حصاد أنشطة وفعاليات أخبار جامعة أسيوط خلال أسبوع    «للرجال أيضًا إجازة وضع».. إجازات قانون العمل الجديد تصل ل45 يومًا | تعرف عليها    تخرج دفعة جديدة من صيادلة الإسكندرية في ماجستير إدارة الجودة    تداول 14 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة و831 شاحنة بموانيء البحر الأحمر    مدبولي: نستهدف تأمين احتياجات البلاد من المواد البترولية    وزير المالية: توجيه جزء كبير من إيرادات الضرائب للإنفاق على الصحة والتعليم    الإسعاف الإسرائيلي يعلن إصابة مبنى سكني بمسيّرة في شمال البلاد    مدرب مونتيري: ريفر بليت لن يكون أسهل من إنتر ميلان    السرعة الجنونية.. الرادار يرصد 37 ألف سيارة مخالفة على الطرق الرئيسية    سقوط 65 عنصرًا إجراميًا بحوزتهم 56 قطعة سلاح ناري ب3 محافظات    فسحة انتهت في المستشفى.. مصرع طفل وإصابة 16 آخرين في تصادم بطريق السخنة    معلنة بداية فصل الصيف.. شمس الظهيرة تتعامد على معابد الكرنك بالأقصر    بين الفن والحب.. ماذا حدث بين عبد الحليم وسعاد حسني؟    وزير الصحة يتفقد المركز الصحي الحضري بصقر قريش    «امتحانات في عزّ النار».. كيفية تهيئة المناخ المناسب للطلاب؟    وزير العمل ومحافظ كفر الشيخ يمنحان خريجات البرامج التدريبية 11 ماكينة خياطة    التخطيط: 7.3 مليار جنيه استثمارات عامة موجهة لمحافظة دمياط بخطة 24/2025    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم اتمنى القرب منك سيدى ودون فراق?!    «التخطيط»: 7.3 مليار جنيه استثمارات موجهة لمحافظة دمياط خلال 2024-2025    الأمم المتحدة: حرب إيران وإسرائيل يجب ألا تؤدي إلى أزمة لاجئين جديدة    نيويورك تايمز: خامنئي يعين من داخل المخبأ خلفاء محتملين في حال اغتياله    نائب محافظ سوهاج يفتتح أول مؤتمر للذكاء الاصطناعي بمشاركة 1000 شاب    محمود عاشور حكمًا لتقنية ال "VAR" في مباراة مانشستر سيتي والعين بكأس العالم للأندية    إمام عاشور يغادر معسكر الأهلي المغلق في نيوجيرسي    البرازيل تتقدم بطلب رسمي لاستضافة كأس العالم للأندية    نقابة المحامين توضح إرشادات يجب اتباعها خلال استطلاع الرأي بشأن رسوم التقاضي    "بحوث الصحراء" يطلق قافلة بيطرية مجانية لخدمة المربين بقرى السلوم وسيدي براني    بعد الزيادة.. مصروفات المدارس الحكومية والتجريبية لغات بالعام الدراسي الجديد 2025- 2026 (لكل الصفوف)    تجديد حبس 4 أشخاص بتهمة خطف شاب بسبب خلافات بينهم على معاملات مالية    جنايات شبرا تصدر حكما بالمؤبد ل3 متهمين لإتجارهم بالمخدرات    ضبط المتهم بالشروع فى قتل عامل بالطالبية    وكيل الأزهر يطمئن طلاب الثانوية بشأن امتحان الفيزياء: «تتم دراسة ملاحظاتكم» (صور)    وزارة التضامن تقرر إضفاء صفة النفع العام على 3 جمعيات    الرئيس السيسى وملك البحرين: التصعيد الجارى بالمنطقة يرتبط بشكل أساسى باستمرار العدوان على غزة.. إنفوجراف    خبير: إيران تستعيد توازنها وتلجأ لاستراتيجية استنزاف طويلة ضد إسرائيل    رئيس وزراء صربيا يزور دير سانت كاترين بجنوب سيناء    حسام حبيب يطرح نسخة معدلة من "سيبتك"    بايرن ميونخ يعادل برشلونة ويلاحق إنجاز الريال فى كأس العالم للأندية    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفي والإعلامى (4)    اجرام الصهاينة ليس مع الفلسطنيين فقط…كبار السن دروع بشرية فى مواجهة الصواريخ الايرانية    الناشط الفلسطيني محمود خليل حرًا بعد احتجاز 3 شهور في الولايات المتحدة    طب قصر العيني" تعتمد تقليص المناهج وتطلق برنامج بكالوريوس الطب بالجامعة الأهلية العام المقبل    بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    رسميًا.. اليوم بداية فصل الصيف في مصر (تفاصيل)    "سينما 30" و"الإسكافي ملكا" الليلة بروض الفرج والسامر ضمن فعاليات مهرجان فرق الأقاليم المسرحية    وائل جسار يُقبل عَلَم المغرب في حفله ب مهرجان موازين    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    انطلاق انتخابات صندوق الرعاية الاجتماعية للعاملين بشركات الكهرباء    رسالة أمل.. المعهد القومي ينظم فعالية في اليوم العالمي للتوعية بأورام الدم    ديمبلي يزف بشرى سارة لباريس سان جيرمان قبل مواجهة سياتل ساوندرز    «خلوا عندكم جرأة زي بن شرقي».. رسائل من وليد صلاح الدين ل مهاجمي الأهلي    جامعة القاهرة تطلق من المعهد القومي للأورام رسالة أمل فى اليوم العالمي للتوعية بأورام الدم    منى الشاذلي تتصدر تريند جوجل بعد استضافتها نجل حسن الأسمر: "كتاب حياتي" يُعيد الجمهور إلى زمن الأغنية الشعبية الذهبية    الرئيس الأمريكى يعلن توقيع إتفاق سلام بين رواندا والكونغو    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    مؤمن سليمان يقود الشرطة للفوز بالدوري العراقي    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في مستهل تعاملات السبت 21 يونيو 2025    تركي آل الشيخ يكشف سبب إقامة "نزال القرن" في لاس فيجاس وليس في السعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهر الضائع‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 04 - 2010

‏1600‏ مليار متر مكعب من مياه الأمطار التي تسقط سنويا علي دول حوض النيل العشر نتركها تضيع في الفوالق الجبلية والمستنقعات والبخر‏,‏ ثم نتشاجر حول‏84‏ مليارا فقط تصل إلي دولتي الممر والمصب مصروالسودان‏.‏ ومازال الجدل مستمرا منذ أكثر من عشر سنوات عندما اقترحت القاهرة مبادرة حوض النيل للتعاون للاستفادة بأكبر قدر ممكن من الفاقد الذي يمثل‏96%‏ من المياه الساقطة علي الحوض بتنفيذ مشروعات مشتركة وانشاء هيئة مشتركة لإدارتها وتبادل المعلومات مع تأكيد حق كل دولة منها في مياه النهر وعدم قيامها بالإضرار بحقوق الأخري أو المساس بالحقوق التاريخية المكتسبة لها أو نقل المياه أو بيعها إلي خارج الدول العشر‏.‏
إذا اتفقنا في مؤتمر وزراء مياه دول الحوض المنعقد في شرم الشيخ اليوم وغدا حول النقاط الثلاث المتبقية في مشروع اتفاقية حوض النيل وتعاونا معا واستفدنا بجزء من المياه الضائعة سيحق لنا أن نستمتع مع شاعرنا الرقيق محمود حسن إسماعيل ليس فقط بسماع ماقالت الريح للنخيل في شطه الجميل وإنما أيضا بتغريد البلابل الأخري في الحدائق والمروج الغناء التي ستتوافر المياه لزراعتها في الصحاري الجرداء‏,‏ ولن يموت وقتها إنسان من الجوع أو يهد عافيته سوء التغذية‏,‏ بل يمكن أن نري خيال شاعرنا الراحل وقد تحول إلي حقيقة برؤية حدائق أغصانها مثل صبايا شربن من خمرة الأصيل‏.‏
