فى وقت يعمل فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى على مدار الساعة، ويتحرك بقوة لإعادة تشغيل ماكينة الاقتصاد الوطنى التى تعطلت وتعرضت للاهتزاز العنيف عقب ثورة 25 يناير، نجد أن هناك من لا يفهمون الرسالة، بقصد أو دون قصد، ويسهمون فى إشاعة البلبلة فى مناخ الاقتصاد، وبالذات فيما يخص سعر الصرف، وقد حذر الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة من تحويل الدولار إلى سلعة والاتجار فيه، والمضاربة عليه، وللأسف هناك فئة من معدومى الضمير من رجال الأعمال والتجار وبعض المواطنين يفعلون ذلك ولا يهمهم إلا مصلحتهم الشخصية العنيفة، ونسوا أن الوطن يحتاج إلى الوقوف معه فى هذه اللحظة حتى نستطيع أن نعبر إلى بر الأمان، بعد أن قطعنا شوطا مهما فى مهمة إنقاذ الدولة عقب نجاح ثورة 30 يونيو، واستكمال مؤسسات الدولة، وعودة الأمن والاستقرار إلى ربوع الوطن. البعض يريد أن يتاجر بآلام المواطنين ومعاناتهم، ويمتص دم الشعب بالاتجار فى الدولار والمضاربة عليه وتخزينه وتحويله لسلعة، وهو ما يسهم بنسبة كبيرة فى إشعال سوق الصرف، وللأسف يساند هؤلاء بعض وسائل الإعلام التى تتعمد نشر أخبار السوق السوداء للدولار، والتوقعات والتخمينات حول تعويم الجنيه، والملاحظ أن معظم وسائل الإعلام (صحافة وتليفزيون) التى تقع فى ذلك الفخ مملوكة لرجال أعمال يسهمون بشكل أو بآخر فى زيادة الأزمة وتعميقها من أجل تحقيق أرباح سريعة وضخمة من المضاربة على الدولار. ليس معنى ذلك أن أزمة الدولار كلها مفتعلة، وأن المضاربات والمؤامرات فقط وراء ارتفاع أسعاره، فهناك أزمة حقيقية يمر بها الاقتصاد المصرى عقب ثورة 25 يناير، نتيجة انهيار الموارد، وتوقف عجلة الإنتاج، وانهيار السياحة والاستثمارات الأجنبية، وفى الوقت نفسه زيادة فاتورة الاستيراد إلى أرقام رهيبة مقابل انخفاض قيمة الصادرات. كل هذه أسباب حقيقية ولا علاقة لها بالمضاربات والمؤامرات، وإنما الأزمة جاءت بعد ذلك حيث استغل البعض ذلك المناخ وحشدوا قواهم للفوز بأكبر قدر من الغنائم، على حساب جثة الاقتصاد الوطني، فبدأت المضاربات، وتخزين الدولار، وإشعال السوق، وانتشرت حمى شراء الدولار من أجل الاتجار فيه والمضاربة عليه، وصاحب ذلك عدم قدرة بعض المسئولين على التعامل مع الأزمة بشكل صحيح، بل ومشاركتهم فى ازدياد تفاقم الأزمة وتضخيمها أكثر من اللازمة. البداية كانت من الوزير أشرف سالمان وزير الاستثمار السابق، الذى صرح فى مؤتمر اليورومنى فى العام الماضى بأن خفض الجنيه لم يعد اختيارا، وذلك قبل الإعلان عن خفضه، مما أدى إلى توقف عملية البيع والشراء آنذاك تحسبا لخفض قيمة الجنيه، الذى كان يبلغ آنذاك 7.73 جنيه مقابل الدولار فى البنوك، و7.83 جنيه مقابل الدولار فى شركات الصرافة، وجاءت تصريحات سالمان لتحرض على المضاربات وتخزين الدولار، والتعامل معه على أنه سلعة، ولأنه ليس مختصا بالسياسة النقدية، فهذا يؤكد عدم حسن نيته فى تصريحاته آنذاك، لكن لم يهتم أحد ولم يحاسبه أحد، والوزير الآن يعمل فى شركة قطاع خاص مملوكة لأحد رجال الأعمال البارزين. وقع فى الفخ نفسه هانى قدرى وزير المالية السابق حينما أدلى بتصريحات صحفية لوكالة رويترز تشير إلى إمكان خفض الجنيه، مما أدى إلى تحويل الدولار لسلعة، وفشل كل مخططات السيطرة على سعر الصرف حتى بعد أن تم تخفيضه رسميا بنسبة 12% وبقيمة 112 قرشا ليصل إلى سعره الرسمى الحالى (8.87 جنيه مقابل الدولار)، ومع ذلك ظلت الأزمة مستمرة، ومازال الدولار يقفز بشكل جنونى وغير اقتصادي. الوضع الحالى غريب، وفى الوقت الذى زاد فيه الاحتياطى النقدى للدولار إلى أكثر من 19 مليار دولار، بزيادة أكثر من 3 مليارات دولار خلال الأسبوع الماضي، نجد أن الدولار يواصل جنونه، ويساعده فى ذلك جنون المضاربين وجشعهم، وضغوط بعض رجال الأعمال المستفيدين من الأزمة. الغريب فى الأمر هو موقف طارق عامر محافظ البنك المركزي، الذى نجح إلى حد كبير فى قيادة السوق المصرفية، وزيادة الاحتياطى النقدي، لكن تلميحاته وتصريحاته أحيانا تؤدى إلى مزيد من الارتباك فى سوق النقد، وبالذات حينما خرج فى لقاء تليفزيونى وألمح في تصريحات صحفية إلى إمكان خفض الجنيه، ثم صاحب ذلك قيام بعض وسائل الإعلام من الصحف والفضائيات بالتهليل لذلك، والتمهيد له. تعويم الجنيه قضية حساسة وشائكة، وتحتاج إلى هدوء فى التعامل معها، لأن التوقيت هو العامل الحاسم فى هذا الملف، فالتعويم كان قائما قبل ثورة 25 يناير، ولم تكن هناك مشكلة، وكان سعر الصرف مستقرا تماما فى البنوك وشركات الصرافة، ولم تكن هناك أزمة على الإطلاق فى العرض والطلب على الدولار، بل إن هناك الكثير من أصحاب الودائع كانوا يقومون بتحويل الدولار إلى الجنيه للاستفادة من سعر الفائدة المتميز للجنيه. إذن التعويم حدث من قبل ونجح، ولكن المشكلة فى توقيت التعويم والظروف المصاحبة له. لا يمكن أبدا أن يتم تعويم الجنيه وسط جنون المضاربات الحالية على الدولار، والتعامل معه على أنه سلعة رائجة تفوق أرباحها تجارة المخدرات، لأنه فى هذه الحالة مهما تكن القيمة التى سيتم الاتفاق عليها سوف يستمر جنون المضاربات والمؤامرات وتخزين الدولار بهدف زعزعة الاستقرار، وضرب الاقتصاد الوطني. الأمر يحتاج إلى بعض الوقت كى تكتمل المنظومة التى أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى غيط العنب لزيادة المعروض من السلع الغذائية الضرورية، وكذلك دوران عجلة الإنتاج واستقرار السوق، ثم بعدها لن تكون هناك مشكلة فى التعويم كما حدث قبل ثورة 25 يناير، وقبل هذا وبعده لابد أن يتعامل المسئولون، سواء فى الجهاز المصرفى أو فى الحكومة، بقدر كبير من المسئولية والحساسية فى هذا الملف، حتى لا تتكرر كوارث أشرف سالمان مرة أخري. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة