هل تركت لنفسك العنان يوما، وتخيلت بل وحلمت، بأن عجلة الزمن تعود إلي الوراء؟ لا أريد أن تصحب عقلك معي في هذه الأسطر. فالواقع لن يجعلك تفكر فيما ستقرأه بعد قليل. لكن هو مجرد خيال لا أكثر. أريد أن أبحر في مجال أبعد، متجاوزا كل الحدود. أتسائل فقط، ماذا لو لم يهرب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي؟ ماذا لو بقي في تونس، وأخمد ثورة الاحتجاجات التي لم تكن أصلا تطالب برأسه، بقدر ما كانت تطالب بإصلاحات سياسية في البلاد؟ لو حدث ذلك، هل كنا سنشهد ثورة في مصر، وأخرى في اليمن وأخرى في ليبيا، وأخرى في سوريا، وحراك في المغرب والبحرين وفي الأردن والعراق؟! الشيء المؤكد، أن هروب بن علي، هو الذي أشعل فتيل "الربيع العربي"، لأنه وقع شهادة نجاح الثورة التونسية، وكسر تلك القاعدة التي لم يكن يجادل فيها أحد، وهي أن الأنظمة العربية، "قضاء وقدر"، ولن تتغير مهما حصل، بل إن الشعوب تتغير والحكام في أماكنهم لا يزحزحهم من مناصبهم إلا قابض الأرواح. لقد فتح الهروب المفاجئ للرئيس التونسي السابق، الجحيم على كل الحكام العرب، حيث اشتعل الشارع العربي فور نجاح الثورة التونسية، فثار الشعب المصري على الرئيس المخلوع حسني مبارك. ولأن الشعب المصري، أدرك أن النظام يمكن تغييره، كانت الثورة المصرية أكثر إبداعا وتنظيما وإلهاما، وصنع المصريون صورا فريدة للثورة السلمية، وألهموا غيرهم من الشعوب، خاصة الشعب اليمني الذي ملأ الميادين والساحات العامة، وأصر على أن تكون ثورته سلمية، رغم أن الشعب اليمني كله مسلح. وتتابعت الثورات بعد ذلك في ليبيا وسوريا والبحرين والمغرب، وتفاوتت قوتها وانتشارها، ففيما سارع ملك المغرب إلى احتوائها عبر إصلاحات غير مسبوقة، واجه كل من النظام الليبي السابق، والنظام السوري، الثورات بالعنف فتحولت هذه الأخيرة إلى ثورات مسلحة مدعومة من قبل الغرب، كانت نتيجتها المنطقية تدمير البلدين، وانتهى القذافي مقتولا. هذه المقدمة، بمناسبة ما أثير مؤخرا عن ظهور دراسة علمية حديثة، تقول إن المواطنين في تونس ومصر وسوريا، خسروا أشهرا عدة من متوسط أعمارهم، وذلك بسبب ما بات يعرف ب "الربيع العربي"، الذي أدى أيضا إلى تراجع متوسط الأعمار في دول أخرى. وكشفت الدراسة، أن التونسيين خسروا قرابة ثلاثة أشهر من متوسط الأعمار بين عامي 2010 و2013، مع تدهور الظروف التي هددت المكتسبات في القطاع الصحي، التي تحققت في العقدين السابقين، وكذلك الشأن بالنسبة ل مصر واليمن. وبيّنت الدراسة، التي نشرتها مجلة “The Lancet Global Health”، أن متوسط الأعمار في سوريا، انخفض ست سنوات، وأوضحت أن الرجال في سوريا كانوا يعيشون عادة ما يصل إلى 75 عاما قبل النزاع، وبحلول 2013، تراجع هذا المعدل إلى 69 عاما، في حين تراجع متوسط أعمار النساء السوريات من 80 عاما إلى 75 في الفترة نفسها. ونقلت المجلة المتخصصة، عن معد الدراسة علي مقداد، الأستاذ في معهد مقاييس الصحة والتقييم في جامعة واشنطن، قوله إن "النزاعات الأخيرة دمرت البنى التحتية الأساسية في عدد من الدول". كما أدت النزاعات إلى ارتفاع معدل الوفيات لدى الأطفال في بعض الدول، خاصة بسوريا حيث تراجع وفيات الأطفال بمتوسط سنوي بلغ 6% بين عامي 2000 و 2010، قبل ارتفاع بأكثر من 9% سنويا بين 2010 و 2013. وحذر الباحثون، من أن الظروف الصحية تدهورت بشكل إضافي منذ ذلك الحين، ليس فقط في سوريا، وإنما في ليبيا واليمن ولبنان وأفغانستان والعراق والصومال أيضا. وقال مقداد، إن "الربيع العربي"، تحول إلى حروب معقدة، مضيفا، مع تزايد عدد السكان والشيخوخة، هذه النزاعات المستمرة أدت إلى زيادة عبء الأمراض المزمنة والإصابات بشكل دراماتيكي. مشيرا في الوقت نفسه، إلى أن العديد من الأطباء والممرضين غادروا إلى مناطق أكثر أمانا، ما زاد من الصعوبات التي يواجهها القطاع الصحي. وحجب القتال حقيقة الانتقال من أمراض معدية كانت تعتبر السبب الرئيسي للوفاة المبكرة مثل السل، إلى ظروف مرتبطة بأسلوب الحياة مثل أمراض القلب والسكري والجلطات التي تصدرت أسباب الوفيات. لمزيد من مقالات ابراهيم النجار