طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    وزيرة الهجرة تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    شركة مياه الشرب بالشرقية تنظم قافلة مائية في منيا القمح    وزير الشباب يترأس لجنة مناقشة رسالة دكتوراة في كلية الآداب جامعة المنصورة    توريد 189 ألف طن قمح بكفر الشيخ    فيضانات ألمانيا.. إجلاء المئات ووقف العمل في محطة لتوليد الطاقة الكهربائية    الاحتلال يدمر نحو 300 منزل خلال العملية العسكرية المستمرة على جباليا    لاعب نهضة بركان: مستعدون لجماهير الزمالك.. وسنلعب على التفاصيل    تعليم الإسكندرية: 104 آلاف طالب يؤدون امتحانات الشهادة الإعدادية    غرة ذي الحجة تحدد موعد عيد الأضحى 2024    القبض على 9 متهمين في حملات مكافحة جرائم السرقات بالقاهرة    ضباط وطلاب أكاديمية الشرطة يزورون مستشفى «أهل مصر»    اليوم العالمي للمتاحف.. ما هو أول متحف فتح أبوابه الجمهور؟    نانسي صلاح تهنئ ريم سامي بحفل زفافها .. ماذا قالت؟    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    بطول 64 متر.. كبير الأثريين ب«السياحة» يكشف تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    وزيرة التعاون: العمل المناخي أصبح عاملًا مشتركًا بين كافة المؤسسات الدولية*    قرار جديد من القضاء بشأن إدراج أبو تريكة وآخرين على قوائم الإرهاب    وزير التعليم لأولياء أمور ذوي الهمم: أخرجوهم للمجتمع وافتخروا بهم    قمة كلام كالعادة!    وزارة الدفاع الروسية: الجيش الروسي يواصل تقدمه ويسيطر على قرية ستاريتسا في خاركيف شمال شرقي أوكرانيا    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    ما أحدث القدرات العسكرية التي كشف عنها حزب الله خلال تبادل القصف مع إسرائيل؟    "النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    اليوم.. 3 مصريين ينافسون على لقب بطولة «CIB» العالم للإسكواش بمتحف الحضارة    لماذا يصاب الشباب بارتفاع ضغط الدم؟    بعد حادث الواحات.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي    أستاذ طب وقائي: أكثر الأمراض المعدية تنتشر في الصيف    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالي    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    طريقة عمل الكيكة السحرية، ألذ وأوفر تحلية    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    ياسمين فؤاد: تطوير المناهج البيئية بالجامعات في مباحثات مع «البنك الدولي»    متاحف مصر تستعد لاستقبال الزائرين في اليوم العالمي لها.. إقبال كثيف من الجمهور    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    "الصحة": معهد القلب قدم الخدمة الطبية ل 232 ألفا و341 مواطنا خلال 4 أشهر    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    أسعار الدواجن اليوم السبت 18 مايو 2024.. 83 جنيهًا للفراخ البيضاء    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرص ومعوقات التسوية السلمية للصراع العربى الإسرائيلى
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 07 - 2016

تعانى عملية التسوية السلمية للصراع العربى الإسرائيلى، خاصة فى جانبها المتعلق بالقضية الفلسطينية، من تعثر وفشل يلاحقانها كالقدر، منذ أوسلو فى عام 1993، وهذه التسوية تنتقل من فشل لآخر، وما أن تتقدم خطوة إلى الأمام حتى تعود خطوتين إلى الوراء، تشبه عملية التسوية إحدى الديانات الوثنية القديمة التى يتذكرها بعض مريديها بين الفينة والفينة، فيقومون بتأدية شعائرها وطقوسها بطريقة روتينية ومكررة، وفى الكثير من الأحيان مملة وكأنهم لا يؤمنون بها فعلاً ولا يعتقدون فى جدواها، أو أنهم فقدوا الثقة فى مبادئها والأسس التى تقوم عليها.
