ماذا حدث بعد أن تبنت جامعة هارفارد تأسيس علاقة عضوية بين الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية ابتداء من مصر مع بداية حكم السادات، أو بالأدق مع بداية عام 1974؟ بزوغ ارهاصات الارهاب فى الربع الأخير من القرن الماضى وشيوعه فى هذا القرن. ومع ذلك فثمة سؤال لابد أن يثار: هل أصبحت جامعة هارفارد على وعى بالنتيجة الحتمية لهذا الشيوع، والتى كانت هى من أسبابها الرئيسية؟ جواب هذا السؤال وارد فى كتاب لأستاذة القانون بجامعة هارفارد لويزه رتشاردسون وعنوانه الرئيسى «ماذا يريد الارهابيون؟»وعنوانه الفرعى «فهم العدو واحتواء التهديد» (2006). والجدير بالتنويه أن محاضرات هذه الأستاذة كانت تلقيها عن الارهاب منذ التسعينيات من القرن الماضى، وكان الطلاب يوجهون إليها نقداً حاداً إلا أنها لم تفصح عن مضمون هذا النقد. وإثر أحداث 11/9 انهالت عليها الدعوات لإلقاء محاضرات عن الارهاب. وفى كل مرة كان السؤال المثار: ما الكتاب العمدة الذى يتناول الارهاب؟ كان جوابها بالنفى بدعوى أن ليس ثمة كتاب يدور حول بيان الأسباب التى تدفع الانسان إلى الارهاب و النتائج التى يريد الارهاب تحقيقها. هذا بالاضافة إلى أن لها رؤية مغايرة لأن لديها سؤالاً مغايراً: كيف يقتل الارهابى انسانا بريئا، ويتوهم أنه يناضل ضد الظلم من أجل تأسيس عالم أفضل؟. وإذا كان السؤال مغايراً فيلزم أن يكون الجواب مغايراً. ولكى يكون مغايراً يلزم استبعاد الأجوبة الشائعة ومنها جوابان. الجواب الأول يرى أن الارهاب يقوم به مجنون. والجواب الثانى أن الارهاب مدعم من دولة مدمنة اشعال الحروب. والخطأ فى هذين الجوابين يكمن فى تجاهل دراسة المجتمع الذى أنتج ذلك الارهابى. ثم هى بعد ذلك تزيد الأمر ايضاحاً عندما تلفت الانتباه إلى أن ثمة خطأين عظيمين وفرصتين كبيرتين ضائعتين إثر أحداث 11/9. الخطأ الأول يكمن فى إعلان الحرب ضد الارهاب. والخطأ الثانى إعلان الحرب ضد تنظيم القاعدة وضد صدام حسين. والفرصة الضائعة الأولى تكمن فى عدم توعية الشعب بأبعاد الارهاب والتكاليف الباهظة التى تتحملها الدولة الوحيدة العظمى وهى أمريكا. والفرصة الضائعة الثانية مفادها عدم تحريك المجتمع الدولى للوقوف مع أمريكا ضد الارهاب. وفى هذا السياق كان من اللازم الجواب عن سؤال أثاره الشعب الأمريكى: لماذا يكرهوننا؟ وجاء الجواب الذى يدعو إلى السخرية: لأننا أخيار وهم أشرار. أما الجواب الصحيح فى رأى لويزه أنه كان من اللازم توعية الشعب الأمريكى بسيكلوجية المقهور، وهو أمر من شأنه أن يدفع هذا الشعب إلى احتضان الارهابى بدلاً من قتله، ومن شأنه أيضا أن يدفعه إلى نقد ذاته بديلاً عن هذه القسمة الثنائية الساذجة بين أخيار وأشرار. ومن هنا كان من المنطقى أن يعلن بن لادن عن قسمة ثنائية ساذجة ومضادة بين المؤمنين والكفار. وبعد ذلك تثير لويزه السؤال الوارد فى عنوان كتابها: ماذا يريد الارهابيون؟ تحقيق ثلاثة أهداف: الانتقام والشهرة ورد الفعل. الانتقام لأنه مقهور. والشهرة وذلك بإعلان الارهابى أنه أكبر عدو لأقوى بلد فى العالم، وبإعلان أمريكا بأنها تطلب تسليم الارهابى فى مقابل ملايين الدولارات. فإذا ظل حراً فإنه يواصل التحدى، ويعلن ضعف أمريكا. أما إذا قُتل فإنه يصبح شهيداً ومشهوراً. أما رد الفعل فهو توجيه انتباه البشر إلى الارهاب فتزداد عملية التجنيد. وفى سياق هذه الأهداف الثلاثة تثير لويزه هذا السؤال: ما العمل؟ فى البداية توجه الانتباه إلى أن الارهاب المهدد لأمريكا هو الارهاب الاسلامى، وهو يكمن فى مسلمى الشتات فى أوروبا وهم يتراوحون بين 15 مليوناً و20 مليوناً. ومما يسهم فى صعوبة مواجهة الارهاب أن المجتمعات الأوروبية تتبنى التعددية الثقافية بدعوى أنها من متطلبات الديمقراطية، إلا أن هذه الدعوى باطلة لأن المجتمعات الاسلامية فى أوروبا تعيش بمعزل عن الدولة المضيفة. والسؤال اذن: ما العمل فى هذا السياق؟ جوابها مثير للدهشة: ليس المطلوب القضاء على الارهاب بالضربة القاضية لأنه من المحال شن حرب كوكبية على الارهاب، إنما المطلوب احتواؤه لكى نمنعه من تجنيد آخرين. والسؤال اذن: هل فى الامكان احتواء الارهاب؟ ونجيب بسؤال: ما الارهاب الاسلامى؟ بحسب تعريف بن لادن: إذا كان قتل مَنْ يقتل أبناءنا ارهابياً فليشهد التاريخ على أننا ارهابيون. ثم يستطرد قائلاً إن غاية الارهاب قتل الطغاة والعدوانيين وأعداء الله. وبحسب الظواهرى أسلوب الارهاب هو الاستشهاد وهو أنجح الأساليب لأنه يدمر معنويات العدو. وإذا كان الارهاب اسلامياً فجذوره فى الأصولية الاسلامية، وبالتالى ينتقل السؤال من الارهاب الاسلامى إلى الأصولية الاسلامية وصعودها مردود إلى ثلاثة أسباب على نحو ما ترى لويزه: الثورة الأصولية فى ايران، وحزب الله الأصولى فى لبنان، وحرب «طالبان الأصولى» فى أفغانستان ضد السوفيت. وأشهر الأصوليين اثنان: المودودى فى باكستان وسيد قطب فى مصر. وأمريكا فى مواجهة هؤلاء ضعيفة ولينة خاصة فى زمن كارتر وريجان. ولهذا فالحوار مطلوب مع الارهابيين إذ هو يكشف عن احساس بالحرمان مدعم باحساس بالفشل والدين يقوى هذا الاحساس المريض. ومعنى ذلك فى رأى لويزه أن الدين ليس سبباً للارهاب إنما هو مبرر للارهاب ومحرض عليه ومانح لشرعيته. والرأى عندى أن الأصولية أيا كانت سمتها الدينية هى حالة ذهنية قبل أن تكون حالة نفسية أو حالة اقتصادية لأنها تقنع المؤمن بأنه مالك للحقيقة المطلقة وأنه من اللازم الدفاع عنها بتكفير مَنْ يناقضها وقتله إن لزم الأمر. ومن هنا كان من اللازم التعامل مع ذهنية الارهابى وليس مع سلاح الارهابى والمكلف بهذا التعامل مؤسسات التعليم والثقافة والاعلام فى الدول الموجودة على كوكب الأرض بلا استثناء. لمزيد من مقالات د. مراد وهبة