قرار عاجل من النيابة العامة بشأن واقعة مقتل «راعي أغنام» داخل سوق في المنيا    جدول مواقيت الصلاة غدًا الإثنين 20 أكتوبر بمحافظات الصعيد    أوقاف الفيوم تعقد الاختبارات الأولية لمسابقة القراءة الصيفية.. صور    القبض على كروان مشاكل بتهمة بث أخبار كاذبة وممارسة أفعال خادشة للحياء    "الجبهة الوطنية": كلمة الرئيس السيسي في الندوة التثقيفية رسالة وعي وطني تمهد للجمهورية الجديدة    محافظ الشرقية يترأس اجتماع اللجنة العامة لحماية الطفل    كل ما تريد معرفته عن برنامج البريد المصري حساب يوم على يوم    الحكومة تستعد لطرح 745 فدان على كورنيش النيل للمستثمرين    رفع كفاءة وتجميل ميدان أحمد زويل استعدادا للعيد القومى لمحافظة كفر الشيخ    بنك saib يطلق حملة لفتح الحسابات مجاناً بمناسبة اليوم العالمي للادخار    الرئيس السيسى يؤكد لرئيس وزراء النرويج اعتزام مصر استضافة المؤتمر الدولي لإعادة إعمار غزة    الرئيس الصيني يدعو تايوان من أجل توحيد الصف وزيادة تبادل التعاون    وزير الداخلية الفرنسي: عملية سرقة اللوفر استغرقت 7 دقائق ونفذها فريق محترف    يلا جووول بث مباشر محمد صلاح يقود ليفربول في مواجهة مانشستر يونايتد المثيرة على آنفيلد    ياسين منصور: ترشحت لخدمة الأهلي بدعم الخطيب.. والاستثمار أولوية    جامعة حلوان تشارك بفعالية في الندوة التثقيفية حول انتصارت أكتوبر    لجنة تطوير الإعلام تشكل 8 لجان فرعية وتبدأ اجتماعاتها غدًا بمقر الأعلى للإعلام    نقابة المهن الموسيقية تنعي والدة أمير عيد    عمر خيرت يصل إلى الأوبرا لإجراء البروفة الأخيرة وريهام عبدالحكيم تستقبله    العقيد حاتم صابر: ما حققه الجيش المصري في القضاء على الإرهاب يُعادل نصر أكتوبر    «بلاش بالله عليكم».. جدل على منصات التواصل مع الإعلان عن مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي 2»    علاء عابد: كلمة الرئيس السيسي بالندوة التثقيفية تجسّد رؤية قائد يضع مصلحة الوطن أولًا    5 أبراج «أهل للنصيحة».. واضحون يتميزون بالصراحة ونظرتهم للأمور عميقة    أمير عيد يستقبل عزاء والدته الراحلة.. في هذا الموعد    هل زكاة الزروع على المستأجر أم المؤجر؟ عضو «الأزهر العالمي للفتوى» توضح    هل يمكن العودة للصلاة بعد انقطاع طويل؟.. أمين الفتوى يجيب    غدا.. انطلاق قافلة طبية مجانية بقرية الحبيل في الأقصر    ظهور 12 إصابة بالجدري المائي بين طلاب مدرسة ابتدائية في المنوفية.. وتحرك عاجل من الصحة    بخطوات سهلة.. طريقة عمل مخلل القرنبيط المقرمش    وفاة الفنان أحمد عبد الرازق مؤسس فرقة الأقصر للفنون الشعبية    مصر تتوج بلقب بطولة العالم للكونغ فو    ترامب يصف الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو بأنه تاجر مخدرات غير قانوني ويعلن إنهاء المساعدات الأمريكية لبلاده    الرئيس السيسي: نتطلع إلى فوز مصر برئاسة منظمة الطيران المدني الدولي "الإيكاو" لتعزيز مكانتها الدولية في مجال الطيران    نيكو باز موهبة كومو يفرض نفسه تهديفياً فى الدوري الإيطالي.. بالأرقام    تقرير: رافينيا يغيب عن برشلونة في دوري الأبطال من أجل الكلاسيكو    نجم إنجلترا: صلاح ضحية ميسي ورونالدو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-10-2025 في محافظة قنا    مصرع فتاة دهسها قطار اثناء عبورها مزلقان محطة ببا ببني سويف    المشدد 3 سنوات لعامل شرع مع أخويه في قتل ابن عمه بسبب الميراث    محافظ أسوان يتفقد معرض المشغولات اليدوية بمنتدى السلام والتنمية    محافظ القاهرة يفتتح فعاليات ملتقى التوظيف والتدريب    الداخلية تواصل جهودها لتيسير حصول المواطنين على الخدمات والمستندات    إصابه سائق ومرافق في حادث انقلاب سياره تريلا محمله بالقمح في المنوفية    بطرس الثانى وتيموثاوس الأول قصة أخوين توليا سدة الكرسى المرقسى    «الأمم المتحدة» تحذر من مخاطر الذخائر غير المنفجرة في غزة    تحمل مساعدات لغزة.. سفينة الخير التركية السابعة عشر تفرغ حمولتها بميناء العريش    صعود مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة الأحد 19 أكتوبر    مواعيد مباريات الأحد 19 أكتوبر 2025.. مواجهتان بالدوري وقمة إنجليزية ونهائي مونديال الشباب    هيئة «التأمين الصحي الشامل» تناقش مقترح الهيكل التنظيمي الجديد    حالة الطقس بالمنيا ومحافظات الصعيد اليوم الأحد 19 أكتوبر    التعليم تعلن مقررات امتحان شهر أكتوبر 2025 لطلاب الصف الأول الثانوي العام    بعد انتهاء الإيقاف .. تريزيجيه يدعم صفوف الأهلي أمام الاتحاد السكندري فى الدوري    «الرعاية الصحية»: بحث إنشاء إطار إقليمي موحد لدعم أداء المنشآت الصحية مقره شرم الشيخ    حكم الوضوء قبل النوم والطعام ومعاودة الجماع.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع بالتفصيل    نتنياهو يعلن عزمه الترشح مجددا بالانتخابات العامة في 2026    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19-10-2025 في البنوك    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    عبدالرحمن مجدي: تعاهدنا داخل بيراميدز على حصد البطولات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلاغة القص لدى شعراء المهجر الشمالى

لاشك أن الأدب المهجرى الذى أبدعه الأدباء العرب المهاجرون إلى العالم الجديد(الأمريكتين) فى النصف الأول من القرن العشرين - وبخاصة إنتاج الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية - علامة بارزة وحلقة مهمة من حلقات الأدب العربى، بما امتاز به من جدة فى الموضوعات والقضايا، وجدة فى التناول وتجديد فى الشكل الفنى؛ ولذلك نال هذا الأدب دائما اهتماما لافتا من الباحثين والمعنيين بدراسة الأدب والتأريخ له.
وربما لا يمكن حصر الدراسات التى تناولت هذا الأدب فى مصر والعالم العربى والعالم كله بدقة.. ولا يزال الدارسون يحرصون على مداومة النظر فيه لتقديمه للقارئ من زوايا جديدة لم يسبق تناولها. ومن هذه الزوايا على سبيل المثال »بلاغة القص الشعرى«. والمراد دراسة الجوانب البلاغية فى القصائد القصصية لدى شعراء المهجر .
ولأن رقعة الإبداع الشعرى المهجرى متسعة وإنتاجهم غزير، فإنه كان لا بد من تحديد مجال لهذه الدراسة يجعلها ممكنة الإنجاز فى زمن مناسب وبحجم مناسب أيضا، وقد وقع الاختيار على أعضاء «الرابطة القلمية» الشعراء لدراسة «بلاغة القص» فى إبداعهم الشعرى. وهو ما يقتضى بحث القضية نفسها فى إبداع »العصبة الأندلسية« الشعرى لتتم الفائدة.
وشعراء الرابطة القلمية ستة، بعضهم طبقت شهرته الآفاق، وهم: جبران خليل جبران (1883 1931) وميخائيل نعيمة (1889- 1988) وإيليا أبو ماضى (1889- 1957)، وبعضهم غير معروف على نطاق واسع وهم: نسيب عريضة (1887- 1946) ورشيد أيوب (1871- 1941) وندرة حداد ( 1881- 1950).
أما الثلاثة الأول فأعمالهم مشهورة متداولة ومطبوعة أكثر من طبعة، ولكنهم متفاوتون فى الإبداع الشعرى، فإيليا أبو ماضى، وهو أغزرهم إنتاجا، خمسة دواوين هى على التوالى: «تذكار الماضى» 1911، ديوان إيليا أبى ماضى (الجزء الثانى) طبع فى نيويورك 1918، «الجداول» طبع فى نيويورك 1927 «الخمائل» طبع فى نيويورك 1947، «تبر وتراب» طبع فى بيروت1960، وصدرت أعماله الشعرية الكاملة فى طبعة واحدة فى بيروت1960. أما نعيمة فلم يبدع إلا ديوانا واحدا هو »همس الجفون »، وهو مطبوع طبعات عديدة ، وبه قصائد أبدعها بالإنجليزية وترجمها إلى العربية على حد قوله حين أراد طبع هذا الديوان، وعرب غيره بعض قصائده المكتوبة بالانجليزية. يذكر أن نعيمة توقف عن قول الشعر منذ عام 1932 رغم أنه عمر حتى عام 1988، وكذلك كان إنتاج جبران الشعرى قليلا قياسا إلى أصحابه وهو متفرق فى الأعمال الكاملة (العربية).
وأما نسيب فله ديوان واحد هو »الأرواح الحائرة« طبع عام 1946 فى نيويورك، بعد وفاته، وقبل أن يمتع ناظريه برؤيته والكتب فلذات أكباد كالأولاد سواء، ولا توجد منه نسخ فى مكتبات العالم العربى كله ،على حد علمى، وربما لا توجد منه نسخ فى العالم كله، وفى دار الكتب المصرية مختارات من شعره صدرت ضمن سلسلة »مناهل الأدب« ، ولنسيب قصائد متفرقة لم يضمها ديوانه المطبوع، وأما رشيد فله ثلاثة دواوين، هى »الأيوبيات« وطبع فى نيويورك 1916، و«أغانى الدرويش« وطبع فى نيويورك 1928 وله طبعة أخرى فى مصر صدرت عن مؤسسة هنداوى2012، و«هى الدنيا » وطبع فى نيويورك 1939. وأما ندرة فله ديوان وحيد هو »أوراق الخريف« وطبع فى نيويورك1941، ومنه نسخة وحيدة فى العالم العربى (بمكتبة الملك فهد).
فنحن إذا أمام اثنى عشر ديوانا إذا عددنا شعر جبران المنشور فى أعماله الكاملة ديوانا ، وقد حظى هذا الإبداع الشعرى المهجرى بكثير من البحوث والدراسات الأكاديمية وغير الأكاديمية ، تناولت مختلف القضايا التى اهتم لها هذا الأدب الرفيع، خاصة قضايا التجديد فى الأدب ، والاهتمام بالإنسان الفرد وهمومه ، والعواطف الإنسانية ، والقضايا الاجتماعية والوطنية والكونية ، ومعضلات تناقضات الحياة الإنسانية وتأملها من الوجهة الفكرية والفلسفية، والحيرة الدائمة تجاه هذه التناقضات المشكلة، والاهتمام اللافت بالطبيعة ومظاهر الجمال فيها، والاتحاد أو التماهى معها ومحاورتها وإسقاط المشاعر الإنسانية عليها .
وعلى الرغم من كثرة الدراسات حول الشعر المهجرى فإن الجانب القصصى فى شعر أعضاء الرابطة القلمية لم يحظ بدراسة علمية أكاديمية أو غير أكاديمية ، باستثناء ثلاث دراسات حملت عناوين »الأقصوصة الرمزية فى شعر المهجر« للأستاذ محمود محمد عيسى ؛ كتاب من الحجم الصغير تناول الملمح الرمزى فى بعض القصائد القصصية القصيرة، مهتما بالجانب الموضوعى لا البلاغى الفنى. و«القصة الشعرية فى العصر الحديث« للدكتورة عزيزة مريدن، ومن بين ما تناولت فيه إبداع المهجريْن الشمالى والجنوبى، وعرضت فى بابه الثانى للأقصوصة بحسب موضوعاتها، وجاءت على النحو التالى: التاريخية والأسطورة الرمزية ، والوعظية التعليمية، والعاطفية والاجتماعية، والوطنية والقومية، وعرضت فى بابه الثالث للقصة الشعرية الطويلة بحسب الترتيب الذى اتبعته قبلا، ويختلف المنهج وطريقة التناول جذريا عن منهج »بلاغة القص«، إذ اقتصرت الباحثة على ذكر الأبيات والتعليق عليها بشرح معانيها وتبيان نوع موضوعها الذى على أساسه صنفتها إلى تاريخية أو تعليمية ... إلخ، واختارت »مريدن« خمس قصائد متفاوتة الطول لإيليا ونموذجين اثنين لرشيد ونموذجا واحد لندرة، ولم تعرض لجبران ولا نعيمة ولا نسيب. و«القصة فى شعر إيليا أبو ماضى» للدكتور على محمد إسماعيل، وهو دراسة جيدة لاثنتى عشرة قصيدة فى تمهيد وفصلين، فى الفصل الأول اهتم بالقصة الواقعية المباشرة وغير المباشرة وفى الفصل الثانى اهتم بالقصة الأسطورية (الخيالية)، وقسم الباحث تناول القصائد قسمين: الأول للمحتوى العام والثانى لفنيات القص فى القصيدة ، واهتم فيها بالزمان والمكان والصراع والشخصية وبعض الملامح الأسلوبية ، ومن الواضح أنه اقتصر على دراسة شاعر واحد من أعضاء الرابطة.
لذلك كان التفكير فى هذه الدراسة ، وهو موضوع متسع المجال يمكن تناوله من زوايا متعددة، فللقص فنيات وللشعر فنيات، وللقصيدة ضوابط شكلية لابد أن يلتزمها الشاعر من وزن وقافية وضبط أشطار الأبيات ، وكلها قيود قد تعوق إحكام القص، فهل ترى استطاع الشاعر المهجرى فى قصيدته القصصية أن يحكم البناء الفنى والقصصى لقصيدته، وهل اهتم بعناصر القص الأبرز : المكان والزمان والحدث (والحبكة) والشخصية والحوار، أم اهتم بعناصر الشعر الأبرز: جماليات الشكل البلاغية ؛ التشبيه بأنواعه: العادى والبليغ والتمثيلى والضمنى...، والاستعارة بأنواعها: المكنية والتصريحية ، والأصلية والتبعية، والتمثيلية...، والكناية بأنواعها، والإيجاز بالحذف أو بغيره، والفنون البديعية بشتى صورها ... إلخ .
ومن ينظر فى إبداع الرابطة الشعرى، ويتأمل القصصى منه، يجده غزيرا، و يرَ تنوع موضوعات شعرهم، لقد اهتموا بحقائق الحياة، وقضايا الإنسان والمجتمع، واهتموا بشئون السياسة، كما غنوا للحب والحرية، والمرأة، وأكدوا قيمة الفن: الشعر والشاعر ومعنى الشعر، واتسم شعرهم بالنزعة الإنسانية والتأملات الفلسفية، فإلى جانب التجديد فى الشكل جاء شعرهم تجديديا فى المضامين ؛ إذ عالجوا قضايا »حية« عاشوها بالفعل واقعا، وانفعلوا بها، شغلت وجداناتهم وأرقت نفوسهم ، تمثلت فى ثنائيات: الفرد والمجتمع، الخير والشر، الروح والجسم، النفس والعقل، العقل والقلب، وفى تفاعل صادق مع الطبيعة كاشف عن حب لها وانفعال بها؛ وعلت فى شعرهم نبرة الشكوى من الحياة، والحنين الدائم إلى الوطن، والاغتراب بحثا عن وطن مثالى يعوض الشعور العميق بالغربة ؛ فهو لذلك شعر صادق من حيث هو ترجمة حقيقية لحيواتهم وأفكارهم ورؤاهم. وكان نعيمة حاديهم إلى تشوف روح التجديد فى الموضوع وتطويع الشكل واللغة للحس والفكر والشعور والخيال، والتجديد فى المعجم والاستعارات والموضوعات والصور الشعرية، والمزج بين الفكر والعاطفة والنفاذ إلى الواقع الذى يكمن خلف عالم الحواس ليزيدوا القارئ فهما بالحياة، وبالعالم الحقيقى للروح والمشاعر الجمالية.
ولم يكن من الممكن أن تستوعب هذا الإنتاج الغزير دراسة فى ثلاثمائة أو حتى خمسمائة صفحة، فلإيليا وحده ما يربو على 285 قصيدة ، جاء ما يربو على ثلثها فى قالب قصصى أو غلب عليه الروح القصصى، وتغلب على رشيد فى دواوينه نزعة القص، ولذلك كان لابد من انتقاء نموذجين أو ثلاثة لكل شاعر من الشعراء الستة لتكون حقل الدراسة، وهكذا اخترت من القصائد القصصية المطولة : »الأسطورة الأزلية« (مائة وواحد وثلاثون بيتا) و«الأشباح الثلاثة » (أربعة وسبعون بيتا) و«الشاعر والملك الجائر« (تسعة وسبعون بيتا) لإيليا، و« تيتانيك«(ستة وخمسون بيتا) و«ابنة الكوخ« ( اثنان وأربعون بيتا) لرشيد ، و«صدى الأجراس« (عشرون رباعية، أو أربعون بيتا وأربع قفلات) لنعيمة، و«رباعيات« ( اثنتا عشرة رباعية، أو ثمانية وأربعون بيتا) لنسيب ، ومن القصائد الوسط : »الجبار الرئبال« ( عشرون بيتا) و« بالأمس« (ثلاثون بيتا) لجبران، و«الغد« (عشرون بيتا) و«الورقة الأخيرة« لندرة ، وأخيرا القصيدة القصيرة واخترت من نماذجها »رؤيا طائر« (اثنا عشر بيتا) و«صلاة«(اثنا عشر بيتا) لنسيب، و«شكوى الفقير« لرشيد (عشرة أبيات) ، والقصيرة جدا التى تصور مشهدا أو موقفا، واخترت نموذجا لها مقطوعة رشيد أيضا »لماذا؟«، وهى من ثلاثة أبيات، يقول فيها :
قالوا لماذا تشتكى ؟
فأجبتهم من قول هات
ماذا أرجى وقد حرصت على يراعى والدواة
حرص البخيل على الدراهم ، والجبان على الحياة
وهى تصوير لحدث بسيط أوموقف لحظى، أو خاطر وعاه الشاعر وربما تكرر فى حياته كثيرا ، واستفزته كثرة طرح السؤال عليه فعبر على هذا النحو، أو ربما التفت هو إلى طبيعته دائمة الشكوى، فنقل الحدث أو الخاطر من عالم الفكرة إلى عالم الكلمة. ومن البين أن هذه المقطوعة لم تهتم للمكان ولا للزمان، ولا حددت شخصيات بعينها، وليس فيها حدث كلاسيكى مطول ببداية ووسط ونهاية، وكذلك كانت قصيدتا جبران »الجبار الرئبال« و«بالأمس« تقريبا وقصيدة ندرة »الورقة الأخيرة«؛ ولذلك تغلّب فى اختيار منهج الدراسة وقضايا البحث مراعاة طبيعة المادة الخام »القصيدة« فكان اختيار قضايا »الصورة«، وفى مبحثها تناولت المفهوم الحديث لها وطغيان الاهتمام بها فى الأربعين عاما الماضية، وأن لها جذورا ضاربة فى تراثنا البلاغى القديم، واخترت عنصرين من عناصرها يغلبان على البناء الشعرى عامة ، أو هما فى الحق جوهره وصلبه، هما »التشبيه« و«الاستعارة«.
وقبل البدء فى هذا الفصل حرصت فى المقدمة على بيان مفهوم الشعر ومفهوم القصة، وأوجه الاتفاق بينهما وأوجه الاختلاف، وعلى تقديم لمحة تاريخية يسيرة عن القص فى الشعر العربى .
وفى الفصل الثانى »بلاغة التنويع السردى« تم رصد التحولات التى تقطع خط السرد الأفقى وتنقلنا إلى مستوى أو مستويات أخرى، كالتحول إلى »حديث النفس« أو »الارتداد« إلى الماضى بتذكر أحداث ماضية وثيقة الصلة بالموقف الآنى، تساعد فى فهمه أو تبرر لمساق الحدث أو الموقف أو الاختيار، أو »الاستباق« أو التنبؤ بشىء يحدث متأخرا فى مسار السرد، أى فى نهاية زمن الحدث أو خارجه، أو يحتمل حدوثه، وقيمة ذلك الفنية وأثره فى البناء السردى، وهى من التقنيات البلاغية الحديثة .
كما كان هناك حرص على التفريق بين التقنيات الثلاث وتحديد أن التقنيتين الأخيرتين »تحول فى الزمن«؛ زمن السرد، داخل الحدث أو خارجه بحسب الزمان الذى وقعت فيه أحداث الارتداد أو الاستباق، وأن الأولى »حديث النفس« لا تحمل بالضرورة تحولا فى الزمن إلا إذا كانت وعاء وقع الارتداد أو الاستباق فى إطارها وكان جزءا منها .
ولمناسبة »فن الالتفات«- وهو من فنون البلاغة القديمة - للتنويع السردى باعتباره تحولا فى البناء الأسلوبى من ضمير إلى آخر،ومن زمن فعل إلى زمن آخر (من الماضى أو المضارع أو الأمر إلى المضارع أو الماضى أو الأمر) ومن نوع جملة إلى آخر...إلخ، جعلته مبحثا فى هذا الفصل، ثم جرى بحث قضايا »الحوار والتكرار والحذف«.
أما الفصل الثالث فجاء تحت عنوان »بلاغة الإيحاء«، وقدمت فيه ثلاثة مباحث هى »الحوار« و«التكرار والحذف«، واختير هذا العنوان ليشمل هذه المباحث الثلاثة رغم أن مفهوم الإيحاء يتسع ليشمل هذه الفنون وغيرها، فالأدب هو فن الإيحاء، لكن صوت الإيحاء قد يعلو فى فنون الحوار والحذف والتكرار .
والحوار قاسم مشترك بين فنون الكلمة ومنه مباشر وغير مباشر، وأحادى أو ثنائى فأكثر بحسب عدد الشخصيات، فبينت أبعاد الإيحاء والتكثيف فيه، وتأثيره فى الكشف عن فكر الشخصية أو تطور الحدث، وكان هناك وعى باحتمال الالتباس بين الحوار الداخلى (الذاتى الأحادى) وحديث النفس، فتمت التفرقة بينهما، كما تم تبيين عمومية حديث النفس وشموله الحوار الذاتى وليس العكس.
وفى مبحث الحوار تم رصد تكرار الكلمة المفردة؛ الاسم لفظا ومعنى، والفعل بمختلف أزمنته، والحرف فى الكلمة ومستقلا (خاصة حروف المعانى)، وتكرار الجملة والمقطع، وأثر كل نوع منها فى بيان المعنى الذى أراده الشاعر وفى بناء القصة. وأفردت للتكرار البديعى قسما أطلقت عليه وصف التكرار الهندسى بينت فيه أن هؤلاء الشعراء رغم أن قصائدهم فى قالب قصصى كانوا حريصين على جوهر الشعر فيها بالاهتمام بالألوان البديعية التى هى من حليه ووشيه، تساعدهم فى بناء الصورة الشعرية، وتمنعهم موهبة القول من السقوط فى فخ الصنعة الشكلية على حساب الجوهر .
وفى مبحث الحذف عرضت لحذف الكلمة وأثره فى الإبانة عن المعنى، وما قد يكون له من أثر فى مسار الحدث أو القص ، أو فى الحال النفسية لهذه الشخصية أو تلك بحسب معطيات السياقات.
وهكذا انتهت الدراسة إلى توظيف شعراء الرابطة القلمية فنيات البلاغة القديمة والحديثة فى بناء القصة الشعرية فى قصائدهم القصصية، وكيف أن هذه الفنيات كانت أدوات أساسية فى بناء الشخصية وتصوير الحدث وإحكام السرد، وهذه الحقيقة إحدى نتائج هذه الدراسة التى نوقشت قبل بضعة أسابيع فى كلية البنات جامعة عين شمس، وأشرف عليها الأستاذ الدكتور حسن البندارى أستاذ البلاغة والنقد الأدبى بالكلية ومعاونته الدكتورة بسمة محمد بيومى أستاذ الأدب الحديث المساعد بالكلية، وناقشها الأستاذ الدكتور محمد يونس عبد العال أستاذ النقد الأدبى بكلية الآداب بجامعة عين شمس والدكتور أسامة البحيرى أستاذ البلاغة والنقد الأدبى بجامعة طنطا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.