تعد الاجراءات الإسرائيلية الأخيرة ببناء مستوطنات بالقدس الشريف لطمة لكل من يؤمن بالسلام الفلسطيني الإسرائيلي, وبما يتجاوز زيارة نائب الرئيس الأمريكي بايدن, والتوتر المؤقت في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية, وإنما يحسب للحكومة الإسرئيلية الحالية استقرار توجهاتها واتساق أفعالها مع تلك التوجهات, بما لا يترك مجالا للشك في حقيقة نواياها, لكل من يسمح لنفسه أن يصدق ما يراه وما يسمعه, ويجنب نفسه ومن حوله حرج الآمال الحالمة, بل الأوهام التي لا تستند إلي أي واقع, أو حتي ادعاء إسرائيلي. فمن الواضح أن إسرائيل تري القدس بشقيها عاصمة إسرائيل وحدها, وأن الوجود العسكري الإسرائيلي سوف يمتد إلي الضفة الغربية حتي نهر الأردن, حتي في ظل وجود دولة فلسطينية منزوعة السلاح, مفتقدة للسيادة الشرعية علي مجاليها الجوي والبحري, وهو موقف يقضي علي أي فرصة للوصول إلي سلام فلسطيني إسرائيلي حقيقي. وبالرغم من كل ذلك فقد أصاب مؤتمر القمة العربي في تمسكه بالسلام كخيار استراتيجي, وفي تشكيل آلية متابعة وصندوق دعم لقضية القدس, فضلا عن الإدانة والشجب وخلافه, وقد يكون هذا الموقف انعكاسا طبيعيا للرغبة في التريث وعدم استباق الأمور, انتظارا لنتائج الشد والجذب الأمريكي الإسرائيلي القائم. وإنما ما أرجوه من الدول العربية هو استخلاص بعض الدروس المفيدة من الممارسات الإسرائيلية, والتي لا تترك الساحة أبدا للغير, وتسعي دائما لفرض أوضاع جديدة, وللتحكم في الأجندة السياسية للمنطقة, وقد نوهت إلي ذلك سلفا, بإعلان إسرائيل عن مستوطنة جديدة كلما وصل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق بيكر إلي الشرق الأوسط لمؤتمر السلام في مدريد في التسعينيات, وكذلك عندما تحفظ شارون ب14 ملاحظة علي خريطة الطريق التي طرحها جورج بوش الابن, ثم غير الأوضاع كلية بالانسحاب الأحادي من غزة من أجل تثبيت مكانة إسرائيل بالضفة الغربية, والآن نجد نيتانياهو يواجه اهتمام باراك أوباما بعملية السلام بالتوسع في سياسة الاستيطان وفي أكثر المناطق حساسية, القدس الشريف, وذلك علي غرار سابقة عام1996, فضلا عن وضع شرط جديد لاستئناف مفاوضات فلسطينية إسرائيلية جادة وهو القبول الفلسطيني أولا بيهودية الدولة الإسرائيلية. كنت قد طرحت سؤالا منذ أشهر قليلة في أحد اسهاماتي الإعلامية عما إذا كان استمرار عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية علي منوالها الحالي في مصلحة العرب, في ضوء عدم جديتها وفي ظل الاضمحلال المتتالي للأسس الحاكمة لها, ولا يسعني إلا أن أكرر هذا التساؤل الآن والعالم العربي في انتظار نتائج التناحر الأمريكي الإسرائيلي حيث انه لن يؤدي سوي إلي أحد احتمالين: أولا: توصل إسرائيل وأمريكا إلي تسويات مؤقتة ومبهمة, كوقف النشاط الإستيطاني لفترة محدودة الأجل(4 أشهر مثلا) دون تحديد لمعالم جغرافية واضحة, مع احتمال الإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين ورفع بعض الحواجز. ثانيا: تعلن إسرائيل مرة أخري عن صرامة تمسكها بحقها في القدس كاملة, والنمو الطبيعي للكتل الاستيطانية, ضاربة عرض الحائط بالموقف الأمريكي والدولي علي حد سواء. لم أشر إلي الموقف العربي علي الإطلاق لأن اليمين الإسرائيلي له نظرة للعرب تتلخص في أنهم لا يفهمون إلا لغة القوة, ولذلك لابد من التعامل معهم بعصا غليظة ولا يعد الاحتمال الأول سوي تمثيلية عبثية لكل من تابع عملية السلام والمناورات الإسرائيلية علي مدي عام وليست إلا محاولة لفض الاشتباك مع الولاياتالمتحدة. الجدير بالذكر أن الاحتمالين سوف يؤديان إلي تقلص أسس عملية السلام, وهذا هو الأخطر, وما يجب أن نتصدي له. لقد آن الأوان ليصدق العرب والأمريكان والمجتمع الدولي أفعال وأقوال نيتانياهو, فالحكومة الإسرائيلية الحالية بنظرتها الليكودية والمتطرفة لا يمكن التوصل معها إلي سلام فلسطيني إسرائيلي حقيقي, نظرا لمعتقداتها الأيديولوجية والعقائدية, وهو أمر لم ينطبق علي سيناء, لكل من يترحم بأيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بيجين, ولليكود مخطط واضح خلال الأعوام الأخيرة, يسعي إلي الآتي: 1 تقويض أسس عملية السلام, فبدلا من إقامة السلام للجميع علي أساس إنهاء الاحتلال أو الأرض مقابل السلام يصبح المبدأ هو إقامة السلام علي أساس الأمر الواقع, أو الأمر الواقع والسلام للجانب الإسرائيلي. 2 تقويض أي أساس لإقامة دولة فلسطينية حقيقية, حتي يقبل الجانب الفلسطيني بالحلول المؤقتة, وهو الحل الذي كان يدفع به الليكود سابقا, ووزير خارجية إسرائيل حاليا ليبرمان, وكذلك حتي السيد اليوت ايرامز نائب مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن. لقد اعاد بنا كل هذا إلي ما كان عليه الشرق الأوسط في السبعينيات بلا سلم ولا حرب, مع اختلاف بسيط وهو أننا بعد أن كنا قد تجاوزنا مسألة الحرب أصبحنا الآن في مرحلة لا حرب ولا سلم وعلي العالم العربي التعامل مع هذا الواقع دون تهور أو تهاون فلا مجال للدخول في حرب عربية إسرائيلية, وإنما علينا تأمين وصيانة أسس عملية السلام العربية الإسرائيلية, طالما اخترنا هذه السبيل كطريق لنا, إلي حين توافر ظروف أفضل, وحكومة إسرائيلية جادة وصادقة في سعيها للسلام, فالشجب والإدانة وحدهما لم يعودا يكفيان, ولجان المتابعة لن نستطيع الوقوف أمام التآكل المستمر في الشرعية الدولية. مما سبق اقترح الآتي: 1 أن تتقدم الدول العربية وأحد أصدقائها بالرباعية الدولية, بمشروع قرار إلي مجلس الأمن للأمم المتحدة يؤكد أن السلام العربي الإسرائيلي هو خيار استراتيجي علي أساس مبدأ الأرض مقابل السلام, وكذلك علي عدم شرعية بناء إسرائيل لمستوطنات في القدسالشرقية مستغلة الصياغات المستخدمة في بيان المجموعة الرباعية الأخيرة في موسكو بقدر الإمكان, وذلك لتجنب استخدام الولاياتالمتحدة حق الفيتو إذا أمكن دون أن يقف ذلك عائقا أمام التقدم بمشروع القرار ووضع كل طرف أمام مسئولياته والتزاماته. 2 أن تعقد الدول العربية عزمها علي التحرك لدي الدول الصديقة والمنظمات الدولية للحصول علي اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية علي أساس الأرض التي احتلت عام1967, وذلك اعتبارا من الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة والمنعقدة في سبتمبر من كل عام, كإضافة علي الاعلان الفلسطيني بإقامة دولتهم عام1988, تأكيدا علي الحق الفلسطيني أمام التعنت الإسرائيلي, و بحث تراجع القمة العربية الاستثنائية في نهاية العام بمراجعة الموقف وما يجب أن تتخذه من إجراءات. بطبيعة الحال لن تحقق هذه الاجراءات إقامة الدولة الفلسطينية في المدي القصير, خاصة إذا استمرت إسرائيل في تماديها, لكننا وللأسف قد عدنا إلي الوراء لأكثر من ثلاثين سنة, ونعيش مرة أخري في مرحلة تغيب عنها حالة الحرب ويتعذر فيها تحقيق السلام, فليس من المنطق التفاوض مع أنفسنا إذا كان شريكنا غير جاد, وإنما علينا الحفاظ علي أسس العملية السلمية علي أمل تغير الظروف السياسية في المستقبل.