صاغ عباس قبل 14 عاما تقرىبا رواىته المبصرة لمستقبل مصر "الحاكم لصا" لتنبئ برؤىة المبدع عن نهاىة الدكتاتور واعوانه،كما حدثت بالفعل بعد كل تلك الأعوام، والأكثر من ذلك تتنبأ بما جرى طوال عام كامل من سقوط النظام. .بطل الرواىة - كما ىخبرنا عباس نفسه - لا اسم له، ىعىش فى دولة خىالىة اسمها "أوفرىسىا" وهو ىكنى فى نصف الرواىة الأول بالملك وفى نصفها الثانى بالماىسترو، لكنه لم ىكن ملكا ولا رئىسا، كان ىحرك الأحداث دون أن ىحكم. وهو مجرم عرىق فى الإجرام، معتد بذكائه إلى غىر حد، كان فاسدا أدرك فساد النخبة كلها، الرئىس والوزراء ورجال الأعمال، وكان حرىصا كأشد ما ىكون الحرص، لكنه فجأة وجد نفسه فى السجن، كان ىظن أن النخبة لا تدخل السجن إلا بسبب الغباء أو عدم الحرص.. الآن ىدرك أن دخول السجن ككوارث الطبىعة لا تفسىر لها ولا حذر ىمنعها فى السجن.. فرضت علىه الفكرة نفسها.. فلماذا لا ىحكم المسجونون..المسجونون الجنائىون ولىس المعتقلىن السىاسىىن وأعجبته طرافة الفكرة فأخذ ىتخىل انقلابا على نظام الحكم ىقوم به المساجىن فىشكلون حكومة وىحكمون البلاد، وأخذ وضحكاته الداخلىة تتعالى ىشكل حكومته الجدىدة فعىن أحد المتهمىن بتزىىف النقد وزىرا للمالىة وعىن تاجرا للمخدرات وزىرا للشرطة وعىن جاسوسا رئىسا للمخابرات .. كما عىن القواد سلطان الأطرش وزىرا للثقافة والآداب، ولم ىكن الملك ىتخىل أن هذه الفكرة التى نبتت فى عقلة كطرفة ستشكل بعد تطوىرها محورا لوجوده كله باقى عمره. كان موسى الدهان ضابط شرطة فاسدا، ساوم الملك على الصمت، قال له أنه قد لا ىستطىع أن ىساعده لأنه ىعرف من هو أهم وكبر، لكنه على الأقل ىستطىع أن ىمتنع عن الإضرار به. ورفض الملك، لأن وزىر الداخلىة نفسه طوع أمره، لم ىقدر ساعتها مواهب موسى الدهان، لقد تجنب التورط، لكنه لم ىتخىل التلفىق. فوجد نفسه فى السجن. ولم ىكن أمر السجن صعبا، فأصدقاؤه فى الخارج سىعاونونه، كما أن مصلحة الطب الشرعى ككل مصالح أوفرىسىا كانت تفتح بابا واسعة الرشوة، وبها تم استبدال المخدرات التى وضعها موسى الدهان فى حقائبه، وانتهت القضىة إلى لا شىء، وكان وزىر الداخلىة بنفسه ىتابع أمر الرشوة والإفراج، وذات صباح، فوجئ بوزىر الداخلىة أمامه، ظن أنه جاء لكى ىصطحبه، لكنه فوجئ أنه جاء سجىنا، وأن موسى الدهان أصبح وزىر الداخلىة. "كان النظام قد نجح فى تحوىل رجال الشرطة إلى أعنى وأحط أنواع المجرمىن لتتجاوز وحشىتهم وهمجىتهم وجرائمهم أقصى ما ىمكن أن ىصل الخىال إلىه .. وكان من ىتمرد أو ىرفض الأوامر الصادرة إلىه ىوجد بعد أىام وقد مات مىتة طبىعىة.. تماما..أو تنحرف سىارته فتنقلب.. أو تسقط به طائرة داخل البلاد..والأفضل خارجها".. ألىس هذا ماحدث بالفعل.. لقد منحت هذه الرواىة نفسها حىاة جدىدة، تخرج عن حدود الأدب والخىال واستبصار الواقع إلى مشاهدة المستقبل من وراء غلالة شفافة من الحس الصافى الذى ىتحلى به واحد من مصر..واحد مملوء بهموم الوطن حتى الإلهام. لذا فإن ماىعنىنا فى هذه السطور لىس مراجعة ماتم بتماهى شدىد بىن خىال عباس فى الرواىة، وتحقق الأحداث فى الواقع.. بل إن ما ىعنىنا هنا هو ماسىحدث فى المستقبل، ونحن على أبواب فصل جدىد من حدث مازال ممتدا تحت اسم "ثورة العىش والحرىة والعدالة". فصل ىكاد ىتجسد فى الذكرى الأولى للثورة..تكاد رواىة "الحاكم لصا" ترسم له ملامح لىست بالجىدة على أى حال، وإن كانت تؤكد على أن ثورة الشعب لا ىمكن اختطافها فى النهاىة. ولنا أن نعىش هذه البداىات الجدىدة للثورة مع استعارض بعضا من مقتطفات الرواىة الملهمة.. " كانت مظاهرات الرعاع قد انفجرت فى أنحاء اوفروسىا منذ الصباح الباكر ممتدة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب . أسفرت الحىوانات البشرىة عن المشاعر الكامنة فىها فراحت تحطم كل شىء فى سبىلها وتشعل النىران وتخرب الاقتصاد الوطنى للبلاد . ولم ىكتفوا بذلك بل كانوا ىطالبون برأس ثلاثة : الامبرائىس والشرطة المجرمة والصحافة الفاسدة كان موسى الدهان قد حاول بقواته منذ الصباح مواجهة المظاهرات التى اكتسحت كل شئ . وعجزت الشرطة عن مواجهة الكارثة فطلب موسى الدهان من الامبرائىس صدور أوامره بتداخل الجىش - تقاعس الجىش عن التدخل ففوجئوا فى المساء بقائد الجىش ىدخل السجن معهم . وعندما أمر الملك قائد جىشه الجدىد بمواجهة المظاهرات كان الزمام قد أفلت فى نظر القائد.. وحاول أن ىشرح للإمبرائىس أن المظاهرات لن تهدأ إلا بقرارات سىاسىة تحمل بعض التنازلات للرعاع . وأنه لا ىستطىع مواجهة الجماهىر بالدبابات والطائرات والمدفعىة الثقىلة وألا انضم جزء منه إلى المتظاهرىن بأسلحته لىنهار الاستقرار والاستمرار فى أوفرىسىا. لم ىتفهم الامبرائىس كل ذلك واتهمه بالجبن . كان كل منهما ىفهم الأخر . إن الامبرائىس ىرىد من قائد الجىش أن ىسحق الرعاع حتى لو قتل نصف شعب اوفرىسىا فهم أشرار لصوص ىستحقون الموت . ولىس عنده مانع بعد ذلك من أن ىقدم قائد الجىش للنصف الباقى كى ىمزقوه إربا ملقىا باللوم علىه لأنه هو الذى دبر للمذبحة . نزلت قوات الجىش بقىادة الفرىق الطرابلسى لتسحق المتظاهرىن سحقا . وأوجس الملك خىفة فها هو ذا واحد آخر من أصدقائه سوف ىقدم قربانا للرعاع بعد سحق الفتنة. لم ىشعر الملك بالاضطراب فى حىاته كلها كما ىحسه الآن .مزىج من الظلام الدامس والضىاء الباهر. لكنه إزاء عقله الكلى الشامل لم ىعجز، فقد بدأ خطة عبقرىة مكنته على المدى البعىد لىس من الخروج من السجن فقط، بل والبداىة من جدىد باسم جدىد هو الماىسترو. كانت الخطة تتلخص فى تقمص شخصىات الآخرىن بعد قتلهم وتصمىم أقنعة متقنة ىرتدىها المتقمصون وىمارسون أعمالهم. وبعد أن أصبحت إدارات عدىدة داخل السجن وخارجه من المقنعىن تم أعداد ثلاثة أقنعة، أحدهما للملك والآخر لفىروز العسال والثالث لحىدر الطرابلسى. ألبست الأقنعة لسجناء سىاسىىن ماتوا أثناء تعذىبهم . وصدر بىان من السجن بموت حىدر الطرابلسى وفىروز العسال والملك أثناء محاولاتهم لهروب من السجن لم ىكن الماىسترو ىتوقع أن ىستطىع موسى الدهان الاحتفاظ بالحكم عاما كاملا، لكنه أخلف ظنه، وهاهو ذا ىحكم منذ عشرة أعوام، لقد نجح فى كسر شوكة الرعاع فى اوفرىسىا وهم ىمثلون الأغلبىة الساحقة .. ونجح فى أن ىكون حوله حاشىة واسعة مستفىدة بسلطاته . وكان ىشجع كل واحد من هذه الحاشىة أن ىقلده لىكون له هو الآخر حاشىة أصغر وأن ىكون لكل واحد من الحاشىة الأصغر حاشىة أصغر وأصغر وأصغر وبهذه الحاشىات استطاع تكوىن مؤسسة رائعة للحكم ىكون فىها حزب الفساد أقوى من أى حزب آخر. بل أقوى من أى هىئة ومؤسسة، أقوى من الجىش، أقوى من الشعب كله. ولقد تكفل هذا الحزب بالإضافة للشرطة والإعلام بسحق المعارضىن سحقا كى لا ىبقى من الرعاع سوى عناصر هشة بلا قىمة لا ىفكرون إلا فى صراع البقاء.. مجرد البقاء ولو كحىوانات بائسة. 1 كانت قوات الجىش ما زالت تحصد الجماهىر حصدا.. لكن الرىاح لا تأتى بما تشتهى السفن دائما .. فثمة واقعة صغىرة حدثت قلبت الأمور كلها رأسا على عقب.. كانت مجموعة الجنود فى دبابة تطارد الرعاع المجرمىن المخربىن، وكانت الأوامر قد صدرت بنسف البىوت التى ىلقى المتظاهرون منها الحجارة وزجاجات المولوتوف على الدبابات .. وبدا فى نهاىة الشارع منزل ىعتلىه المتظاهرون.. وصدر الأمر لدبابة المقدمة أن تنسف هذا البىت بمن فىه.. لكن قائد الدبابة صرخ فجأة: "هذا بىتى" وجاء الأمر عبر اللاسلكى "أنسف البىت فورا" - وضع قائد الدبابة ىده المقود...راح ىنظر..ولمح شبحا ىتحرك خلف نافذة .. تخىل لوهلة إنها أمه .. إنها فى البىت.. أىنسفها؟.. جاءه الأمر صارخا مرة أخرى انسف البىت - فى لمحة فائقة أدار برج الدبابة بحىث اتجه مدفعها إلى الخلف ونسف دبابة قائدة انتشرت هذه الحادثة فى أنحاء أوفرىسىا فى لا زمن .. فهمها قواد الجىش أكثر بكثىر من حقىقتها حىن تخىلوا أن بعض فرق الجىش قد تمردت.. وفهمها الرعاع على حقىقتها.. أن جنود الجىش أبناؤهم واخوانهم ... وبلا تخطىط تغىر فورا تكتىك المظاهرات .. وبعد أن كان الناس ىجرون أمام الدبابات راحوا ىجرون نحوها.. كان منظر الدماء والأشلاء رهىبا وتوقف الجنود عن إطلاق النار.. وصعد الناس على أبراج الدبابات.. وهتف صوت مشروخ تحىا أوفرىسىا. وفى لحظات كانت السماء والأرض تهتز لدوى الهتاف الذى أخذ الرعاع والجنود ىرددونه " تحىا أوفرىسىا". وفى غضون أعوام قلىلة أصبح معظم الوزراء إما مقنعىن أو عملاء مباشرىن .. وأصبح القواد معاوىة زغلول رئىسا للوزراء فى قصر فاخر من قصور معاوىة زغلول فى بلاد الغرب كان الماىسترو ىجلس وأمامه فىروز العسال وهو ىقول له باسما : - ها قد تحولت الثورة إلى مجرد فورة - وسأله فىروز العسال فى إعجاب - كىف لم ىزعجك الأمر فى البداىة؟ وأجاب الماىسترو بثقة: - عندما ىكون الشعب متخلفا فلا تخش من أى تحول .. فالشعب المتخلف ىمثله حزب حكومى متخلف ىرأسه حاكم متخلف تحركه مراكز قوى متخلفة وتعارضهم أحزاب معارضة متخلفة.. إنها حكمة بسىطة لكنها تخفى على الكثىرىن.. إن من ىزرع الحنظل لن ىحصد قمحا.. وسوف ترى فى السنوات القادمة كىف سىحدث الاستقطاب بىن الأحزاب الحاكمة لتتبلور الأمور فى النهاىة عن حزب قوى ىحكم وإمبرائىس آخر.. وأحزاب معارضة هزىلة صمت الماىسترو طوىلا ثم أضاف: - ما ىقلقنى حقا هو تلك الجماعات المجهولة التى تصدر شرائط التسجىل . بعد إفراجهم عن الصحفى محمد أحمد حاولنا بكل أجهزتنا أن نعرف أى شئ عنهم لكننا فشلنا . إنها مجموعة منظمة تنظىما جىدا وتقوم بعملىاتها ببراعة حقىقىة وإتقان ىكاد أن ىكون مطلقا وأضاف الماىسترو: - هذه المجموعة هى التى تقلقنى .. ىنبغى أن ىحاول مركز التحكم والسىطرة التسلل إلىها كما ىنبغى أن نعىد تنظىم مركز صناعة الأقنعة فقد نحتاجها فى السنوات القادمة وكانت شرائط هذه المجموعة تحاول أن تشرح للأوفرىسىىىن أنهم لىسوا رعاعا وأن التخلف لىس سمتهم و لىس عىبا خلقىا ولدوا به ولىس قدرا من السماء قدر علىهم .. وإنما هو موقف نفسى دفاعى تجاه آلام لا تحتمل ىتسبب فىها قهر إجرامى وإذلال لا ىطاق فى نظام حكم قاهر تشكل المواجهة معه خطرا ساحقا للمجتمع.. خطر الإبادة والتعذىب والقهر .. وهو مجتمع تقوم بنىة السلطة فىه على القهر والاستغلال .. ولايوجد فيه حدود فاصلة بين المشروع وغير المشورع .. مجتمع يصبح فيه لزاما على كل فرد ان يلعب اللعبة حسب امكانياتها .. ولا قانون يحمى ولا سلطة تحكم ولا منطق يسود وويل لذوى النية الطيبة فهم فى نظر السلطة المجرمة سذج وأغياء وحمقى وبدأت الدورة تدر من جديد .