بات الحديث عن إيجاد حلول غير تقليدية وجديدة لإنهاء الصراع العربى - الإسرائيلى أمرا ملحا، حيث تشعبت جذور القضية، يستعرض «الأهرام » المراحل الأربع التى حددها الدكتور شريف عيسى فى بحثه الجديد - كأحد معالم الإطار التفاوضى الجديد الذى يستهدف بالأساس علاج انحرافات عملية «أوسلو» للسلام. يذكر دكتور شريف عيسى فى بحثه ان عملية السلام تعانى تراجعا ملموسا نتيجة لسببين رئيسيين، أحدهما يرتبط بالتعقيدات ذات الصلة بالموضوعات محل التفاوض، والآخر بالخلل الذى يعانيه الإطار التفاوضى ذاته. تستهدف الورقة البحثية الوقوف بالأساس على عناصر الخلل ذات الصلة بالإطار التفاوضى الثنائى سواء تلك المرتبطة بمحتوى اتفاقات أوسلو أو الطريقة التى تعامل بها الطرفان المعنيان مع هذه الاتفاقات. وأهم الاختلالات المرتبطة بعملية «أوسلو» للسلام: الدخول إلى المفاوضات دونما تحديد الهدف النهائي، فضلاً عن غياب منهج شامل للتعامل مع الصراع.والحديث عن الحلول المفتوحة دونما وضع أى تصور مبدئى للإشكاليات المطروحة، الأمر الذى أدى لتجاوزها كل الجداول الزمنية الموضوعة. كذلك غياب مسار تفاوضى إقليمي، الأمر الذى أدى إلى بزوغ مسارات تفاوضية تجمع إسرائيل بعدد من الدول العربية بعيداً عن المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، وهو ما أضعف القدرات التفاوضية الفلسطينية ليصبح المفاوض الفلسطينى خالى الوفاض أمام نظيره الإسرائيلي. وأيضا قيام القيادة الفلسطينية باستبعاد أطراف فلسطينية أخرى من المسار التفاوضي، ناهيك عن تهميش أدوار أطراف عربية أخرى فاعلة (جامعة الدول العربية- أطراف إقليمية فاعلة). كذلك الصيغة التى طرحها «مناحم بيجين» فى اتفاقات السلام مع مصر (إطار السلام فى الشرق الأوسط)، خاصة ما تم توقيعه بكامب ديفيد فى 17 سبتمبر 1978 حول ما يعرف بالحكم الذاتى الفلسطينى الذى طبقته إسرائيل منذ عام 1982، حيث أتاحت هذه الصيغة استمرار الوجود الإسرائيلى على الأراضى المحتلة (السيطرة على الأرض) دونما تحمل عبء إدارة السكان المدنيين القابعين تحت الاحتلال (الهاجس الديموغرافي). والتراجع غير المبرر فى المواقف الرسمية العربية، ويمكن فى هذا السياق عقد المقارنة البسيطة بين قرارات قمة القاهرة 1964 وقرارات قمة بيروت 2002 التى أنشأت مبادرة السلام العربية، أو المقارنة بين مبادرة الأمير فهد بن عبد العزيز فى قمة فاس 1982 ومبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز (المبادرة العربية لاحقاً) والتى طرحت تطبيعاً شاملاً مع إسرائيل فى مقابل المطالب العربية.وأيضاعيوب متعددة فى الطريقة التى انتهجها المفاوض الفلسطيني، أخذاً فى الاعتبار الفوارق الهائلة فى القدرات التفاوضية الفلسطينية والإسرائيلية (عدم اتساق هيكلى ومعلوماتى بين طرفى عملية المفاوضات). وأخيرا العمل على إقرار صيغة غير عملية للتفاوض تتحدث عن «أنه لا يتم تطبيق أى من البنود التى يُتفق عليها إلا بعد الاتفاق على كامل الموضوعات»، وهو ما أدى إلى عدم حصول الجانب الفلسطينى على أى مكتسبات ميدانية فى مقابل التغييرات الهائلة التى تكرسها السلطات الإسرائيلية لصالحها على الأرض بحكم الأمر الواقع. معالم الإطار التفاوضى الجديد الذى يستهدف بالأساس علاج انحرافات عملية «أوسلو» للسلام: المرحلة الأولى والتمهيدية: بناء الثقة وتحضير الرأى العام فى الجانبين: يٌشرع فى هذه المرحلة عبر تنفيذ خطوات متبادلة لبناء الثقة وتجهيز الرأى العام لدى الجانبين العربى والإسرائيلى (تتضمن هذه المرحلة آلية لضبط النشاط الاستيطانى الإسرائيلى إلى جانب خطوات أخرى يقوم بها الطرفان بالتوازي). المرحلة الثانية: رؤية المجتمع الدولى لإطار الحل الممكن (معالم على طريق الحل الدائم): تسفر المشاورات بين الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة عن التوصل لورقة تتضمن ما يطلق عليه «معالم الحل الدائم- وهو عنوان مرادف لمحددات التسوية ، وذلك تجنباً للحساسية الشديدة التى يعانى منها الطرفان إزاء محددات الصراع، الأمر الذى بات يشكل حاجزاً نفسياً يتعين التحايل عليه، ويكون المطلوب من طرفى الصراع مجرد القبول بهذه الورقة كإطار عام للتفاوض مع الحصول على تأكيدات من المجتمع الدولى بشأن إمكانية تغيير أى من معالم الحل الدائم المُقترحة حال اتفق الطرفان المعنيان على ذلك بنهاية المفاوضات وتحقيق الغرض المطلوب منها، الأمر الذى يليه اعتماد هذه الورقة من قبل مجلس الأمن فى شكل قرار أممي. المرحلة الثالثة: مؤتمر إقليمى لإطلاق المفاوضات: تقوم هذه المرحلة على تفعيل ثلاثة مسارات تفاوضية (المفاوضات الفنية - المفاوضات الثنائية- المفاوضات متعددة الأطراف)، وهو ما سيتطلب مرحلتين للتطبيق يتلخصان فى التالي:المرحلة الأولى: الإجراءات الميدانية التمهيدية: تكوين أربع فرق تفاوضية متعددة الأطراف للتعامل مع 4 قضايا فنية (يختلف تشكيل الفرق التفاوضية من قضية إلى أخرى)، ألا وهى بناء قدرات الدولة الفلسطينية، وتحسين أوضاع مخيمات اللاجئين، ورفع كفاءة المؤسسات الفلسطينية الأمنية، وتسوية أوضاع قطاع غزة (تطرح الدراسة تفصيلات لكيفية تعامل الفرق التفاوضية مع القضايا الفنية، أى النقاط التى يتعين التوصل لتصورات بشأنها خلال المؤتمر، ويتم الشروع بتنفيذ ما يُتفق عليه بشكل فوري).المرحلة الثانية: المفاوضات السياسية: إطلاق مسارين للمفاوضات مكملين لبعضهما البعض، أولهما مسار ثنائى يتضمن قضايا الحل النهائى (التركيز على ملفى الحدود واللاجئين). أما المسار الثانى فيكون ذى طبيعة متعددة الأطراف يغلب عليه المكون الإقليمي، وذلك بغرض التوصل إلى ترتيبات أمنية إقليمية. المرحلة الرابعة: الخطة البديلة : الدفع بخطة تحرك بديلة تضمن الحفاظ على فرص بقاء حل الدولتين حال أخفق الإطار التفاوضى الإقليمى فى تحقيق أهدافه.