العرض الأرمينى حول شقيقتين نشأتا فى اليونان بعد هروبهما مع أسرتهما من مذبحة الأرمن الشهيرة باولا بانكر المخرجة التشيكية: عودة المهرجان تدل على أن مصر مازالت منارة للثقافة العربية والعالمية الهندى أبيشاك ماجومدار: القاهرة ونيودلهي دليلان على أن لندن ونيويورك ليستا النموذجين الوحيدين للحداثة»
بعد غياب أكثر من خمس سنوات عاد إلى خارطة المهرجانات الدولية واحد من أهم مهرجانات المسرح وهو مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بعد أن أضيفت له كلمة «المعاصر» والتي علقت عليها الكاتبة والمخرجة الأمريكية كارين مالبيد قائلة «عنوان المهرجان بهذه الطريقة أفضل الآن لأن المسرح التجريبي كان حركة في وقت ما وانتهت لأن كل شئ الآن يجري عليه التجريب». ........................................................................ فتحت كلمة معاصر في هذه الدورة من المهرجان أفقا أوسع لنوعية العروض المقدمة فيه فقد شارك فيه ثلاثون عرضا بواقع ست فرق عربية وعشرة عروض أجنبية وأربعة عشر عرض مصريا ، ومن خلالها شاهدنا بانوراما لاتجاهات المسرح في العالم أضاءت مسارح محافظة القاهرة. ومما لا شك فيه أن هذه الدورة نجحت شكلاً ومضمونا بما تضمنته من فعاليات جديدة مثل ورش العمل في تخصصات المسرح المختلفة ، حفل توقيع كتاب مسرحي ، بروتوكول تعاون الITI يونيسكو ، وصدور إعلان القاهرة لتكوين شبكة إتصالات وتبادل بين المهرجانات الدولية والإقليمية مثل مهرجان هنوفر في ألمانيا وقرطاج في تونس وغيرهما. هذا بخلاف محاور الندوات التي أثرت فكر العاملين في مجال المسرح المصري والعربي والتي كانت ضمن فعاليات المهرجان السابقة أيضاً. جميع هذه الفعاليات في الدورة الثالثة والعشرين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي أكدت أن مصر آمنة كما ذكرضيوف المهرجان وأذكر منهم: باولا مخرجة عرض «بانكر» التشيكي وقالت «تنقلت بمفردي في القاهرة ولم أتعرض لأي مشاكل ولم أرَ أيضا ماتروج له المحطات الفضائية في نقل صورة غير حقيقية عن القاهرة». كما أكدت عودة المهرجان أن مصر مازالت منارة للثقافة العربية والعالمية كما ذكر بعض ضيوف هذه الدورة وأذكر منهم: المسرحي الأردني الكبير عليّ عليان الذي كتب مقالا بعنوان «إذا تنفست مصر عاش العرب» ، والمسرحي الهندي أبيشاك ماجومدار الذي صرح بأن «القاهرة ونيودلهي دليلان على أن لندن ونيويورك ليستا النموذجين الوحيدين للحداثة». ترأس الدورة الثالثة والعشرين من مهرجان المسرح المعاصر والتجريبي.سامح مهران المؤلف والمخرج المسرحي الكبير ورئيس أكاديمية الفنون السابق ، المُلقب برجل المَهمَات الصعبة. وقد استطاع مهران و مجلس إدارة المهرجان وجميع العاملين فيه والذي كان أغلبهم من عنصر الشباب ، من تنظيم وتقديم فعاليات دورة ناجحة بالرغم من كل التحديات التي واجهتهم والتي أهمها عودة مهرجان كان قد أصبح في عداد الموتىَ ، لأن إحياء الشئ أصعب كثيراً من ميلاده. ·تنويعات موسيقية : في دورات المهرجان السابقة قمت بتغطية الجانب الموسيقى في بعض عروض المهرجان ، وهانحن نجدد هذه الإطلالة ونلقي الضوء على التوظيف الموسيقى في بعض العروض العالمية التي شاركت في الدورة الثالثة والعشرين من مهرجان المسرح المعاصر والتجريبي. قدمت دولة الصين عرض الافتتاح بعنوان «العاصفة الرعدية»، وقد وضع موسيقى العرض كيو إكسياأودَن ، وقد اعتمد العرض على مجموعة من الطبول التي تتشابه في شكلها وطريقة العزف عليها مع طبل التيمباني ولكن بحجم أصغر حيث يعزف عليها الممثلون المشاركون في العرض وهم جالسون ، بالإضافة إلى مجموعة من بركشن الأخرى مثل المثلث والمراكش والأجراس الصغيرة ، هذا إلى جانب وجود كيب وورد عزف بصوت البيانو ميلودي في نغمات السلم الصغير في بعض المشاهد، وهكذا كانت الموسيقى بأكملها حية قدمها الممثلون والممثلات المشاركون في نفس العرض، والموسيقى في أغلب المشاهد كانت جافة أو قوية للاعتماد على الآلات الإيقاعية إلا فيما ندر مع دخول عزف لحن رقيق نسبيا من آلة الكيب وورد بصوت البيانو في بعض المشاهد العاطفية القليلة. عرض دولة إيطاليا كان بعنوان «عشيرة ماكبث» وهو عرض يقدم رائعة شكسبير «ماكبث» في إطار تجريبي إعتمد على ثلاث شخصيات رئيسية في المسرحية وهم: ماكبث ، زوجته (ليدي ماكبث) ، وظِل ماكبث. موسيقى العرض اعتمدت على الإعداد والذي يختار فيها مخرج العرض أجزاء من مؤلفات وأغنيات عالمية تتناسب والحالة الإنفعالية للمشهد وكان اختيارها موفق ، وأبرز مالفت انتباهي موسيقياً هو توظيف أغنية «My WAY» التي قدمها فرانك سيناترا بالإنجليزية عام 1969 بشكل جديد تماما ، حيث قدمت في صيغة الهارد روك وبالتالي كان من الطبيعي أن يأتي الأداء الغنائي مختلفا حيث اقترب من الإلقاء المنغم من صوت جاف يخلو من أي تطريب ، هذا التوظيف الموسيقي لهذه الأغنية دل على وعيّ واحترافية مخرج العرض لأن نوع هذه الموسيقى جاء مناسبا تماما للحالة الإنفعالية المسيطرة على المشهد الذي قدمت فيه وهو مشهد ماقبل مونولوج الانتحار ل (ليدي ماكبث) مباشرة ، وبما أن موسيقى الهارد روك هي موسيقى التمرد والغضب والاكتئاب والتحرر من الرغبات والتي امتزجت بكلمات أغنية ماي واي (طريقي) فقد كان هذا التوظيف الموسيقي مناسب اتماما لهذا المشهد والتحضير له. · ميوزيكال شو مكسيكى : العرض المكسيكي «حقد هاملت» كان عبارة عن رؤية موسيقية لمسرحية هاملت لمؤلفها شكسبير، وقدم العرض في صيغة ميوزيكال شو وهي تلك الصيغة المسرحية التي تتضمن الغناء، العزف ، اللوحات الراقصة ، فنون السيرك والأكروبات ، وغيرها من الفنون الأخرى ، فهي صيغة مسرحية مرنة يمكنها احتواء عناصر عدة من الفنون الأخرى. مخرج عرض «حقد هاملت» جيلبترو سوبيرانس هو المؤلف والدراماتورج للنص والمؤلف الموسيقي أيضا بالاشتراك مع ماركوس إسكالانتي، وكلاهما شارك بالغناء والعزف في العرض ، وقد استطاعا تقديم رؤية موسيقية متنوعة تجمع مابين البدائية والمعاصرة