اعلنت اللجنة المركزية للانتخابات في اوزبكستان عن فتح باب الترشيح لمنصب الرئيس بعد وفاة اسلام كريموف في الثاني من سبتمبر الجاري. وحسب مقتضيات الدستور الاوزبكي فمن المقرر ان ينحصر السباق على منصب الرئيس بين ممثلي الاحزاب الشرعية الاربعة المسجلة دون غيرهم من المستقلين . وفيما يحتدم الجدل حول شخصية المرشح صاحب الفرصة الاوفر حظا للفوز بالمنصب، يقف شوكت ميرزيايف (ميرضيائيف) رئيس الحكومة الحالي والقائم بأعمال الرئيس على حدة، متصدرا قائمة المرشحين، في انتظار اضفاء الشرعية الدستورية لما يملكه اليوم من سلطات. لم يعد سرا اليوم ان الرئيس اسلام كريموف توفى فى تاريخ سابق للاعلان عن وفاته . وكان القائمون على امور اوزبكستان ارتأوا ضرورة تاخير الاعلان عن الوفاة وحتى الثانى من سبتمبر الجاري، الى حين الاستقرار على اسم خليفته، والذى كان كريموف استقر عليه قبل رحيله بما يقرب من 15 عاما، يوم جاء به رئيسا لوزراء الجمهورية. وكانت موسكو باركت من جانبها هذا القرار، وهو ما اعرب عنه الرئيس فلاديمير بوتين عنه بزيارته المفاجئة لاوزبكستان فى طريق عودته من الصين التى قام خلالها بتقديم واجب العزاء الى ارملة الرئيس الراحل وابنته الصغرى، فى توقيت كانت فيه الدوائر الرسمية فى اوزبكستان تبحث عن السبيل الى صياغة قانونية لتقديم المرشح الجديد فى الاطار القانونى المناسب. فبينما ينص الدستور على انه وفى حال خلو المنصب يتولى رئيس البرلمان القيام بمهام الرئيس الى حين اجراء الانتخابات فى غضون ثلاثة اشهر من موعد خلو المنصب، فاجأ نجمة الله يولداشيف رئيس البرلمان الدوائر الداخلية والخارجية بالاعتذار عن القيام بهذه المهمة متنازلا عنها الى شوكت ميرزياييف رئيس الحكومة، وهو ما استثار دوائر المعارضة وانصارها فى الخارج ممن سارعوا الى الاعلان عن عدم دستورية هذه الخطوة. ومع ذلك سارعت اللجنة المركزية للانتخابات بالاعلان عن تاريخ الانتخابات وفتح باب الترشيح لممثلى الاحزاب الشرعية التى سارعت بالاعلان عن مرشحيها وهم: شوكت ميرزيايف عن الحزب «الليبرالى الديمقراطي»، وحاتمجون كيتمونوف عن «الحزب الوطنى الديموقراطي»، وناريمان عمروف عن «حزب «العدالة الاشتراكى الديمقراطي»، وسرفار اوتومرادوف عن حزب «البعث الوطنى» او «ميللى تيكلانيش». وعلى الرغم من ان دستور اوزبكستان يحدد خطوات وشروط الترشح لمنصب الرئيس ويقصره على ممثلى الاحزاب الشرعية، فان هناك فى طشقند وخارجها من راح يتوقع احتمالات تولى رستم عناياتوف رئيس جهاز الامن والمخابرات الذى تربى منذ تخرجه فى كلية اللغات الشرقية فى جامعة طشقند بين احضان «كى جى بي» منصب الرئاسة فى اوزبكستان خلفا لكريموف. على ان ذلك كله لا يمكن ان يصرفنا عن ملامح الصورة التى تتبدى ملامحها اليوم فى اوزبكستان من خلال مثل هذا الطرح الديمقراطى شكلا لا موضوعا، وهو ما يمكن معه القول ان الخيار محسوم سلفا، على ضوء ما استقر عليه الرئيس الراحل عبر العديد من المحاولات التى تراوحت بين اختيار رستم عظيموف وزير الاقتصاد الاسبق والنائب الاول لرئيس الحكومة، الذى سرعان ما استبدله بابنته الكبرى «الاميرة» جولنارا كريموفا، التى طالما استقطبت اهتمام الداخل والخارج بتعدد انماط حياتها الشخصية. لكنه سرعان ما عدل ثانية عن هذا الخيار ليقرر الترشح بنفسه للمنصب فى عام 2006 بعد تعديل الدستور وبما يسمح له بالبقاء فى الحكم مدى الحياة. ولم يمض من الوقت الكثير حتى بدأت الالسنة تتناقل ما يقال حول تدعم مواقع رئيس حكومته شوكت ميرزيايف، بما يزيد من فرص واحتمالات اختياره خليفة له، على ضوء افول نجم ابنته التى بلغ به الامر الايعاز لرئيس جهاز امنه ومخابراته رستم اينوياتوف، بوضعها تحت الاقامة الجبرية اعتبارا من عام 2013. شوكت ميرزيايف الذى ولد فى عام 1957 وتخرج فى معهد الرى والميكنة الزراعية فى طشقند. وكان ميرزياييف سكرتيرا لمنظمة الكومسومول خلال سنوات دراسته ما ساهم فى توفير المقدمات المناسبة لترشيحه للعمل بعد تخرجه «حاكما» لادارة مدينة ميرزو، ثم رئيسا لادارة احدى مقاطعات اوزبكستان قبل انتقاله للعمل محافظا لسمرقند موطن الرئيس الراحل كريموف الذى سرعان ما توقف عنده خياره لمنصب رئيس حكومة اوزبكستان فى عام 2003. ومنذ ذلك التاريخ لم يفترق «الرفيقان» . وتقول الادبيات السياسية ان نجم ميرزياييف سطع عاليا فى نهاية عام 2009 فى اعقاب ما قام به من نشاط فى مجال الحرب التى اعلنها كريموف ضد المافيا وممثلى دوائر المال والاعمال. وكان كريموف شن حملة لا هوادة فيها ضد هؤلاء مؤكدا ان بلاده لن تسمح بمثل ذلك التفاوت الطبقى وغياب العدالة الاجتماعية، وان لا مكان فى اوزبكستان لمن وصفهم ب»الاوليجاركيا». وعهد كريموف الى رئيس حكومته بتنفيذ ما قرره لتطهير البلاد من هذه العناصر، التى اودت معها بابنته جولنارا بسبب ما قيل حول ارتباطها بشركة «زيروماكس» احدى اكبر شركات النفط فى اوزبكستان التى تشارك فى تصدير النفط والغاز والقطن . وناتى الى الاهم فى مثل هذه الظروف وهو المعنى الذى يمكن ان تعنيه التغييرات المرتقبة فى النسق الاعلى للسلطة فى اوزبكستان وانعكاساتها على العلاقة مع روسيا وبلدان اسيا الوسطى وما وراء هذه الحدود. وكانت روسيا قد استبقت التطورات الأمنية والمرتقبة فى اوزبكستان و»معركة» الخلافة، وما اثارته من تكهنات حول شخصية الرئيس القادم، بزيارة مفاجئة للرئيس بوتين الى سمرقند حيث دُفن الرئيس الراحل قدم خلالها العزاء لاسرته والتقى شوكت ميرزياييف رئيس الحكومة الذى سرعان ما اعلنته طشقند قائما باعمال الرئيس كما أسلفنا، ليؤكد له ان اوزبكستان تستطيع ان تعتمد على روسيا حليفا وصديقا كما عهدتها طوال السنوات الماضية . وكانت الزيارة اعلانا غير مباشر عن دعم موسكو للمرشح ميرزياييف، وتاكيدا جديدا لمباركة هذا الخيار. وثمة من يقول انه من المحتمل ان تعود طشقند الى سابق علاقاتها الوطيدة مع موسكو، التى سوف تكون على النقيض من الولاياتالمتحدة والغرب فى حالة «انتقادات دائمة» لما قد يشوب سياسات اوزبكستان من تجاوزات فى مجال حقوق الانسان وحرية الراى وما الى ذلك من امور تشغل المنظمات الاجتماعية بما فيها العابرة للقارات. اما عن مواقف البلدان المجاورة فى منطقة اسيا الوسطى فلم تصدر بعد اية بيانات تكشف عن توجهاتها، وإن تشير الشواهد الى مباركة غير مباشرة لما سوف يكون عليه خيار اوزبكستان، انطلاقا من علاقات قديمة كان نسجها ميرزياييف مع قيادات هذه الجمهوريات من خلال زياراته ولقاءاته التى قام بها من موقعه كرئيس للحكومة .