القصص المتشابهة التى يمر بها المجتمع المصرى وأغلب المجتمعات العربية فى نصف قرن من حيث الفشل السياسى والاجتماعى وعدم القدرة على ترجمة الحماس الى تعليم أفضل وبحث علمى أفضل الى حقيقة واقعة تمثل لغزاً محيراً للغالبية الساحقة من المنتمين الى المنطقة، من يعيشون داخلها وخارجها على حد سواء. الأكثر عجبا أن تلك الحيرة باقية ونحن لا نحرك ساكنا والعالم يتغير من حولنا والأدهى أن طريقة تواصلنا وانفتاحنا على العالم تمر بثورة اتصالات غير عادية بينما ثورة التفكير العلمى والشغف لنقل تجارب التحديث تتوقف عند حدود الكتابة فى الصحف أو الصراخ الدائم فى البرامج التليفزيونية عن أوضاعنا المتدنية. أتحدث عن عالم لا يشبهنا ولا نشبهه ولا نرتقى الى صفوفه الأولى لأننا مثل الطالب الذى أضاع كل الفرص ولم يعد أمامه سوى اجتياز الاختبار الأخير أو مواجهة خطر الفصل من مدرسته.. نحن أمام فرصة أخيرة للحاق بالعالم الأكثر تقدماً لأسباب بعضها ماثل أمامنا والبعض الأخر مازال فى مرحلة المخاض.. نحن لم نستفد من العلاقة المنفتحة مع العالم الأكثر حداثة فيما نفقد الكثير من مقومات بناء مجتمعات جديدة يوما بعد يوم ومن تلك المقومات التى تتسرب من بين أيادينا أن الثروة العربية تتعرض لنزيف متصل، موارد الطاقة، نتيجة حالة من التمزق السياسى والاجتماعى فى دول قومية كبيرة فى منطقة الشرق الأوسط وكل ما بنيت عليه تصورات الاستفادة من تلك الثروة فى بناء المجتمعات يتسرب من أيادى الشعوب وأصبح الهدف المرحلى هو كيفية الابقاء على تلك المجتمعات متماسكة أو على قيد الحياة. ولو أضفنا حجم الخطر من الصراعات المذهبية والعرقية سنجد أن الأولوية لن تكون لبناء مجتمعات قادرة على اللحاق بالدول الناشئة ولكن الأولوية ربما ستكون لكيفية تجنب الانزلاق الى فئة الدول الفقيرة أو الأكثر فقراً بعد سنوات قليلة. فى الأفق، تلوح صراعات داخل المجتمعات فى كل أنحاء العالم حيث تتزايد الضغوط على الطبقة الوسطى فى الشرق والغرب ولم تعد الحكومات قادرة على تقديم دعم كاف لأبناء تلك الطبقة بسبب الضغوط على الموازنات وشراسة المنافسة الاقتصادية وهو ما يعنى أن الطبقة التى يخرج منها القوام الرئيسى لبناء مجتمع حديث لن يكون بمقدورها الاسهام بقدر معقول فى حالتنا، ما لم تحدث معجزة طريقة التعاطى مع مكتسبات تلك الطبقة تعليمياً وصحياً. العالم الذى لا يشبهنا يمكن قراءته من عناوين الأخبار ونشرات المعلومات من مراكز الأبحاث والجامعات الكبرى وتلك عينة مما قرأت فى الأيام الأخيرة: - فى أسبوع جوائز نوبل، تقول دراسة جديدة ان الطلاب الجامعيين من المؤسسات التعليمية التى تعرف بأنها مدارس النخب الصغيرة- لا يزيد عدد المقبولين سنويا على 250 طالبا- لديهم فرص أفضل للفوز بجوائز نوبل. هناك العديد من الطرق لتصنيف الجامعات لكن تحليلا جديدا يصنف المؤسسات المرموقة حسب نسبة الطلاب الذين يشقون طريقهم الى الجائزة العالمية. للعلم، توجد مدرستان تهيمنان على ترتيب الجامعات الأفضل عالمياً هما: مدرسة المعلمين العليا (ENS) فى باريس ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) فى باسادينا، لأنهما ببساطة تسميان مؤسسات النخبة الصغيرة، التى تقبل عددا أقل من الطلاب الجامعيين فى السنة الواحدة، ولكن نصيبهما اليوم من انتاج النوبليين Nobelists يفوق بعض الجامعات الكبرى على مستوى العالم. - فى «يوم التصنيع» فى الولاياتالمتحدة، يوم الجمعة الماضي، ركز ثلاثة ألاف حدث فى جميع الولايات على «تصنيع الولاياتالمتحدة» من منظور عالمى حيث تلعب الصناعات التحويلية دور اللاعب المهيمن فى صادرات الولاياتالمتحدة، من الآلات الثقيلة وغيرها من السلع الرأسمالية بشكل خاص. فهناك طفرة أمريكية تركز على التصنيع، وتمثل الصادرات 14 فى المائة من الناتج المحلى الاجمالى مقابل استحواذ الصادرات على 14.7 فى المائة من الناتج المحلى الاجمالى فى اليابان. وما لا يدركه معظم الناس أن الولاياتالمتحدة مازالت تسيطر على 30 فى المائة من اجمالى الصناعات التحويلية فى العالم من حيث »القيمة« فيما تمثل الصين 10 بالمائة فقط. - من المتوقع أن تحدث طفرة فى تسويق «الروبوت الصناعي» بحلول عام 2019 حيث سينتج العالم المتقدم 1.4 مليون من الروبوتات الصناعية فى تلك السنة وفقا لتقرير صدر مؤخرا من قبل الاتحاد الدولى للروبوتات (IFR). وسوف يتم نشر 2.6 مليون من الروبوتات الصناعية عالميا بعد عامين حيث الصين هى الدولة الرائدة فى الطلب على تلك التكنولوجيا التى لم تعد تقتصر على المجموعات الصناعية التقليدية بل يمتد استخدامها الى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم فى جميع أنحاء العالم. تلك عينة من تطورات يومية تجرى فى العالم الأخر الذى لا نعرف آلياته ولا نعرف كيف نفك طلاسم تقدمه، لو كانت طلاسم، فنحن لم نقدم مشروعا علميا متكاملا حتى اللحظة ونتحدث عن تحديث البحث العلمى لمدة نصف قرن دون نتيجة ملموسة وغرقت المؤسسات العلمية فى صراعات مصلحية وروتين خانق. من الجامعات والمدارس العليا التى تخرج أصحاب نوبل الى رؤية كيفية تطوير الصناعة ومشاركة المجتمع فى خلق قوة دفع جديدة على غرار ما يجرى من مبادرات اعادة تصنيع أمريكا وتكون النتيجة الطبيعية هى المنافسة على اخراج أحدث تطبيقات الصناعة فى صورة الخبر الثالث وهو ظهور جيل من «الروبوتات» التى يعتمد عليها بشكل كامل فى عمليات التصنيع. هى سلسلة متصلة من التفاعلات التى تقودنا فى نهاية المطاف الى الحداثة العلمية ونهضة المجتمع وكل ما نفعله هو عكس تلك التفاعلات التى تقود الى مجتمع أفضل. لا نقول اننا نريد عباقرة لجائزة نوبل اليوم أو غدا ولكننا نريد قاعدة علمية ترتفع بنا الى مصاف الدول الأكثر تقدماً برعاية أجيال جديدة من المتفوقين وفقا لمعايير المؤسسات الكبرى فى العالم. خريطة الطريق حتى ننتسب الى عالم أكثر حداثة واضحة وليست معضلة أو من المستحيلات.. لو أردنا! [email protected] لمزيد من مقالات عزت إبراهيم