جاء الفصل الأخير من المفاوضات بين الحكومة الكولومبية وحركة «القوات المسلحة الثورية الكولومبية «فارك» مبشرا بمصالحة حقيقية لطى صفحات السنوات السوداء التى عاشتها البلاد على مدى أكثر من نصف قرن من الصراع القاسى والذى راح ضحيته الملايين من الأرواح والذى يعد بمنزلة إنجاز تاريخى بالنسبة للبلاد وأمريكا اللاتينية بالكامل . فذلك البلد الذى يحلم مواطنوه بالاستيقاظ يوما ما دون سماع ضجيج ربما كتب له أن يلتقط أنفاسه مع توقيع اتفاق هافانا الذى جاء بعد أربع سنوات من المحادثات الرسمية بين الحكومة والمتمردين. وينص الاتفاق على ستة بنود أساسية أهمها على الإطلاق نزع السلاح من مقاتلى حركة «فارك» الذين يقدر عددهم بنحو 7 آلاف مقاتل فى 31 منطقة معروفة فى كولومبيا ومن المفترض أن تنتهى عملية نزع السلاح خلال 180 يوما، ودمج الحركة فى الحياة السياسية وتقديم الحكومة الكولومبية ضمانات قانونية وأمنية للمتمردين ليتمكنوا من الألتحاق بالوظائف العامة، دون أن يكونوا معرضين للقتل كما حدث فى السابق . كما ينص الاتفاق على وضع إجراءات لتعويض ضحايا النزاع ، أما بالنسبة للذين ارتكبوا جرائم شديدة الخطورة فأنهم سيحاكمون من قبل محاكم خاصة. وفى المقابل أمرت الحكومة بوقف إطلاق النار نهائيا مع فارك التى أوقفت إطلاق النار بالفعل من جانب واحد منذ يوليو 2015. وتعهدت كذلك باتخاذها إجراءات مختلفة تتعلق بالقطاع الزراعى أهمها برنامج لتأمين بدائل للزراعات غير القانونية مثل تجارة الكوكايين ، التى تشكل مصادر التمويل الرئيسية للجماعات المسلحة . وتجدر الإشارة إلى أن مسارات السلام عرفت طريقها بين الحكومة وحركة «فارك» منذ عام 1984 وتوالت عامى 1991 1999 إلا أن جميعها كللت بالفشل وبالفعل كاد هذا المسار الأخير أن يتعثر لعدة مرات ولكن املا جديدا لاح فى الأفق منذ يونيو الماضى بعد الاتفاق على استئناف المفاوضات مرة أخرى فى هافانا عاصمة كوبا . فحركة «فارك» كابوس يؤرق الحكومة الكولومبية فهى آلة هائلة للرعب والقتل الجماعى والمتاجرة بالمخدرات فى كولومبيا ، وقد نسب إليها الكثير من حوادث الاختطاف ومن اشهرها خطف المرشحة السابقة للرئاسة إنجريد بتانكور عام 2002 ، والتى اختطفت لمدة 6 أعوام كما نسب اليها لهم الهجوم بسيارة مفخخة فى نادى «النوبال» فى بوجوتا ، والذى خلف 36 قتيلا فى 2003 . ويرى الخبراء أن الأتفاق مرهون بنجاح الاستفتاء الذى أعلن عنه الرئيس الكولومبى خوان مانويل سانتوس ويجرى فى 2 أكتوبر القادم .ويسوق المعارضون للإتفاقية والمشككين فى نتائجها بآنهم لديهم حجج معقولة لعدم تنفيذها ونجاحها ولعل ابرزها أن الكثير من أبنائهم كولومبيا لا تزال جروحهم باقية ، وآنهم غير واثقين فى وعود المتمردين الذين خطفوا وجندوا ابناهم ، كما أنهم أيضا لا يتصورون العفو عن متمردين قتلوا وشردوا ملايين الأشخاص ولا سيما ان الاتفاق يفتح الطريق أمامهم للمشاركة فى الحياة السياسية، فالعديد من الكولومبيين فى المناطق الحضرية يجدون صعوبة فى تمثيل المتمردين لهم معتبرين أن هذه الصفقة لم تحقق العدالة الحقيقية أو تعوض الضحايا ،إضافة إلى ذلك فإن جزءا من الرأى العام يقوده رئيس كولومبيا السابق ألفارو أوريبى يرى أن الاتفاق يفتح الطريق لإفلات متمردين ارتكبوا «فظائع» من العقاب . وعلى الجانب الأخر نشرت صحيفة «نيويورك تايمز « تقريرا عن زيارة قامت بها إلى معسكر للمتمردين فى مطلع هذا العام، عرضت فيه أن العديد من المقاتلين مستعدين لقبول اتفاق السلام لكنهم عبروا عن خوفهم مما سيحدث لهم عندما تم نزع سلاحهم . كما أضاف التقرير أنه يوجد مصدر آخر للقلق يتمثل فى أن فصائل منشقة عن حركة فارك نفسها أعلنت أنها لن تلقى أسلحتها، بغض النظر عما يقرره المفاوضون فى هافانا، وخاصة أن «هؤلاء المتشددين» من هذه الفصائل المنشقة تأبى مقايضة نصيبها من تجارة الكوكايين مقابل مشاريع تنموية ترعاها الحكومة فى المناطق النائية فى . صحيح أن صعوبات هائلة لا تزال قائمة على ذلك الطريق إلا أن الكثيرين يعربون عن تفاؤلهم أزاء فرص نجاح هذا الاتفاق حيث توجد العديد من الضمانات لتنفيذه بعد أن تم وضع لجنة للمراقبة مشكلة من مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبى ، وفارك والحكومة الكولومبية ، وممثلى عن الأممالمتحدة للتفاوض حول الظروف الأمنية للذين سيتركون السلاح. ووضع الضمانات المناسبة لعدم تعرض حياتهم للخطر كما وتنوى الأممالمتحدة نشر بعثة مؤلفة من450 مراقبا عسكريا فى كولومبيا، غالبيتهم من دول أمريكا اللاتينية مكلفين بعملية تسليم المتمردين أسلحتهم ومراقبة وقف إطلاق النار .