لم يعد لنا أن نغضب حين نقرأ كتابات غربية تخلص إلى أن معظم بلاد العالمين العربى والإسلامى تُمَّثل أهم حالات الاستعصاء الديمقراطى فى عالمنا الراهن. كانت هذه الأطروحة تثير غضبنا حين ظهرت فى تسعينيات القرن الماضى. وكم من مرة حدث فيها اشتباك فكرى فى ندوات بين باحثين عرب وآخرين غربيين خلال ندوات أُثير فيها هذا الموضوع. كنا ننظر إلى من يتحدثون عن استعصائنا فى مجال الديمقراطية بوصفهم لا يدركون جوهر المفهوم الديمقراطى، ولا يعرفون العوائق الموضوعية التى أضعفت إمكانات ترسيخ هذا المفهوم فى الثقافة العربية. وذهب بعضنا إلى أبعد من ذلك وطالب أصحاب أطروحة الاستعصاء الديمقراطى بالاعتذار عن التاريخ الاستعمارى لأن تداعياته تُعد أحد عوامل استمرار هذا الاستعصاء حتى الآن. كما اتهم نفر منا المتحدثين عنه بأنهم عنصريون ينظرون إلينا نظرة دونية. غير أنه صار علينا الإقرار بوجود حالة استعصاء ديمقراطى بالفعل، وبأن معظم أسبابها داخلية تتعلق بجمود مجتمعاتنا وثقافتنا، وبأننا بالغنا كثيراً حين ألقينا اللوم على الاستعمار فى هذا المجال. ويعود ذلك إلى هشاشة مفهوم الحرية لدينا، بدءاً من حرية الفرد فى اختيار نمط حياته، وليس انتهاءً بحرية الفكر والإبداع الفنى والأدبى والبحث العلمى. وهذا جزء مما نقصده حين نقول إن الديمقراطية ليست مجرد انتخابات وصناديق اقتراع. فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم لا تنفصل عن العلاقة بين المحكومين وبعضهم داخل الأسرة، وفى المدارس والجامعات، وفى أماكن العمل، وغيرها. والحال أن العلاقات المجتمعية عندنا محكومة بنزعة محافظة يتفاوت جمودها حسب المناطق الجغرافية والشرائح الاجتماعية0 ولكن إذا استثنينا قطاعاً محدوداً متحرراً من هذا الجمود، نجد أن النزعة المحافظة السائدة فى المجتمع تعوق توافر الحد الأدنى من الحرية. فهذه النزعة المنتشرة فى المجتمع هى المصدر الأساسى الذى تنهل منه الجماعات الدينية سواء السلفية أو السياسية0 وهذه جماعات تعوق ممارساتها التطور الديمقراطى كما حدث بعد ثورة 25 يناير. غير أن هذه الجماعات جزء من البيئة المجتمعية المحافظة الجامدة التى لم تتوافر إرادة سياسية لتحديثها على مدى أكثر من خمسة عقود، بل على العكس يتم ترسيخها اعتقاداً فى أنها تجعل الهيمنة على المجتمع أسهل. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد