتابعه عبر الأثير أو على الشاشة الفضية فنقول لو انه يخفف من جهده بعض الشيء فيخلص للشعر إذن لكسبنا عددا أكبر من قصائده ودواوينه، فنحن نراه خلال ثلاثين عاما كاملةْ هي الفترة بين عامي 1966 و1996 يصدر تسعة دواوين ونراه خلال نصفِ هذه الفترة أي خمسة عشر عاما وهي الفترة من 1996 إلى الآن يصدر أكثر من أحد عشر ديوانا، وكانت المسافة الفاصلة بين الديوان وأخيه في الفترة الأولى تمتد لتصل إلى ست سنوات كاملة في بعض الأحيان وتقصر هذه المسافة في الفترة الثانية حتى أننا أصبحنا ننتظر منه ديوانا كل عام، وكأنه ينتقم من فترة العمل الوظيفي الثقيل، وصار الشعر خبزه وماءه وهواءه حتى أنه عندما تذكر وجوه صحابته كتب لوحاتهم شعرا مستفيدا من أطروحات الحداثة الشعرية في قصيدة النثر ومتكئا على التفاصيل الصغيرة ولغة الحياة اليومية وذكر السردي والعادي حتى أن كثيرا من القراء لم يفطنوا إلى أنهم يقرأون شعرا، وهو نفس الفعل الذي كان يقوم به في الآحاد المتراتبة على صفحات الأهرام حيث يكتب فصولا شائقة من سيرته الذاتية شعرا، هو نفسه الذي سبق له من قبل أن أصدر "عذابات العمر الجميل" والذي أتيح له أن يطالع هذا الكتاب ستستوقفه ملحوظة أساسية على غلافه، حيث كتب تحت عنوان الكتاب بين معقوفتين "سيرة شعرية" لكن القاريء للكتاب سيكتشف بعد فراغه منه أنه سيرة نثرية وليست شعرية فهو يحدثنا نثرا عن التجائه لشجرة يقعد فوقها ليقرأ وعن دور أمه في حياته وعن الأحوال الشعرية في خمسينيات القرن الماضي وعن إصراره على العمل بالإذاعة حتى لو كلفه الأمر دفع مصروفات عام دراسي كامل لوزارة التعليم وعن نظرة لويس عوض له ولشعره بإجحاف وظلم، ويبدو أن فاروق شوشة كان يحلم أن يكتب سيرته شعرا فخط قلمه الباطن على الغلاف هذه الجملة غير الحقيقية، حتى حين يملك وقته كله ويتحرر من أغلال مواعيد الكاميرات المنتظمة يحقق حلمه القديم فيكتب سيرته شعرا، ولم لا وقد أصبح الشعرُ السيدَ الوحيد الذي لا يخدم أحدا غيره ولا يرى سواه، هو يحبه حتى البكاء، ونراه أمامه مرتجفا كالعاشق في حضرته
مولاى الشعر اغفر لى
أنى قد جئت بلا استئذان
ووقفت ببابك
أدخل أم لا أدخل
يبهرنى ضو
تَغشَى عيناى فلا تريان.
حزننا على فاروق شوشةهو حزن على غياب كل القيم التي يمثلها وجوده بيننا، الإخلاص والدأب والصدق والمعاناة والحق والنبل والخير والجمال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.