بداية أقول: إن بعض ما يجرى تضخيمه حول استشراء الفساد هو أحد أنواع الضريبة المضافة التى يتحملها أى مجتمع مفتوح يحرص على ضمان حرية الصحافة فتتوفر الفرصة لكثير من الفاسدين أن يتباكوا على الفساد المزعوم بروايات كاذبة وملفقة!. والحقيقة إن قطاعا كبيرا من أولئك الذين يبدون انزعاجا من روايات الفساد ربما يكون لديهم بعض العذر من أرضية الحرص على نقاء الثوب الوطنى فى هذه المرحلة ولكن الذى ليس من حق أحد وأغلبهم من المتصيدين للأخطاء أن تجرى عمليات تعميم لكى تبدو حالات الفساد الاستثنائية وكأنها ظاهرة عامة بالمخالفة للحقيقة ولواقع الحال الذى يشهد بنزاهة وشرف الغالبية العظمى من المصريين. وإذا كان الانزعاج من بعض روايات الفساد مفهوما ومقبولا من أناس يتسلحون بحسن النيات ولا يبتغون سوى مصلحة هذا الوطن فإنهم فى ذات الوقت مطالبون بصدق الإدراك بأنه لولا ما تتمتع به وسائل الإعلام فى مصر من حرية لأداء دورها لبقى الفساد آمنا فى جحوره مستفيدا من أجواء التعتيم والانغلاق التى تحجب الحقائق. وعندما انبرى مسئول رقابى سابق متحدثا عن فساد بمئات المليارات من الجنيهات لم ينزعج أحد من روايته التى لم يقدم عليها أدلة مؤكدة ودامغة وإنما كان الانزعاج الشعبى والرسمى من مبالغة الرجل فى التعبير عن انزعاجه من الفساد المزعوم مستهدفا الإيحاء بطريقة غير مباشرة بأننا مجتمع فاسد فى عالم مملوء بالطهارة وبما يكشف عن رغبة دفينة فى الإساءة لمصر والتشهير بها من خلال محورين خبيثين.. أولها: محور التجاهل لأن الفساد ليس عندنا فقط وإنما هو قائم وموجود فى كل المجتمعات كطبيعة بشرية.. وثانيهما: محور الإيحاء بأن مصر قبل ثورة 30 يونيو لم تكن تعرف عن الفساد شيئا وذلك لا يمثل تجنيا على الحقيقة فقط وإنما يمثل أيضا تجنيا على التاريخ الذى لا يستطيع أحد أن يشطب صفحاته ووقائعه وأحداثه فالبشرية لم تعرف على طول تاريخها بلدا واحدا خلا من الفساد والانحراف فى أى زمن.. ومجتمع المدينة الفاضلة الذى يضم الملائكة ولا يعرف الشياطين ليس موجودا سوى فى الروايات والأساطير! خير الكلام: عندما يجوع الذئب فإنه يغامر ويهاجم الأسد ! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله