انطلاق احتفالية الأزهر لتكريم أوائل مسابقة «تحدي القراءة العربي»    شركة السويس للأكياس توقع اتفاقية مع نقابة العاملين في صناعات البناء والأخشاب    الأحد 25 مايو 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    رئيس الوزراء يشارك في منتدى قادة السياسات بين مصر وأمريكا 2025    نائب وزير الإسكان يستقبل بعثة الوكالة الفرنسية للتنمية لبحث مجالات التعاون    25 مايو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم في سوق العبور للجملة    استشهاد 14 فلسطينيا على الأقل في قصف إسرائيلي بعدة مناطق    في يوم إفريقيا.. مجلس "الشباب المصري": شباب القارة ركيزة تحقيق أجندة 2063    الجيش البولندي: قواتنا الجوية تتأهب بسبب النشاط الروسي قرب الحدود    بيسيرو: حاولت إقناع زيزو بالتجديد.. والأهلي سمعه أفضل من الزمالك    5 فرق تتنافس على 3 مقاعد بدوري الأبطال في ختام الدوري الإنجليزي    ميسي يقود إنتر ميامي لتعادل مثير في الدوري الأمريكي    بعد التعادل مع صن داونز.. بعثة بيراميدز تعود إلى القاهرة    معركة الخمسة الأوائل وسباق المركز الثامن.. ماذا تنتظر الأندية في ختام الدوري الإنجليزي؟    فيديو.. الأرصاد: غدا ذروة الموجة شديدة الحرارة.. ونشاط رياح مثير للأتربة على أغلب الأنحاء    التعليم: انتظام العمل داخل مقرات توزيع أسئلة امتحانات نهاية العام    «أمن المنافذ»: ضبط 2750 مخالفة مرورية وتنفيذ 250 حكمًا خلال 24 ساعة    إجازة عيد الأضحى 2025.. أول أيام العيد الكبير وتوقيت الصلاة    "أُحد".. الجبل الذي أحبه النبي الكريم في المدينة المنورة    هيئة الرعاية الصحية: «اطمن على ابنك» تستهدف إجراء الفحوص الطبية ل257 ألف طالب وطالبة    فوائد بذور دوار الشمس الصحية وتحذيرات من الإفراط في تناولها (تفاصيل)    محافظ أسيوط: طرح لحوم طازجة ومجمدة بأسعار مخفضة استعدادا لعيد الأضحى    بعد قليل.. بدء أولى جلسات محاكمة "سفاح المعمورة" أمام جنايات الإسكندرية    افتتاح أول مصنع لإنتاج كباسات أجهزة التبريد في مصر باستثمارات 5 ملايين دولار    محافظ أسيوط: طرح لحوم طازجة ومجمدة بأسعار مخفضة استعدادًا لعيد الأضحى المبارك    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    محافظ أسيوط يتفقد مستشفى الرمد.. ويلتقي بعض المرضى للاطمئنان على الخدمات المقدمة لهم    جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    يا رايحين للنبي الغالي.. التضامن تواصل تفويج حجاج الجمعيات الأهلية إلى الأراضي المقدسة.. تيسيرات في إجراءات السفر بالمطارات.. وباصات خاصة لنقل ضيوف الرحمن للفنادق (صور)    اليوم.. نظر تظلم هيفاء وهبي على قرار منعها من الغناء في مصر    بكاء كيت بلانشيت وجعفر بناهي لحظة فوزه بالسعفة الذهبية في مهرجان كان (فيديو)    الكشف على 680 مواطنا خلال قافلة طبية مجانية بقرية العروبة بالبحيرة    ميدو: هناك مفاوضات جارية لتجديد عقد عبدالله السعيد..وغيابه عن التدريبات لهذا السبب!    نموذج امتحان الأحياء الثانوية الأزهرية 2025 بنظام البوكليت (كل ما تريد معرفته عن الامتحانات)    ليبيا..تسريب نفطي في أحد خطوط الإنتاج جنوب مدينة الزاوية    "مساهمات كثيرة".. ماذا قدم محمد صلاح في مبارياته أمام كريستال بالاس؟    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 25 مايو    ما هو ثواب ذبح الأضحية والطريقة المثلى لتوزيعها.. دار الإفتاء توضح    مصرع ميكانيكي سقط من الطابق الخامس هربًا من الديون بسوهاج    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    نائب إندونيسي يشيد بالتقدم الروسي في محطات الطاقة النووية وتقنيات الطاقة المتجددة    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    استشهاد 5 فلسطينيين فى غارة للاحتلال على دير البلح    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    «هذه فلسفة إطلالاتي».. ياسمين صبري تكشف سر أناقتها في مهرجان كان (فيديو)    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    حلم السداسية مستمر.. باريس سان جيرمان بطل كأس فرنسا    الأردن وجرينادا يوقعان بيانا مشتركا لإقامة علاقات دبلوماسية بين الجانبين    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



امتلاك الحداثة بديلا عن هجائها
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 10 - 2016

تمثل العلاقة بين الإسلام والحداثة واحدة من أكثر عمليات التثاقف صعوبة وممانعة. فالتيار السلفى فى الفكر العربى يرفضها مبدئيا، أما التيار التوفيقى فقد ضل الطريق إليها عمليا، ولذا لم يبلغ غايته لأكثر من قرن ونصف القرن هى عمر مشروع النهضة العربية الثانية.
وبصورة أكثر تحديدا نحتاج إلى تعديل فى استراتيجية (النهضة) من مفهوم «التوفيق» (السكوني) إلى مفهوم «النقد التاريخي» (الجدلي)، وممارسة هذا النقد فى أفق تاريخى مفتوح، تتوازى فيه المرجعيات وتتفاعل الثقافات بشكل ديناميكى فيما بينها، أو مع حركة التاريخ، بدلا من تقنيم إحداها، وإحالتها إلى معيار تقاس عليه الثقافات الأخري. هنا يمكن مقاربة التراثين (الغربى والعربي) للكشف عن حجم المشترك الثقافى بينهما فى سيرورة تطورهما الذاتية، والآليات الخفية التى من خلالها تم التفاعل بينهما، وهو تفاعل كبير لم يجر بالضرورة مباشرة بين الطرفين فى قاعة تفاوض فندقية، بل تلقائيا مع الأبنية التاريخية والمفاهيم التأسيسية التى صاغها كل منهما فى حقبة تفوقه وريادته. وهنا يصبح عصر التدوين العربى حاضرا وملهما كما ان عصر التنوير الغربى حاضر وملهم، فيما يتكفل النقد التاريخى بمهمة تقييم مرتكزات الحضور، ومصادر الإلهام، وكيف استجابت، سلبيا وإيجابيا لمسار تطور العقل البشرى نحو الاستنارة والأنسنة والعلمنة، حيث الحضارة الإنسانية بنية تاريخية واحدة وإن تفاوتت المراكز الثقافية داخلها بين من ينتج الحضارة ومن يستهلكها، والخبرة الإنسانية مشتركة، لا يملك أيا من كان الانخلاع منها، أو النأى عن تيارها الأساسى حتى لو أراد. لقد آن الأوان إذن لامتلاك الحداثة عبر الاندراج فيها كتجربة إنسانية كبرى تعكس سيرورة تطور العقل البشري، وليست مجرد مغامرة خاصة بالعقل الغربي، مما يفرض علينا إما الوقوف عند حدودها دون مقاربتها، وإما محاولة تسولها.
عبر هذا المنهج يمكن الادعاء بنتائج مدهشة؛ فكل ما هو إيجابى فى الحداثة يكاد يكون إنسانيا، حيث الخبرة المشتركة تمثل مستودعا للحكمة التاريخية، تتراكم داخله القيم الإيجابية التى تنال إجماعات البشر ورضاهم حول ما يبدو وكأنه المحصلة الكيفية للفطرة الإنسانية، الأمر الذى ينفى حيثيات موقفين شديدى التناقض:
الموقف الأول هو الاستسلام لدونية حضارية ترى الغرب نموذجا مثاليا ومطلقا لابد من احتذائه حتى النهاية، واحتسائه حتى الثمالة، كما رأى التيار الحداثي/ العلموى الذى سطع مطلع القرن العشرين، داعيا إلى القبول بالغرب ملهماً لممارساتنا الكلية، وإلى اعتبار قيمه ومعاييره مرجعية نهائية لنا، وقوعا فى أسر الصورة المثالية للتنوير، والتى تتمتع لدى هذا التيار بقدسية كبيرة، تسكت عما يستبطنه تيار الوعى الغربى العقلاني/ الليبرالى فى تجاويفه من عقد استعلائية ونزعات عنصرية. ويكفى هنا أن نحيل إلى الركام الهائل لنزعة التمركز حول الذات، وما أنتجته من معارف متحيزة تقول بسموه الأخلاقى وتفوقه العقلى البدئي، ودنو ما سواه أو خارجه أخلاقيا، فضلا عن تخلفهم المطلق، مما أنتج تلك النزعة الكولونيالية الآثمة، التى لم يكد يتجاوزها بعد. وهو ما ينطبق أيضا على المثقف الغربى داعية الحرية والعقلانية والذى تنطوى مواقفه أحياناً على مفارقات تبدو مذهلة. ف (ليبنتز) الفيلسوف الألماني، صاحب مفهوم المونادة الروحية، المفترض كونه مثاليا، هو نفسه الذى أراد تسخير الآخرين لخدمة أوروبا الصاعدة فى زمنه، فلم يتوقف عن الدعوة إلى استعمار الأقاليم المركزية فى العالم وضمنها مصر، التى حرَّض العرش الفرنسى طويلا على احتلالها، حتى جاءها نابليون باسم الثورة والجمهورية. أما (فولتير) أحد أنبياء الحرية ورواد التنوير الأوروبي، الذى نردد دوماً مقولته الشهيرة والرائجة عن استعداده لدفع حياته ثمناً لحرية مخالفه فى إبداء رأيه، فهو نفسه صاحب كتاب (الملك الشمس) الذى يسكب فيه ولعه وتقديره لملك فرنسا لويس الرابع عشر أحد أبرز نماذج الاستبداد الأوربى فى العصر الحديث وصاحب المقولة الأكثر شهرة «أنا الدولة» وهو موقف يذكرنا بمديح الشاعر العربى الكبير أبى الطيب المتنبى لسيف الدولة الحمداني، مما يكشف عن اختزالية الخطاب العلموي.
وثانيهما هو الادعاء بالخصوصية الحضارية المطلقة، هروبا من كل ما هو إنسانى ومعاصر. وهو موقف سلبى غالبا ما يصاحب الشعور بالهزيمة الحضارية، وما تثيره من محاولة الاختفاء خلف قشرة من التعالى الزائف على الآخر، حيث تصبح الحضارة الغربية (رغم تقدمها) نموذجا للخواء الأخلاقى فى مقابل الحضارة الإسلامية، التى تعد (رغم تخلفها) نموذجا للكمال الأخلاقي، وكأنهما سفينتان متعارضتان، لا يمكن ركوبهما معا، حسب وصف أبى الأعلى المودودي، الذى جسد الحد الأقصى للنزعة السلفية وتصوراتها (الاختزالية) عن الأخلاق الإنسانية. لدى هذه النزعة تتبلور رؤية نصية للإسلام أساسها القرآن الكريم، تتعامى عن واقعنا التاريخى الحى وما به من نقائص، بينما تتبلور رؤية للغرب أساسها النزعات المادية المتطرفة التى يزخر بها واقعه والتى اعتبرت بمنزلة تناقضات فى تجربة الحداثة، يقوم تيار كبير لديه على نقدها. والأكثر إثارة هنا أن يبرر العقل الأصولى ما يعتبره دنوا أخلاقيا غربيا بدوافع عقدية، أى لكونه مسيحيا، بينما يتم إهمال الروحانية المسيحية الكامنة فى النص، ويكفى الإشارة هنا إلى موعظة الجبل (متي، الإصحاح الخامس) التى تعكس أقصى درجات السمو الأخلاقى والتراحم الإنسانى ومن ثم تكمن سذاجة الخطاب الأصولى عن الذات والعالم.
[email protected]
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.