فجأة وجد الشعب الأوزباكستاني نفسه بدون قائد بعد إعلان وفاة الرئيس إسلام كريموف عن عمر يناهز 78 عاما إثر إصابته بنزيف حاد فى المخ, ورغم أن الأمر كان متوقعا نظرا لتدهور حالة كريموف الصحية ومكوثه فى العناية المركزة لأكثر من أسبوع. وورود أنباء أكثر من مرة عن وفاته, إلا أن تأكيد الخبر من السلطات الرسمية صدم الكثيرين, ليس لرحيل الرجل الذي حكم البلاد لأكثر من 25 عاما منذ إنهيار الإتحاد السوفيتي وحتى وفاته بقبضة من حديد, ولكن لأن أوزباكستان لا تحظى بأي خبرات للتعايش بدون الرجل الذي ترك وراءه فراغا سياسيا كبيرا, فلا نائب يحكم البلاد, وبالتالي وفقا للدستور يتولى رئيس مجلس الشيوخ تصريف الأعمال لمدة 3 أشهر لحين إجراء إنتخابات رئاسية جديدة, ولا معارضة قوية قادرة على توجيه الشعب للأصلح. موضوع خلافة «كريموف» لطالما تم التطرق إليه مرارا منذ أوائل عام 2000, والاهتمام بذلك كان يزداد كلما انتشرت شائعات جديدة حول مرضه، إلا أن المراقبين يشككون بفرص إنتقال سلمي للسلطة بغض النظر عن هوية خليفته، وذلك بسبب إعتماد النظام على سياسة الشخص الواحد, فالدولة بأكملها كانت «إسلام كريموف» بحسب وصف ستيف سويردلو، المحلل في المنظمة الدولية لحقوق الإنسان, وبالتالي يمكن أن تنحدر البلاد إلى حالة من الإنقسام والتردد, كما أن أوزباكستان وهي إحدي الجمهوريات الإسلامية ذات الطبيعة الفيدرالية متقلبة جدا وغنية بعوامل الانفجار، فالوضع الاقتصادي فيها سيئ للغاية وكان أحد أسباب إندلاع الاضطرابات والتمرد الاجتماعي الذي كان يقابل دائما بالقمع من السلطة الحاكمة, ولعل أحداث أنديجان عام 2005 والتى وصفتها المعارضة وقتها ب «الإنتفاضة الشعبية» والتى أسفرت عن قتل المئات من المحتجين من قبل سلطات كريموف خير دليل على ذلك. أما بالنسبة للمعارضة فلا توجد حاليا في أوزبكستان معارضة برلمانية، ولا يمكن أن تكون بحسب المفهوم الدارج للمعارضة، ففي الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في ديسمبر2010، سمح فقط للأحزاب الموالية للرئيس بالمشاركة. كابوس زعزعة الإستقرار في أكبر بلاد أسيا الوسطي من حيث عدد السكان (32 مليون نسمة) يلوح فى الأفق, فأوزباكستان التي أصبحت هدفا للمتشددين الإسلاميين, لديها تاريخ حافل من المواجهات بين حركة أوزبكستان الإسلامية وسلطات كريموف، كما أن الوضع المتوتر في الدول المجاورة للجمهورية مثل أفغانستان وطاجكستان وقرغيزيا قد يفسح المجال لتعاظم القوى الإسلامية المتطرفة في الجمهورية وزيادة الاختلافات والنزاعات العرقية والإقليمية، وإحتدام المواجهة بين مختلف الجماعات المسيطرة على السلطة بل وحتى إندلاع حرب أهلية, ولا يخفى أن الكثير من المنتسبين ل «داعش» اليوم ينتمون للعرقية الأوزبكية، وحسبما يشاع فإن لهم وضعا خاصا في التنظيم داخل سوريا، والدليل أن أحد منفذي الهجمات على مطار إسطنبول الأخير كان من الأوزبك. كل ما سبق دفع بالحديث فى أروقة صناع القرار عن وجود ثلاثة من المرشحين المحتملين لخلافة كريموف وهم: رئيس المخابرات رستم إينوياتوف الرجل الأقوي والأوفر حظا, ورئيس الحكومة الحالى شوكت ميرزيايف, ووزير المالية الحالى رستم عظيموف, الذين يسيطرون على مجالات الأمن والسياسة الداخلية والخارجية والإقتصاد. الرجل الأول وهو رستم إينوياتوف (72 عاما) المتربع على عرش هيئة الأمن القومي في أوزبكستان لأكثر من 20 عاما وكان ضابطا بارزا في جهاز «كي جي بي» قبل تفكيك الدولة السوفيتية, نادر الظهور ولا توجد له صور رسمية حتى الآن . هذا الرجل لا يجد غضاضة فى إستخدام سلطاته لتصفية منافسيه و كان ضلعا أساسيا فى قمع التمرد في أنديجان مستغلا أهم أوراقه الرابحة المتمثلة فى «جيش خاص» يضم أفضل الوحدات القتالية في القوات المسلحة ومن بينها لواء التدخل السريع الذي يضم 5 آلاف مقاتل وكذلك قوات حرس الحدود والأسطول الحربي النهري وفرقة القوات الخاصة. يقال أنه كان يسيطر من خلال رجاله الموجودين في القصر ورئاسة الجمهورية على كل إتصالات رئيس الجمهورية. وتكمن أحد أهم الدلائل على قوة رستم إينوياتوف فى تغلبه على الابنة الكبرى للرئيس الراحل «جلنارا كريموف» رائدة مجال الأزياء والمجوهرات والتى كانت مرشحة لخلافة والدها إلا أنه تم استبعادها واتهمت بالفساد فرضت عليها الإقامة الجبرية عام 2014 بعدما وجهت إنتقادات إلى والدها وأساليبه فى إدارة السلطة. الرجل الثاني هو رئيس الوزراء شوكت ميرزيايف (59 عاما) الذي يحظي بدعم قطاع الأعمال لكنه لا يتمتع بشعبية كبيرة لدى المواطنين بسبب السياسات الاقتصادية التى أثقلت كاهل الشعب, هو شخص عصبي المزاج ومعروف عنه إستخدامه الضرب والكلمات النابية ضد مرؤوسيه, رئيس الوزراء من خريجي معهد الري وظل فترة طويلة يشرف على حصاد القطن, كان ينظر إليه في البداية على أنه شخصية عابرة ولن يبقى في منصبه لفترة طويلة غير أنه استطاع بكفاءته أن يصبح أحد الخبراء المتخصصين في مجال الزراعة، وهو قطاع رئيسي في الاقتصاد, ليظل فى منصبه لأكثر من 13 عاما. الرجل الثالث هو وزير المالية رستم عظيموف (57 عاما) و يعتبره المواطنون في أوزبكستان والمهاجرون من أنصار التيار الليبرالي، ولكن الخبراء يرون أنه لا يختلف عن بقية السياسيين الذين صعدوا إلى هرم السلطة خلال عهد كريموف. كان عظيموف يرأس أحد البنوك المحلية منذ أن كان عمره 33 عاما، ونتيجة لكفاءته العالية شغل منصب وزير المالية منذ عام 1990, كما أنه نجح فى أن يقود دفة الحوار مع المؤسسات المالية الدولية التى كانت لديها نظرة سيئة تجاه إقتصاد أوزبكستان, لذلك يري الخبراء أن عظيموف سيجيد التعامل مع العالم الخارجي إذا أصبح الرئيس. المراقبون لا يستبعدون تحالفا ثلاثيا بين المرشحين وربما تحدث خلافات وإنقسامات ويصبح التحالف ثنائيا, وبغض النظر عما سيحدث فى الأيام القليلة المقبلة, هناك إحساس سائد لدي المواطن الأوزباكستاني بأن سياسة الرئيس القادم لن تختلف كثيرا عن سياسة كريموف القوية.