على الرغم من التأكيدات المصرية المستمرة، التى يطلقها وزراء الخارجية والرى المصريون خلال السنوات الأخيرة، بأن مياه النيل «خط أحمر» لا يمكن تجاوزه أبدا فإن نتائج قمة شرم الشيخ لدول حوض النيل لا تبشر باستمرار تماسك هذا الخط، خاصة فى ظل اتخاذ جميع الدول موقفاً متحداً فى مواجهة دولة المصب (مصر) وجارتها السودان، فى الوقت الذى تشير فيه توقعات بألا تكفى حصة مصر متطلبات الفرد الأساسية خلال 15 عاما. فمصر التى كانت تطمح منذ عام فقط إلى زيادة حصتها ب11 مليار متر مكعب، أصبحت تحارب الآن من أجل بقاء الوضع على ما هو عليه وعدم تضرر حصتها بفعل تزايد احتمالات إقامة دول حوض النيل ال7 الأخرى –بخلاف السودان- لاتفاقية منفصلة بعيدا عن مصر. وعلى الرغم من أن مصر تعد من ضمن الدول الفقيرة مائيا فى الوقت الحالى، إذ وصل نصيب الفرد من المياه إلى 700 متر مكعب، مما يقل عن خط الفقر المائى ب300 متر مكعب للفرد، إلا أن مصر لم تصل بعد لحد الخطورة الشديدة وإن اقتربت بشدة منه. وتتوقع الدراسات أن تقل حصة مصر إلى 530 متراً مكعباً مع حلول عام 2025، وهو الحد الذى لا يكفى المتطلبات الأساسية لبقاء الإنسان، وتكون مصر بحاجة إلى 17 مليار متر مكعب إضافية بحلول هذا التاريخ لمواجهة الزيادة السكانية والتوسع المأمول فى الرقعة الزراعية، فضلا عن دخول مصر خط الفقر المائى الشديد بحلول عام 2017. كانت المبادرات المصرية تتمحور دائما حول فكرة أن دول حوض النيل تهدر 95% من المياه التى تتاح لها من خلال النهر، لأن حوض النيل يسقط عليه سنويا 1660 مليار متر مكعب من المياه، تستفيد دول الحوض ب5% فقط منها، والباقى يهدر دون أن يستفيد منه أحد، مما دفع القاهرة للتركيز الدائم على فكرة إقامة المشاريع التى تعاظم من الاستفادة من مياه نهر النيل وتقلل المهدر منها، خاصة مع قيام دولتى أوغندا وإثيويبا بإقامة المساقط المائية وتجفيف المستنقعات. ويبرز العديد من العقبات التى تعترض المنهج المصرى، لعل أبرزها إقامة دول الحوض مشاريع مائية بالتعاون مع العديد من الدول الأجنبية، ولعل آخرها إقامة إثيوبيا سداً يحجز 9 مليارات متر مكعب سنويا بالتعاون مع الصين، فضلا عن تعاون غالبية تلك الدول مع إسرائيل فى المجالات الزراعية والمتعلقة بالرى. كما أن بعض دول حوض النيل، مثل إثيوبيا وبوروندى، تسعى لزيادة استغلالها لمياه النيل، إذ تعتمد تلك الدول على مياه الأمطار والآبار بما يحول دون تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة، بما يزيد من رغبتها فى زيادة نصيبها من المياه على حساب الحصة المصرية والسودانية. وفى مواجهة هذا تستند مصر دائما إلى عدم جواز المساس ب«حصتها التاريخية» فى مياه النيل، التى تبلغ 55 مليار متر مكعب سنويا، وعلى الرغم من أهمية هذا فى المرحلة الماضية فإن هذا الهدف لن يبدو كافيا خلال 10 إلى 20 عاما على الأكثر، بما يحتم على الحكومة المصرية ضرورة البحث عن هدف أكثر طموحا فى هذا المجال، ولن يتأتى هذا إلا من خلال زيادة الانخراط مع دول حوض النيل فى مشروعات تفيد الجميع، إذ إن أى صدام ستخسر مصر ودول الحوض منه، بينما سيؤدى التعاون لخلق ظروف أفضل ليس فقط للمطالبة ب«الحصة التاريخية» التى لن تغنى من جوع مستقبلا، ولكن للمطالبة بزيادتها أيضا.