اقتربت اللحظة الفاصلة التي يقف فيها الناخبون المصريون أمام خيارين لا ثالث لهما, سوي المقاطعة التي تدعو إليها بعض القوي السياسية, وإن كانت في رأيي تصب في مصلحة تيار معين ومنظم لديه القدرة علي الحشد لمواجهة بقية الشعب المصري الذي يكافح من أجل نيل حريته. المصريون في اعتقادي مقبلون علي لحظة الحسم الأهم في حياتهم ومستقبلهم فإما أن يختاروا الرجل الذي يحقق لهم الأمن والاستقرار المنشود الذي افتقدوه طيلة ما يقرب من عام ونصف عانوا خلالها من الانفلات الأمني والتدهور الاقتصادي وزيادة نسبة الجرائم المجتمعية والأخلاقية, أو يختاروا الطريق المسدود الذي يمكن أن يعيدهم إلي الوراء. لقد أصبح هاجس الأمن والتطلع إلي الأمان أهم لدي شريحة كبيرة من المصريين من التناحر السياسي حول عودة النظام القديم أو الاستمرار في مكتسبات الثورة. ولاشك أن تحقيق الأمن المنشود لا يكون بغير رجل جريء في الحق وأكثر الناس اندفاعا وأشجعهم اقتناعا, فليس الجريء في الحق من يخشي الاجتراء علي الناس بل هو الذي يخشي أن يجترئ الناس عليه لأنه يستمد جرأته من مانعته التي تمنع الألسنة من الامتداد إليه والتطاول عليه وهو جريء في الحق مثلما كان جريئا في الحرب وقد تراه مجروحا ولكن لا تراه مجرحا. المصريون سيختارون رجل دولة يتمتع بالخبرة اللازمة لإدارة شئون البلاد في مرحلة دقيقة وحساسة لا تتطلب التجربة والخطأ, بل تحتاج إلي مهارات إدارية كبيرة في إدارة الشأن العام واختيار فريق من المعاونين يتمتع بالكفاءة والمهارة والخبرة اللازمة, ويكون الولاء للوطن قبل أي شيء, وليس من سماته الانتماء الحزبي الديني الضيق, فمصر الكبيرة والرائدة والعامرة بالكفاءات والتي ساهمت في بناء دول أخري ليست حقلا للتجارب للذين يريدون الاستئثار بكل شيء, والسيطرة علي جميع مفاصل الدولة. المصريون يريدون رئيسا يحافظ علي هوية الدولة المدنية في مواجهة قوي تهدد هوية الدولة المصرية الراسخة منذ عهود تاريخية, ويطمئن شركاء الوطن الواحد علي حاضرهم ومستقبلهم, رئيس جديد يؤمن بأن العقل هو محل الحكم علي الأشياء, وأن الديمقراطية العصرية أساس الدولة المدنية وليست الشوري أو البيعة أو الخلافة لأن الديمقراطية تعني القبول بالاختلاف ولا تعني أننا لا نختلف. مصر في حاجة إلي رئيس جديد يؤمن بالحوار والمناقشة وحق الاختلاف, طالما أن الممارسة كانت ديمقراطية, ولا تريد رئيسا يطبق مبدأ السمع والطاعة, بل يستمد قوته من الدستور الذي حدد علاقة الحكام بالمحكومين, من خلال حقوق الإنسان السياسية والثقافية والدينية, كما وردت في وثيقة الأزهر التي شرفت بالمشاركة فيها قبل عدة أشهر. لقد عرفت مصر الدولة المدنية الحديثة منذ عهد محمد علي باشا وقبل دول المنطقة ونشرت المطبعة والعلم والبعثات في الشرق الأوسط., فهي أكبر من أن تنتخب تحت الضغط والمزايدة أو الخوف أو الفهم المغلوط مما يقود ويهدم أسس الدولة المدنية التي بنيت علي حرية الاختيار, واحترام نتائج الصندوق التي تعبر عن إرادة الشعب, ودون توجيه من أي سلطة مهما كانت. في اعتقادي أن مصر الآن في أشد الحاجة إلي استكمال مسيرة الديمقراطية التي سعت إليها ثورة يناير لاختيار رئيس يحقق الدولة المدنية الكاملة التي ترسخ مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين وضمان حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية وتحقيق التوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. إن المصريين يحتاجون رئيسا يدعم حقوق المواطنة من خلال تطوير الإطار القانوني المنظم لبناء دور العبادة, وإنهاء الاحتكار والتمييز للوظائف العليا للدولة علي أساس الدين أو الجنس. فمصر ليست كإيران يحكمها رجال الدين وفقا للحق الإلهي, كبديل عن الدولة المدنية الحديثة التي يتولي السلطة فيها حكام منتخبون وفق الإرادة الشعبية. فالأمة مصدر السلطات وأساس تولي الوظائف فيها الكفاءة والخبرة وليس الانتماء الديني والسياسي. مصر تحتاج رئيسا يحقق أمل الشباب في تحقيق مكاسب ثورتهم ومنحهم الحق في المشاركة في إدارة الشأن العام. ومن مهمة الرئيس القادم لمصر أن يساعد في الدور الإقليمي ويحافظ علي المصالح الوطنية للبلاد ولا يجعل مصر امتدادا جغرافيا لبعض الجوار علي أساس الانتماء العقائدي, وإثارة مخاوف العالم من تجميد عملية السلام وتغيير الوضع الإقليمي لتحالفات عقائدية تجعل مصر تابعا وليست رائدة في المنطقة. حانت اللحظة الفاصلة, لحظة الحقيقة للاختيار الحر بين مدنية الدولة القائمة علي أساس القانون والتي تتبع المشاركة للمجتمع والدولة الدينية التي تقوم علي المنح والمنع بناء علي الطائفة والانتماء الديني.. أيها المصريون أنتم مقبلون علي قرار تحديد مصيركم ومستقبلكم واختاروا من ينحاز لأحلامكم وتطلعاتكم, ولا تتأثروا بمحاولات ترسيخ الفرقة والطائفية بين أبناء الوطن الذي نعيش فيه. في الختام, أعتقد أن الشعب المصري الواعد والمؤمن بضرورة تحقيق مبادئ الثورة لن يقدم شيكا علي بياض لأي رئيس قادم, لأن الحكم الجديد في مصر الآن هو للرأي العام المصري الذي لا يقبل برئيس لا يحقق تطلعات الشعب في, عيش وحرية وعدالة اجتماعية. المزيد من مقالات مني مكرم عبيد