والشعبية ، مستخدمين أنواعا من الموسيقات هي : الموسيقى الألكترونية التي تعتمد على الأصوات المُصنَعة ويصاحبها مشاهد بصرية على شاشة كبيرة تتناسب ألوانها وأشكالها التجريدية أومشاهدها التعبيرية مع الموسيقى المعزوفة طبقاً لرؤية المؤلف الموسيقي ، وجميعها كانت في موازين بسيطة رباعية وثنائية. كما ظهر أنواع من الغناء الشعبي المكسيكي المرتبط ببعض الرقصات الشعبية أو المستقل مثل: «كارديشيو» و»فاندانجو» ، وكان هذا الجزء الغنائي والموسيقي الحيّ في العرض ، استخدم فيه آلات: الجيتار الأسباني، الباص جيتار، والفيولين. وجاءت الموسيقى المصاحبة لهذه الأغنيات في موازين بسيطة رباعية وثلاثية. المشهد قبل الأخير من مسرحية «حقد هاملت» ظهر جميع طاقم العمل على خشبة المسرح بالملابس السوداء حاملين الشموع وتغنوا بمرثية على هاملت المتوفى ، وهو نوع من الموسيقى الشعبية المكسيكية يعرف بالكاردنشي ، يؤديه مجموعة من الأصوات البشرية دون أي مصاحبة آلية أو إيقاعية ويظهر فيها الخطوط البلوفونية الصوتية التي تعطي ثراء سمعيا للحن . بداية العرض كانت كنهايته حيث يُنفخ في البوق الذي كان في بداية العرض المصنوع من قرن حيوان ، وفي نهايته مصنوع من قوقعة بحرية كبيرة وهي آلات تنتمي إلى عصور ماقبل الميلاد وآلات الحروب والمعارك. خواريز أمريكا: قدمت أمريكا عرضا بعنوان» خواريز: ميثولوجيا وثائقية» ، العرض يدورحول التناقضات، والتاريخ ، والأسطورة داخل وحول مدينة خواريز في شمال المكسيك ، والمعروفة بأنها عاصمة القتل في العالم. وقد قسمت المسرحية إلى ثلاثة أجزاء وضع لهم المؤلف الموسيقي آدم كوتشران تنويعات من الموسيقى وفق فيها كثيراً. ففي الجزء الأول الذي يعرض فيه للموقع الجغرافي لمدينة خواريز استخدم الموسيقى الألكترونية التي جمعت بين أصوات مُصنعة مُدمجة ببعض الحوارات لأصوات مواطني هذه المدينة تعطي الانطباع السمعي بالريبة والتشويش وهي رمز للأجواء المعاصرة لهذه المدينة. في الجزء الثاني والذي عُنوِنَ بالذكريات كانت موسيقاه ناعمة اعتمدت على غناء حي من أبطال العرض على طريقة (-1) والتي تكون فيها الموسيقى مسجلة والغناء حياً على الخشبة ، بمصاحبة من آلتي الأكسيليفون والمثلث للتعبيرعن براءة هذه الذكريات يضاف إليهما في بعض الأحيان صوت الجيتار الكهربائي في الخلفية مع بعض الأصوات المصنعة لإعطاء عمق للحن، وفي آخر أغنيات هذا الجزء غنت الممثلة بمصاحبة صوت آلة البيانو ومؤثر صوتي لأمواج البحر للتعبير عن الحالة الحالمة الهادئة في ذاكرة كل منهم. الجزء الثالث بعنوان عُنف ، وبدأت بموسيقى الكترونية إيقاعية دون إبراز نقراتها للدلالة على العنف ، وفي مشهد الرسالة الصوتية من أم إلى رئيس الولاياتالمتحدة تعبر فيها عن غضبها وحزنها جراء قتل إبنها استخدم المؤلف الموسيقي مقطعا أوبراليا بصوت سوبرانو لإعطاء الإنطباع السمعي بالصراخ والألم ، ولعل هذه أبرز دلالات الموسيقى في هذا العرض. الموسيقى بين عرضي بولندا