كانت الحكومة فى وقتٍ سابق من عام 2015 قد أصدرت قانونا يٌتيح للمواطنين انتاج الكهرباء وبيعها للحكومة بهدف تشجيعهم على إنشاء محطات منزلية للطاقة المتجددة، وبالتحديد الطاقة الشمسية. وبالفعل بدأت التجربة بعدد محدود من المحطات المنزلية وبعض المحطات التجارية، ولكن هل يكتب لها النجاح والاستمرار فى ظل التكاليف العالية لإنشاء تلك المحطات؟ وهل تحقق للمواطن دخلا عادلا ، أو على الأقل «بديلا أقل تكلفة» حينما يرفع الدعم؟ «تحقيقات الأهرام» التقت أول مواطن يبيع الكهرباء للحكومة، والذى تطور اهتمامه بالتجربة ليتحول لمشروع استثمارى بالنسبة له . فى التجمع الخامس، وفوق سطح منزله، أنشأ المهندس هشام توفيق أول محطة منزلية تبيع الكهرباء للحكومة، وكان مشروعه قد بدأ فى كندا، عندما جذب انتباهه استغلالهم للطاقة الشمسية بالرغم من البرودة الشديدة وغياب الشمس فى معظم أوقات العام. وهناك حصل على دورة متخصصة للتعريف بنظام محطات انتاج الطاقة الشمسية بالكامل، ويقول:» بعد صدور القانون الخاص ببيع الكهرباء فى العام الماضى تعرفت على إجراءات إنشاء محطة منزلية، وبدأت فوراً فى تنفيذها وهى إجراءات لا تستغرق أكثر من شهرين ». عداد رقمى يوضح الكهرباء المنتجة من المحطة المنزلية وتتكون المحطة المنزلية من مجموعة من الألواح التى يتم تركيبها فوق سطح المنزل بدرجة ميل معينة لتكون مواجهة لأشعة الشمس طوال النهار ، ويوضح أن كل أربعة ألواح شمسية تنتج كيلووات واحد ، وهذا أقصى انتاج للمحطة البالغ ثمنها نحو 14 ألف جنيه والتى تحتاج إلى مساحة 10 أمتار مربعة تقريبا لإقامتها ، أما متوسط المساحة التى تحتاجها محطة متوسطة الإنتاج فهى 60 مترا . ووفقاً لهشام فالمستوى الهائل من الإشعاع الشمسى فى مصر والذى يصل إلى 6٫5 ساعة إشعاع قصوى فى اليوم مقارنة ب 4٫2 ساعة فى ألمانيا يشير إلى مدى النجاح الذى يمكن أن تحققه تلك المشاريع، ولكن بالرغم من أن إنتاج المحطة المركبة على سطح بيت فى القاهرة يمثل 50% كهرباء أعلى من مثيلتها المركبة فى ميونيخ إلا أن ألمانيا لديها 1٫3 مليون محطة طاقة شمسية بطاقة قصوى 36 ألف ميجاوات ، أو ما يوازى 11% من مزيج الطاقة المنتجة فى ألمانيا ! أول شيك حصل المهندس هشام على أول شيك مقابل بيع الكهرباء للحكومة من شركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء فى اكتوبر الماضى بمبلغ 1874 جنيها ، وبينما يحصل المواطن الذى يبيع للحكومة الكهرباء على 84٫4 قرش للكيلو وات/ ساعة تحصل الشركات أو القطاع التجارى على 97 قرشا للكيلووات/ ساعة وهو الأمر الذى يراه هشام أيضا غريبا كون كل بلاد العالم تقدم السعر الأعلى للشركات الصغيرة ولكن فى مصر يحدث العكس ! أما الأوراق المطلوبة فتشمل تقديم إقرار بملكية سطح المنزل والتقديم على عداد فى هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة والتعاقد مع احدى الشركات الحاصلة على تأهيل فى مجال انشاء محطات الطاقة الشمسية، ثم تقديم الملف لشركة الكهرباء التابع لها محل اقامة المحطة . ويضيف: «المرحلة التالية هى مرحلة المعاينة، حيث يحدد مندوب شركة الكهرباء ما اذا كان السطح يصلح أم لا، وايضا اذا كانت المنطقة التى انشئت بها المحطة تحتاج للطاقة أم لا، ثم يليها مرحلة التركيب ، بعدها تتحقق شركة الكهرباء من النظام ويتم تركيب العداد فى الخارج والداخل» ويضيف :«نٌظام المحطات المنزلية متعددة، ولكن فى مصر يعمل النظام الأحادى فقط ، بمعنى أنه أما بيع فقط أو استهلاك فقط، بالرغم من أن العالم كله يعمل بالنظام التبادلي، اى أن المواطن يستهلك ما ينتجه ويبيع الفائض واتعجب من عدم وجود هذا النظام فى مصر !» وبينما أسس المهندس هشام بدوره شركة خاصة لتركيب المحطات المنزلية الا أنه يرى أن الاستثمار بهذا النشاط الآن ومع ارتفاع سعر الدولار قد لا يحقق عائدا جيدا للمواطن .. وهو ما يتطلب ضرورة تخفيض سعر المحطات أو وجود تسهيلات ائتمانية لتمويل الانشاء وتوفير ألواح بسعر منافس. كما يرى ضرورة إطلاق مبادرة من البنوك لتمويل مشاريع محطات للطاقة الشمسية وبخاصة انها نوع من الاستثمار قليل التكلفة على المدى الطويل فالمحطة عمرها الأفتراضى أكثر من 20 سنة وصيانتها سهلة جدا. انتاج 300 ميجا فى عامين كانت خطة الحكومة تستهدف إنتاج 300 ميجا من المحطات المنزلية خلال عامين فى الفترة بين 2015/2016 بينما ما تم انتاجه بالفعل حتى الآن 10 ميجا فقط ولكن الهدف لم يتحقق ربما بسبب ارتفاع تكلفة إنشاء المحطات المنزلية والتى زادت بعد الارتفاع المطرد فى سعر الدولار وبحسب المهندس صلاح أبو عوف مدير عام قسم الخلايا بهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة فقد دارت العديد من المناقشات مع البنوك لتمول هذه المشروعات للمستهلكين بقروض ميسرة لزيادة الإقبال ويرى أنه مع مرور الوقت سوف ينخفض سعر الخلايا وبالتالى سعر المحطات. وبلغة الأرقام يوضح مدير عام قسم الخلايا بهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة عدد المحطات التى تم تنفذها أعلى مبانى الشركة القابضة والشركات التابعة لها وكذلك هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة والتى بلغت 45 محطة بإجمالى قدرات 1272٫3 كيلووات بينما جار تنفيذ 49 محطة اخرى بإجمالى 1478كيلووات. اما عن أكثر المحافظات التى تم إنشاء محطات بها فكانت القاهرة تليها محافظاتجنوب الدلتا حيث بلغ عدد المحطات التى تم تنفيذها بواسطة المشتركين والتعاقد مع شركات التوزيع 53 محطة بإجمالى قدرات 1960٫3 كيلووات، وجار تنفيذ 58 محطة أخرى بواسطة المشتركين بإجمالى 4506٫9 كيلووات. توفير الطاقة والاستثمار توفير الطاقة النظيفة والاستثمار كانت أهم الأهداف التى وضعتها الدولة نصب أعينها حين أصدرت قانون الكهرباء الجديد الذى حدد تعريفة شراء الطاقة الجديدة من المواطنين، وبحسب المهندس ناجى عارف رئيس شركة شمال القاهرة للكهرباء فإن انتاج المواطن للطاقة اصبح اتجاها عالميا فهناك تجارب عالمية وأخرى عربية ناجحة مثل الأردن والامارات. وقال :«حينما اتخذت الحكومة هذا القرار لم تنظر لتجربة دولة معينة ولكن كان القرار بضرورة وجود مصادر جديدة ومتنوعة للطاقة سواء طاقة شمسية أو طاقة الرياح» وكان التحفيز والتشجيع هما الخطوة الأولى فى المشروع لجذب المواطن وتحقيق منفعة حقيقية له ، وذلك من خلال الشراء بسعر أعلى من السعر الذى نبيع به الكهرباء للمواطن ، فمثلا اذا كان المواطن صاحب الاستهلاك المتوسط يدفع ثمن الكيلووات من الكهرباء المدعومة ب65 قرشا فنحن نشترى الكيلووات من المواطن ب 84 قرشا . ويضيف:«من خلال هذه التعريفة يستطيع المواطن أن يحصل ثمن المحطة التى انشأها على مدار عدة سنوات، فيكون الموضوع ذا جدوى اقتصاديه فمدة العقد مع الشركة 25 سنة ». وبالرغم من قلة عدد المشتركين فى مشروع بيع الطاقة للحكومة الذى يبلغ عددهم نحو 15 مواطنا فقط متعاقدين مع شركة شمال القاهرة إلا أن المهندس ناجى عارف متفائل بالتجربة، ويقول: «هذا العدد لشركة شمال فقط والتى تغطى منطقة شمال وشرق القاهرة وجزءا من القليوبية وتم إنشاء هذه المحطات خلال عام واحد بالإضافة للمحطات التى انشئت للاستهلاك الذاتي فقط» شروط انشاء المحطة وعن خطوات إنشاء المحطة المنزلية تقول المهندسة مديحة عبد العظيم مديرة إدارة الطاقة المتجددة بشركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء:«هناك مجموعة من الشركات هى المنوط بها تركيب المحطات الشمسية وهى شركات مؤهلة من هيئة الطاقة الجديدة والمتجدده ويكون لها اشترطات محددة للحصول على تصريح، ويستطيع المواطن أن يصل إلى هذه الشركات من خلال موقع هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة الذى يٌحدث بشكل دائم، وبعد اختيار الشركة تتم معاينة منزل المشترك وقياس مساحة السطح واختبار صلاحيته وتوضح: « قد يسبب « الظل» عائقا كبيرا امام تنفيذ المحطة المنزلية، فإذا كان هناك أى عقار مرتفع مجاور لمنزل المشترك فقد يلقى بظلاله على المحطة وبالتالى لا تنتج الطاقة المطلوبة منها ». وتكون المرحلة التالية هى الوصول للمساحة المناسبة والقدرة المناسبة للمحطة ويتم تجهيز الملف الفنى ومجموعة المستندات التى يتم مراجعتها ثم معاينة السطح وخلال أسبوعين يحصل المواطن على الرد. ويكون لديه 6 شهور بحد أقصى للتنفيذ ثم يتم مراجعة المحطة ومدى مطابقتها للملف الفنى وقياسات التغيرات الكهربائية وإذا كانت مناسبة للشبكة، ثم يدفع المشترك قيمة المقايسة بعدها يتم تركيب العداد ويبدأ الإنتاج وتصدر الشيكات كل ثلاثة أشهر وتضيف :«دفعنا منذ بدء المشروع نحو 236 ألفا فى فترة أكثر من سنة ». وترى أن المشروع يحتاج المزيد من الوقت ليلقى قبولا من المواطنين فكل ما هو جديد لا يتم الاقتناع به بسهولة ، وتضيف : «فى البداية لم يصدق المواطنون انهم سيحصلون على اموال من الحكومة ، ولكن بعد صدور أول شيك تأكدوا من مصدقية المشروع ». بالإضافة إلى العمل على تحفيز المواطن من خلال توافر برامج التمويل للمحطات الشمسية لأن معظم التمويلات البنكية توجه للمشاريع الكبيرة. تحديات المشروع ويرى رئيس شركة شمال القاهرة للكهرباء المهندس ناجى عارف أن تصنيع الألواح الشمسية فى مصر ، من شأنه أن يحقق انتشارا لها فى السوق ، وهذا الانتشار يقلل السعر وبالتالى قد نصل لهدفنا فى 2022 ، وهو انتاج 20 % من الكهرباء فى مصر عن طريق الطاقة النظيفة . أما أهم التحديات التى تواجه محطات الخلايا فهى الصيانة التى على الرغم من بساطتها يهملها البعض ، فتنظيف الخلايا بشكل دورى مهم جدا لانتاج الطاقة المطلوبة منها ، وهو اجراء بسيط مجرد التنظيف بالماء ! اما التحدى الثانى فهو ترشيد الاستهلاك ، فالبعض يعتقد أنه طالما أن الطاقة منتجة من الشمس ولا يدفع فيها اموالا فيمكنه الاستهلاك كيفما يشاء بينما الترشيد هو اهم العوامل لتحقيق ربح وفائدة . تجربة أخرى خاضتها المهندسة هبة أحمد مصطفى صاحبة احدى الشركات الخاصة والتى أنشأت المحطة فوق مقر شركتها والتى جذبتها أيضا استغلال المانيا للطاقة الشمسية على نطاق واسع فقررت التخصص بشكل موسع فى هذا المجال ، وحصلت على درجة الماجستير فى مجال الطاقة من إنجلترا وعندما عادت إلى مصر أسست شركة متخصصة فى مشروعات الطاقة الشمسية ، وتقول:» الإقبال فى مصر على الطاقة النظيفة ليس ضعيفا ، فهناك إقبال كبير من اصحاب المشاريع الكائنة فى الصحراء والبعيدة عن الشبكات القومية وأيضا بسبب ارتفاع أسعار السولار حيث يتم استغلال الطاقة الشمسية فى مجال استخراج المياه والزراعة» . وبدأ مشروع المهندسة هبة بإنشاء محطة فوق مقر الشركة بالتجمع الخامس بعدها ساعدت الشركة أحد العملاء فى انشاء مشروع سبعة كيلووات منزلى تلاه مشروع آخر بطاقة 12 كيلووات . وترى المهندسة هبة أن البنوك لا تقدم قروضا مناسبة للطاقة الجديدة والمتجددة ، وهو الأمر الذى اذا تحقق سيمثل عامل جذب كبيرا للمواطنين ، وبخاصة أن المشروع يحتاج لشخص يؤمن بفكرة استغلال سطح منزله ، وأيضا يكون على دراية بأن الربح الحقيقى يتحقق بعد خمس سنوات على الأقل. وترى أن التعريفه الأن مرضية وأن انشاء المحطة بهدف البيع افضل من الاستهلاك وتقول:«بيع الطاقة للحكومة سوف يحقق ربحا أفضل للمواطن من فكرة الاستغلال المنزلى لأن الإنتاج كله يتم فى فترة الصباح ولتشغيل الطاقة الشمسية ليلا لابد من تخزينها فى بطاريات وتلك الأخيرة مكلفة جداً وتحتاج للصيانة وبالتالى الافضل البيع.