يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر المحرم، وهذا اليوم له فضيلة عظيمة، وحرمة قديمة، وصيامه يكفر السنة التى قبله، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم، وقد حث عليه الصلاة والسلام على صيامه لما فيه من الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله جل فى علاه. وأوضح علماء الدين أنه يستحب صيام التاسع والعاشر من المحرم، والإكثار من الذكر والاستغفار والتقرب الى الله تعالى بطاعته، وعدم الالتفات الى أى شىء آخر، حتى لا يقع المسلم فى إثم ويظن أنه يفعل خيرا. ويقول الدكتور عبدالفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إنه قد جاء في فضل عاشوراء أنه يوم نجَّى الله فيه نبيه موسى عليه السلام والمؤمنين معه، وأغرق فيه فرعون وحزبه؛ فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما هذا اليوم الذى تصومونه؟” فقالوا: هذا يوم عظيم, أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فنحن أحق وأوْلى بموسى منكم”, فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، وعن الرُّبَيِّع بنت معوِّذ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: “من كان منكم صائماً فليتمَّ صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه”، فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوِّم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب بهم إلى المسجد، ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم”. فضل صيامه وأشار الى أنه قد جاء بيان فضل صيام يوم عاشوراء في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم عاشوراء، فقال: “يكفِّر السنة الماضية”، وفي رواية: “صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله”، وفي حديث آخر: “ومن صام عاشوراء غفر الله له سنة”, وأوضح أنه قد ورد في بعض الروايات أن صيامه يعدل صيام سنة، كما في رواية: “ذاك صوم سنة”, وروى ابن عباس قال: “ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صيام يوم فضَّله على غيره, إلا هذا اليوم, يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني: شهر رمضان”, وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على استحباب صيامه, والأكمل هو صوم التاسع والعاشر، لأنه هو الذي عزم النبي صلى الله عليه وسلم على فعله, إلا أنه قبض قبل أن يدركه. وأوضح أن الناظر في حال الناس اليوم يرى أنهم يخصصون يوم عاشوراء بأمور عديدة, منها ما يعد عادة, ومنها ما هو عبادة, ومنها ما هو بدعة, فمن الأعمال المنتشرة التي يحرص عليها الناس في عاشوراء: الصيام, وهو عبادة مشروعة لما سبق, ومنها: إحياء ليلة عاشوراء، والحرص على التكلف في الطعام، والذبح عموماً لأجل اللحم، وإظهار البهجة والسرور، ومنها: ما يقع في بلدان كثيرة من المآتم المشتملة على طقوس معينة, فأما قيام ليلة عاشوراء، وزيارة القبور فيه، والصدقة، وتقديم الزكاة أو تأخيرها عن وقتها لتقع في يوم عاشوراء، وقراءة سورة فيها ذكر موسى فجر يوم عاشوراء, فهذه ونحوها المخالفة فيها في تخصيصها بوقت معين, وإلا فإنها بحسب الأصل مشروعة بنصوص الشرع, وما كان من العادات: كالاغتسال، والاكتحال، واستعمال البخور، والتوسع في المآكل والمشارب، وإظهار البهجة والسرور, ونحوها, فهي وإن لم تخل من نكير يصاحبها, إلا أنه لم يرد نهي عنها بخصوصها, فهي على الإباحة, وأما ما يفعل غير ذلك, فهو بعيد كل البعد عن منهج الإسلام وهديه. من أيام الله وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور سيف رجب قزامل، العميد السابق لكلية الشريعة بطنطا، إن يوم عاشوراء يعد من أيام الله تعالى التى يجب على كل مسلم أن يتذكرها بالطاعة، قال تعالى فى سورة إبراهيم” ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور”، فأيام الله تعالى هى التى تذكرنا بنصر الله تعالى لعباده المؤمنين، على مختلف الأزمنة والدهور، ويوم عاشوراء يذكرنا بقصة سيدنا موسى عليه السلام مع الطاغية المتكبر المتغطرس فرعون، وكيف نصر الله نبيه موسى عليه السلام ونجاه هو ومن آمن معه، على ذلك المتكبر فى الأرض بغير حق، وقد سجل ذلك القرآن الكريم، قال تعالى:” فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى،إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى، مُوسَى، أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنجَيْنَا مُوسَى ، وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ. وشدد قزامل على ضرورة أن تتخذ الأسر المسلمة هذه المناسبات الدينية فرصة ومدخلا لتعليم الأطفال والناشئة سير الأنبياء والصالحين، وفى الوقت نفسه نعودهم ونربيهم على كيفية التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، تربية إسلامية صحيحة بغير غلو ولا تطرف ولا تفريط، حتى ينشأوا على حب العبادة بطريقة تحصنهم من أصحاب الأفكار الضالة والمنحرفة، وأوضح أن مثل هذه المناسبات بقدر ما فيها من تذكر سير السابقين، فإنها تعد أيضا حافزا ودافعا للإنسان المؤمن على التغلب على مصاعب الحياة ومشاقها، من خلال التوكل على الله والإيمان به والأخذ بالأسباب فى جميع مجالات الحياة، وترك التواكل الذي يعد سببا رئيسا من أسباب الفشل.