وأرمينيا : قدم مسرح الرسوم المتحركة البولندي عرض «موليير» باستخدام العرائس بطريقة بديعة ، حيث تتواجد في أيامه الأخيرة في الحياة شخصيات تتأرجح بين الواقع والخيال، مستخدمين تقنيات الآداء التمثيلي في الكوميديا دي لارتىَ، وقد لاقى هذا العرض استحسان الجمهور بشكل كبير. كان للموسيقى في هذا العرض دورا كبيرا فقد راعى المؤلف الموسيقي ميتشات تازيويكزالتنويع في موسيقاه بما يعبر عن روح المشهد التمثيلي وشخصيات العرض والتي استخدم لبعضها اللحن الدال عليها. فقد ربط المؤلف الموسيقي بين لحن في ميزان ثلاثي بسيط متوسط السرعة تعزفه آلات شعبية هي الأكرديون والماندولين أو أحدهما فقط في مشاهد أخرى للدلالة على شخصية ممرضة موليير القبيحة ، وظهور هذا اللحن بإحدى الآلات السابقة كان يشير إلى هذه الشخصية حتى أثناء عدم تواجدها على خشبة المسرح. بينما جاء اللحن المرتبط بشخصية موليير في ميزان ثنائي بسيط يتسم بالحزن والشجن في أغلب المشاهد وتأكد هذا اللحن في مشهد :موت موليير وحمل خادمه له ، حيث جاءت موسيقاه جنائزية الطابع بلحن في ميزان ثنائي بسيط بطئ (المارش الجنائزي) وميلودي من مجموعة الوتريات التي تتسم نغماتها بالعاطفية بنوتات ممتدة نسبيا ومصاحبة نغمات آلة الكورنو النحاسية بنوتات ممتدة أيضاً ، وإرتباط هذا اللحن بشخصية موليير دلالة تشير إلى وضعه التراجيدي في العرض حيث بدى مريضا مقيدا بدور تمثيلي واحد فقط. وفي مشهد استعراض دخول الملك «لوي» وهو لويس الرابع عشر نجد المؤلف الموسيقي يضع مقدمة موسيقية غنائية تؤديها المجنوعة في إشارة إلى الشعبية بينما هو يدخل فاتحا ذراعيه ويرتدي ملابس ذهبية براقة ويغني الراب ليأخذ الأنظار بملابسه وغنائه من موليير ويؤكد أن الملك هو الدولة والفن والسياسة وكل شئ فيها دون أن يفكر شخص آخر في منافسته ، واختيار نوع غناء الراب وهو الغناء الذي إرتبط بموضوعات خاصة عن مؤديها فقط (الغناء عن الذات) فهو دلالة على نرجسية الملك لوي . العرض الأرميني «مرسيدس» أُسست أحداثه وأبطاله على أحداث حقيقية وكانت تدور حول شقيقتين نشأتا في اليونان بعد هروبهما مع أسرتيهما من مذبحة الأرمن ، ومع ازدهار أرمينيا وكافة الدول السوفيتية تختار الشقيقة الصغرى العودة لوطنها مرة أخرى لتصطدم بالواقع وتتكسر أحلامها عن الصورة المثالية لوطنها ، والعرض كان بالغ الحساسية والصنعة المسرحية في تقديمه. وقد قدم المؤلف الموسيقي إعداداً جيدا لموسيقى العرض اعتمدت في أغلبها على أغنيات متنوعة اللغات تشير إلى زمان ومكان الحدث لأن ديكور العرض كان ثابتا لم يتغير ، وفي هذه الحالة لعبت الموسيقى دوراً من أدوار الديكور ، فعلى سبيل المثال يبدأ العرض وينتهي بأغنية أرمينية بعنوان «نامي» وهي أغنية أطفال تحيلنا إلى ذكريات طفولة بطلتي العرض في بلدهما أرمينيا ، بينما نسمع أغنية باللغة الفرنسية في مشهد اشتغال الشقيقة الصغرى في أتيليه بيت أزياء فرنسي ، وهكذا تم توظيف الموسيقى في هذا العرض.