لقارئ لتاريخ نهضة أوروبا يلحظ مقاربات مهمة بين ما نعيشه الآن وبين طريق تطور الفكر الغربي فيما عرف بعصر النهضة والتنوير بعد عصور الظلام في القرون الوسطي, أسوق هذا الكلام لأستخلص منه مقارنات مهمة وحساسة توضح جانبا من أبعاد الأزمة التي تعيشها أمتنا الآن والتي يمكن أن نسميها عصور الإسلام وباختصار أود أن أقول إنه برغم الوضع الحالي الذي تعيشه الامة الآن فان هناك مؤشرات إلي أننا وبشكل ما نسير علي طريق مشابه لذلك الذي سارت فيه أوروبا, لكننا برغم ذلك أمام اتجاهين, فإما ارتداد إلي أسوأ عصور الظلام بحروبها ودمارها وإنما تقدم نحو قدر من النضوج يشبه ما حدث في أوروبا وإن لم يؤد بالضرورة إلي نهضة مماثلة, وأبرز علامات هذا الطريق هو الجدل الدائر الآن بين القوي الفكرية المختلفة ممثلة في تيارين رئيسين يمكن تسميتهما تيار التجديد وتيار التقليد. كيف ذلك؟ نحن نعيش عصورا من الظلام الفكري الدخيل علي الاسلام هي نتاج مراحل تاريخية متلاحقة من الغرق في مستنقعات الجهل والتخلف والخرافات التي ظن الكثير من الناس ولايزالون أنها الدين الصحيح كان من آثار ذلك أن اهتم الناس بالقشور والتفاهات وأهملوا الأصول والبديهيات, وأصبح الكثير من المجتمعات الاسلامية بالنتيجة مصابا بالفصام وهو يري أن ما يقوم به ظانا أنه الدين السليم لايحقق له السعادة الدنيوية أو الدينية فلا هو حقق التقدم ولا الرخاء ولا ارتقي في سلم الاخلاق والانسانيات, وأحسب أن أسباب غرق المسلمين في التخلف كثيرة, لكن أهمها ثلاثة: الأول معاملة المرأة علي أنها أقل شأنا حتي ولو كان في اللاوعي, والثاني إساءة فهم وتطبيق فكرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتي صار الكل سجانين ومسجونين, وسرت بن الناس كراهية عجيبة متبادلة, والثالث جمود الفكر وتوقف التجديد تحت زعم أن كل بدعة ضلالة حتي صار الفرد في المجتمع المسلم يخشي التفكير ويئد ابداعاته الخلاقة في ذهنه قبل أن تولد فيما يشبه رقابة ذاتية مماثلة للتي مارسها الصحفيون علي أنفسهم في عصور مختلفة, يحدث ذلك في مجتمعات باتت تقدس الشكليات والمظاهر حتي عين الكثيرون انفسهم أربابا من دون الله يمنحون البركة أو النقمة ويقررون من الصالح ومن الطالح فيما يشبه قصة صكوك الغفران, وأصبح المجتمع رهين تقييم الافراد لبعضهم البعض, فمن اتفق معي ولو في الشكل صار ملاكا ومن اختلف صار هو الشيطان بعينه حتي وقعنا فيما ارتكبه الآخرون من تمييز علي الشكل وعلي الهوية, ولكن ضد بعضنا البعض وبشكل يومي. والمفارقة أن مخاض النهضة في أوروبا بقدر ما كان عنيفا ومدمرا في أكثر الاحيان ودارت رحاه بين قوي متباينة كل التباين أراد كل منها إزاحة الآخر والتخلص منه تماما, أي أنه كان صراع وجود فإنه استغرق نحو ثلاثة قرون فقط أما عصور الظلام في الاسلام, فقد طالت أكثر من المعقول, حيث يرجع البعض بداية انتشار الخرافات الدينية الي العصر الفاطمي وهو تاريخ يحتاج إلي بحث مفصل مستقل, بينما لا يعرف أحد متي تنتهي. الغريب أن الصراع عندنا يدور داخل الاسلام وليس خارجه من أجل تنقيته لا من اجل محوه وهدمه أي أن الحل في حالتنا أسهل لكنها سهولة تبدو بعيدة المنال, ومن يتتبع حركة الفكر في المجتمع الاسلامي يلحظ صراعا بين قوي تمثل الظلام بكل ما ينطوي عليه من اتباع المفاهيم المغلوطة مستقوية في حالات بالتاريخ والإرث الثقافي وفي حالات أخري بالسلطة التي قد تري مصلحتها في بقاء الوضع علي ماهو عليه هذا الصراع الذي يبدو هادئا نسبيا إلي الآن قد يحمل في طياته بذور عنف لا يعلم أحد مداه. وبنظرة أقرب إلي الأمور سنجد أنه في الحالة الغربية كان الصراع مفتوحا لإلغاء تدخل الدين في حياة الناس, أما في حالتنا فالصراع قائم علي أساس تصحيح هذا التدخل وتحديد مداه, ولعل قضية وضع المرأة في المجتمع الاسلام شاهد واضح علي ذلك, فكلا الطرفين يعطي المرأة وضعا يعتبره محترما بحيث أصبحت المشكلة مشكلة تعريف وهي مشكلة فلسفية عبثية لاتزال تعاني منها الفلسفة الغربية ليومنا هذا مع الاختلاف, فريق يعتبر ان حبس المرأة في بيتها وعدم قيادتها للسيارة هو التكريم بعينه, وآخر يري ذلك الظلم المبين, وربما يجب هنا القول أن مجرد الحديث عما إذا كانت المرأة مخلوقا مساويا للرجل هو أكبر مثال علي أننا نعيش عصور ظلام ستضحك منها الأجيال القادمة, وفي المشهد الكبير يبدو المطالبون بتغيير النظرة القديمة المغلوطة كانهم ثوار عصر النهضة الاسلامية وان كانوا يطرحون أفكارهم بخوف, أو علي استحياء شديد فتطيش سهامهم ولا يصيبون كبد الحقيقة, بينما يجب طرح الأمور بوضوح حتي ولو اعتقد البعض انها بديهية إذ ليس كل بديهي يلحظه الجميع. ان الأمر الذي نحن بصدده أسهل بكثير من كل الجدل الدائر حوله ويختتلف لمصلحتنا عن مشكلة الغرب في عصور ظلامه, فلا نحن مختلفون حول دوران الشمس أو ثباتها, ولا نحن منقسمون حول ماهية الرب أو وحدانيت, وإنما نحن فقط بصدد تنقية الشوائب والخرافات, لقد استغرق الغرب ثلاثة قرون ليبلور مستقبله الثقافي الذي أدي إلي ما يعرف بالتسامح الديني وحرية الفكر والاعتقاد, وهي أهم أسباب النهضة, فهل سنستغرق نحن الوقت نفسه أو اكثر, فقط لاعادة اكتشاف ماهو محسوم لدينا بالفعل؟ أحسب أننا إن لم نسرع فلن يمهلنا القدر.[email protected]