المياه وفيرة‏..‏ والغذاء قليل‏!‏
النهر الخالد كما وصفه محمود حسن إسماعيل عمره‏12‏ ألف عام‏,‏ وطوله‏6695‏ كيلو مترا‏,‏ ومساحة دول حوضه تعادل‏10%‏ من مساحة افريقيا‏..‏ كمية المياه الساقطة علي حوضه تكفي احتياجات سكانه مرتين ونصفا علي الأقل إذا أحسن استغلالها‏,‏ والأراضي القابلة للزراعة فيه تقدر مساحتها ب‏450‏ ألف كيلو متر مربع تكفي‏,‏ إذا توافر لها نصف المياه الضائعة فقط‏,‏ لتوفير الغذاء لضعفي شعوب دولها العشر‏,‏ فقط يحتاج الأمر إلي اتفاق للتعاون لتنفيذ مشروعات تنقذ بعض مليارات الأمتار الفاقدة وتستخدمها في الزراعة والصناعة وتوليد الكهرباء المحروم منها‏70%‏ علي الأقل من السكان باستثناء مصر‏.‏
يسقط علي الهضبة الإثيوبية‏800‏ مليار متر مكعب من مياه الأمطار لا يصل منها إلي النهر سوي‏60‏ مليارا‏,‏ وفي حوض بحر الغزال وحده في جنوب السودان يسقط‏212‏ مليار متر مكعب سنويا لايصل منها إلي مجري النيل سوي‏500‏ مليون متر مكعب أي‏3%‏ فقط بسبب الحشائش والمستنقعات‏,‏ وايراد بحيرة فيكتوريا السنوي‏114‏ مليار متر مكعب يضيع منها هباء‏93‏ مليارا ويضل الطريق‏92%‏ من مياه نهر كاجيرا في رواندا و‏20‏ مليارا من بحيرة كيوجا‏,‏ و‏7.6‏ مليار من بحيرة ألبرت‏,‏ أما الأمطار الساقطة علي مصر فلا تتجاوز كميتها‏1.3‏ مليار متر مكعب سنويا‏.‏
خلافات قليلة وخسائر كبيرة‏!‏
نقاط الخلاف الثلاث التي مازالت تعطل التوصل إلي اتفاق تنحصر في الإخطار المسبق من أية دولة من دول المنبع لدولتي الممر السودان والمصب مصر بأي مشروع مائي أو كهربائي من شأنه التأثير بالنقصان علي حقوق مصر التاريخية المكتسبة بمقتضي معاهدة‏1929‏ واتفاقيات‏1891‏ و‏1902‏ و‏1906‏ و‏1959,‏ خاصة اتفاقية‏1929‏ التي تعطي القاهرة حق الفيتو علي أي مشروع‏,‏ فمصر تريد أن تتضمن الاتفاقية الجديدة نصا صريحا بعدم المساس بحقوقها التاريخية وحصتها المائية التي حددتها اتفاقية‏1959‏ طبقا للقانون الدولي‏,‏ بينما تطالب دول المنبع بإلغاء اتفاقية‏1929‏ بدعوي أن الاستعمار البريطاني هو الذي وقعها مع مصر نيابة عن الدول المحتلة‏,‏ وبالتالي فهي ليست ملزمة لها من وجهة نظرها‏,‏ أما نقطة الخلاف الثانية فتدور حول كيفية اتخاذ القرارات من جانب الهيئة المفوضية المزمع إنشاؤها‏..‏ دول المنبع تريد أن تكون بالأغلبية‏,‏ لكن مصر ومعها السودان تصران علي أن تتخذ بالاجماع أو بالأغلبية شريطة أن تكون القاهرة والخرطوم ضمن الأغلبية حتي لا يتم اتخاذ قرارات تضر بحقوقهما‏,‏ ونقطة الخلاف الثالثة حول عبارة الأمن المائي لأنها تتضمن الاعتراف بحقوق مصر والسودان التاريخية في استخدام مياه النيل وضرورة التزام دول المنبع بإجراءات البنك الدولي التي تقتضي ضرورة موافقة دولتي الممر والمصب علي أي إجراء تتخذه أي منها وهو مالا توافق عليه دول المنبع حتي اللحظة‏.‏
المنطق والقانون مع مصر
مبرر مصر بالتحديد في هذا الموقف هو أنها ليس لها مورد مائي آخر غير النيل عكس بقية دول الحوض‏,‏ فهي تعتمد علي مياه النهر بنسبة‏95%,‏ بينما تنخفض نسب اعتماد اثيوبيا إلي‏1%,‏ وكينيا إلي‏2%,‏ وتنزانيا إلي‏3%,‏ والكونغو الديمقراطية إلي‏0.1%‏ وبوروندي إلي‏5%‏ والسودان إلي‏15%‏ بسبب كثافة هطول الأمطار علي أراضيها‏.‏ فقد انخفت نصيب المواطن المصري من‏1893‏ مترا مكعبا عام‏1960‏ إلي‏740‏ مترا عام‏2007,‏ ومن المتوقع أن يقل إلي‏582‏ مترا فقط عام‏2025‏ مع تزايد عدد السكان إذا لم يتم التعاون لتنمية موارد مياه النهر لصالح كل دوله وشعوبها‏.‏
وقعت مصر اتفاقية مع أوغندا عام‏1991‏ تضمن حقوقها التاريخية واتفاقية أخري مع أثيوبيا عام‏1993‏ تنظم التعاون في مياه النيل وتنص علي عدم إضرار أي منهما بالأخري وبحث استخدام مياهه طبقا لقواعد القانون الدولي‏,‏ وتستند مصر في موقفها إلي المعاهدات الدولية أيضا‏.‏ فمعهد القانون الدولي أقر عام‏1961‏ قواعد عامة لإدارة مياه الأنهار العابرة للدول تنص علي إقرار مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة في الموارد المائية وعدم المساس بها وأن مياه الأنهار مورد طبيعي مشترك لا يخضع لسيادة دولة بمفردها وتسوية النزاعات سلميا والتفاوض والتعاون بشأن المشروعات المقترح إقامتها علي النهر وروافده‏.‏ وتلك اتفاقية فيينا لعام‏1978‏ الخاصة بالتوارث الدولي للمعاهدات والاتفاقيات تؤكد هي الأخري هذا الحق‏,‏ وبناء عليه أقرته محكمة العدل الدولية عام‏1997‏ في نزاع مماثل بين المجر وسلوفاكيا‏.‏
الاتفاقيات الاستعمارية سارية
وبناء علي ما أقرته المعاهدات الدولية تظل كل الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال حقبة الاستعمار نافذة المفعول‏,‏ حكمها حكم الحدود الموروثة عن الاستعمار لا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا بموافقة كل الأطراف‏,‏ ففي عام‏1891‏ وقعت بريطانيا وايطاليا اتفاقية تعهدت فيها الأخيرة بعدم إقامة أي منشآت علي نهر عطبرة يمكن أن تؤثر علي مياه النيل وذلك خلال احتلالها اثيوبيا‏,‏ وفي عام‏1902‏ وقعت بريطانيا مع أثيوبيا اتفاقية تقضي بعدم إقامة أي سدود أو مشروعات علي النيل أو بحيرة تانا أو نهر السوباط دون موافقة بقية دول الحوض‏,‏ وفي عام‏1906‏ وقعت بريطانيا التي كانت تحتل مصر مع إيطاليا وفرنسا اتفاقية ينص بندها الرابع علي أن تعمل معا لتأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده إلي مصر‏,‏ وفي عام‏1929‏ وقعت بريطانيا نيابة عن الدول التي تستعمرها اتفاقية مع مصر تعطي القاهرة حق الفيتو علي أي مشروع تقيمه احدي دول المنبع من شأنه خفض كمية المياه القادمة إليها‏,‏ وفي عام‏1959‏ وقعت مصر والسودان اتفاقية تحدد حصة كل منهما من المياه بمقدار‏48‏ مليار متر مكعب لمصر و‏4.5‏ مليار للسودان‏,‏ زادت بعد إنشاء السد العالي إلي‏14‏ مليارا للسودان و‏55,5‏ مليار لمصر‏.‏
فهل نضع اليوم المصلحة المشتركة لدولنا فوق المصلحة الفردية التي يسعي إليها البعض أم نظل نجادل ونتعارك علي القليل الذي بأيدينا ونترك الكثير يضيع بلا أي استفادة وعند ذلك لانبالغ إذا سمينا النيل النهر الضائع وليس الخالد كما نعته محمود حسن اسماعيل؟‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.