وفى كل مرة تقام شعائر وطقوس هذه التسوية ينقسم المراقبون، ليس فحسب العرب بل والأجانب أيضاً، ما بين متفائل ومتشائم بمصير هذه الجولة من التسوية أو الجولات المتتالية منها، وغالباً ما يكون الصواب فى جانب المتشائمين، باختصار لأنهم يرون ما لا يراه المتفائلون أو لأنهم يركزون على مكمن الخلل فى تلك العملية التى يبدو وكأنها حلقة شريرة ومفرغة، وتعود إلى المربع رقم واحد أو نقطة الصفر، يختصر المتشائمون أسباب الفشل فى عنوان عريض ألا وهو اختلال موازين القوى لصالح الطرف الأقوى أى إسرائيل، ليس فحسب على الصعيد الفلسطينى الإسرائيلى، بل أيضاً على الصعيد العربى الإسرائيلى.
يركز كلا الفريقين أى المتشائمين والمتفائلين على جانب واحد من الصورة ويصدر حكم بناءاً على ذلك فالأولون لا يرون سوى اختلال موازين القوى باعتباره السبب الأول لفشل عملية التسوية، فى حين أن المتفائلين يرون عملية التسوية من خلال ضرورتها لمستقبل الطرفين الأقوى والأضعف فى آن واحد، فالإسرائيليون ورغم خلل موازين القوى بحاجة إلى التسوية للحصول على الأمن والاعتراف والشرعية فى الإقليم، بينما أن الفلسطينيين يريدون التسوية لضمان بعض حقوقهم فى الحدود الدنيا المعترف بها فلسطينياً وعربياً ودولياً المتمثلة فى الدولة الفلسطينية فى الأراضى التى احتلت عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين والحدود والمياه وذلك لأن أوراق القوة التى يمتلكونها لا تمكنهم من انتزاع هذه الحقوق بالقوة.
وبعيداً عن التفاؤل والتشاؤم والانقسام بين مؤيدى الأول ومؤيدى الثانى، فإن هذه الورقة تستهدف رسم صورة تقريبية – من وجهة نظر صاحبها- لفرص ومعوقات عملية التسوية السياسية والسلمية للصراع العربى - الإسرائيلى والصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، وتستند هذه الورقة إلى بعض الافتراضات أولها أن هذه الفرص المتاحة أمام التسوية وتلك المعوقات التى تعترض طريقها متداخلان على نحو فريد ومرتبطان أحدهما بالآخر بحيث أنه فى بعض الأحيان يمكن أن نشكل الفرصة دافعاً وعائقاً فى الوقت ذاته أمام السير فى عملية التسوية والمثال البارز هنا – كما سنبين لاحقاً- مخاوف الأطراف المختلفة الفلسطينى والإسرائيلى، فهذه المخاوف تمثل حيناً دافعاً للاتجاه صوب التسوية وحيناً آخر تمثل عائقاً يدفع نحو الإحجام عنها.
أما الافتراض الثانى فيتلخص فى أن المعوقات لتلك العملية تبدو فى الوقت – الراهن على الأقل- أكبر من الفرص المتاحة أمام هذه العملية بدليل فشل التسوية عبر حلقاتها الممتدة منذ أوسلو عام 1993، وأن نصيب كل من الفرص والمعوقات فى عملية التسوية يتوقف على ظروف سياسية وبيئة استراتيجية تحيط بالأطراف المختلفة، وأن هذه الظروف وتلك البيئة بمعطياتها قد تزكى الفرص وقد تزكى المعوقات، باختصار فإن معادلة الفرص المعوقات فى مجرى عملية التسوية أشبه بموجات المد والجزر التى تجد تفسيرها فى المناخ والبيئة السياسية التى تحيط بأطراف عملية التسوية.
أما الافتراض الثالث فيتلخص فى أن فرص ومعوقات عملية التسوية ليست معطيات أبدية جامدة أو سرمدية ملتصقة بعملية التسوية، بل هى معطيات متغيرة وقابلة للتغيير والتفسير وهى عمليات ذهنية ومعرفية وإدراكية إنسانية يمكن التأثير فيها والحد من آثارها وتطويعها بدرجة أو بأخرى إذا ما توفرت الإرادة الإنسانية وحسن النية والثقة المتبادلة بين الأطراف.
وبلا شك، فإن التشخيص الموضوعى للفرص والمعوقات أمام عملية التسوية، البعيد عن التضخيم والتهوين إن من هذه الفرص أو تلك المعوقات، قد يساهم فى الدفع نحو التفكير فى إعادة النظر فى عملية التسوية على أسس جديدة أو إعادة هيكلتها على نحو آخر وربما يساهم كذلك فى تغيير طبيعة المقاربات التى تتبناها الأطراف المختلفة للمشكلات موضوع التفاوض ويوضح من جهة ثانية متطلبات الدخول فى تسوية ناجحة تحقق مصالح كل الأطراف.
أولاً: الفرص المتاحة أمام عملية التسوية:
تشتمل هذه الفرص على عناصر وعوامل عديدة تنتمى إلى المجتمع الدولى والمجتمع الفلسطينى والعربى والمجتمع الإسرائيلى وهذه العناصر كانت قد بدت فى الظهور مع بدء عملية التسوية فى مدريد وبعدها فى أوسلو ورغم الفشل الذى عانته هاتان الحلقتان من التسوية فإن ذلك لا يقلل من أهمية هذه العناصر رغم تغير المعطيات، بل تبقى فى مجملها قابلة للحياة والاستدعاء مع استمرار الحاجة إلى التسوية لصراع الشرق الأوسط وعدم تنكر أى من الأطراف لضرورة هذه العملية واستمرارها.
وهذه الفرص تنبع من طبيعة القضية الفلسطينية وتاريخ تكوينها وتشكيلها، فمنذ البدء أصبحت القضية الفلسطينية فلسطينية وعربية ودولية فى آن واحد واستمرت هذه المكونات فى صلب هذه القضية مع اختلاف تأثير هذه المكونات من حقبة لأخرى ورغم ذلك فإن تلازم هذه المسارات الفلسطينية العربية الإسرائيلية الدولية لا يزال هو الظهير الأساسى لحل هذه القضية وتسويتها فى أفق مقبول إسرائيلياً وفلسطينياً ويمكننا تشخيص هذه الفرص المتاحة أمام عملية التسوية على النحو الآتى:
1- القبول الدولى والعربى والفلسطينى لحل الدولتين:
لا شك أن الاعتراف الدولى الواسع بضرورة ومنهجية حل الدولتين أى دولة فلسطينية فى الأراضى التى احتلت عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية والتفاوض حول حل قضية اللاجئين والمياه والحدود، يعتبر فرصة طيبة للتسوية ذلك أن استحضار هذا البعد الدولى المتمثل إن فى القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والصين وروسيا الاتحادية أو فى هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة من شأنه أن يمثل ضغطاً وإن ناعما على إسرائيل كما أنه يعوض جزئياً الخلل فى موازين القوى بين إسرائيل والعرب والفلسطينيين ويعزز الحق الفلسطينى فى مواجهة القوة الإسرائيلية.
اسع لحل الدولتين يبدو ضرورة لابد منها لتكثيف الضغوط على إسرائيل وإخراج المواقف الدولية من الخطاب إلى الفعل والممارسة وهذا الموقف يرتبط بالضرورة بنهوض الموقف الفلسطينى والعربى عبر توحيد الصف الفلسطينى ورأب الصدع فى الجبهة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وتبنى الدول العربية مواقف أكثر صلابة فى الدفاع عن الحق الفلسطينى فى المحافل الدولية وفى اللقاءات المشتركة.
إن هذا الموقف الدولى يمثل ركيزة أساسية للموقف الفلسطينى والعربى فى مواجهة إسرائيل ولا ينبغى الاستهانة به حتى لو ظل فى المستوى الحالى، لأنه أولاً استدعاء للمسؤولية الدولية فى نشأة هذا الصراع ونشأة القضية الفلسطينية, ولأنه ثانياً ورقة إضافية تعزز الموقف الفلسطينى والعربى فى ضوء الخلل فى موازين القوى الحالية، إن استمرار هذا البعد الدولى فى القضية الفلسطينية من شأنه أن يجعل القضية الفلسطينية قضية دولية معولمة وتسويتها ضرورة ليس فحسب للفلسطينيين أو الإسرائيليين بل للعالم كله.
وذلك يتطلب تفعيل الحضور العربى دولياً فى المنظمات والهيئات الدولية المختلفة، وكذلك الدفع لخلق لوبيات عربية من العرب المقيمين بصفة خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية ودعم الرواية الفلسطينية والعربية لتاريخ الصراع فى الدوائر الإعلامية الغربية.
حقق الشعب الفلسطينى والقيادة الفلسطينية الحالية نجاحاً مهماً ينبغى البناء عليه، تمثل ذلك فى اعتراف هيئة الأمم المتحدة بفلسطين كعضو مراقب، كما اعترفت النرويج والسويد بالدولة الفلسطينية وتفكر دول أوروبية أخرى فى أن تحذو حذو هذين البلدين، كما سبق ذلك اعتراف مجلس العموم البريطانى بالدولة الفلسطينية.
هذه الإنجازات وإن بدت حتى الآن رمزية فى نظر الكثيرين وغير مؤثرة فى الموقف الإسرائيلى على الأرض فإنها من زاوية أخرى قد تمثل حلقات فى مسلسل الضغوط الدولية الذى يفضى إلى إنجاح التسوية والتأثير بالسلب على صورة إسرائيل الخارجية.
2- تراجع مقولة "أرض إسرائيل الكاملة".
إن كان ثمة من إيجابية للتفاوض الفلسطينى الإسرائيلى طيلة العقدين المنصرمين فهى تتمثل فى قبول إسرائيل الطوعى أو الإكراهى على التفاوض حول الأرض التى كانت تعتبرها "أرض إسرائيل الكاملة" أى قبول التفاوض للتخلى عنها للشعب الفلسطينى خاصة الضفة الغربية حتى ولو اتخذ هذا التخلى شكل إعادة الانتشار كما نص على ذلك أوسلو، فهذا التخلى أو إعادة الانتشار تم بهدف تمكين الفلسطينيين من السيطرة على هذه الأراضى والاعتراف ضمنياً بأن هذه الأرض تخص الفلسطينيين بعد أن كانت فى وقت سابق جزء من "أرض إسرائيل الكاملة" أو أراضى متنازع عليها أو أراضى دون صاحب سيادة.
هذا التحول الذى رافق توقيع اتفاق أوسلو أفضى إلى تغير النظر للأمن الإسرائيلى وارتكاز هذا الأمن على ترتيبات سياسية تتعلق بالتسوية بدلاً من ارتكازه على السيطرة على الأرض، وذلك بعد انتشار تقنية استخدام الصواريخ البلاستية وامتداد هذه الصواريخ لتطال الأراضى الإسرائيلية فى حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت.
ومع ذلك فإنه رغم تعثر مسار أوسلو وتغير الظروف فإن هذا التغير لم يتم الارتداد عنه أو النكوص عنه، فقد تبين لعديد من أفراد النخبة الإسرائيلية إن فى المؤسسة العسكرية والأمنية أو المؤسسة السياسية أنه "لا يمكن السيطرة على ثلاثة ملايين ونصف فلسطينى" كما قال الإرهابى المتطرف "آرييل شارون" وأن الدولة الفلسطينية "مصلحة إسرائيلية" على حد تعبير "إيهودا أولمرت" وحتى نتنياهو ورغم ديماجوجيته وتطرفه فإنه يعترف بدولة فلسطينية وإن كانت منزوعة السلاح.
3- الديموجرافيا والجغرافيا:
الصراع بين الديموجرافيا الفلسطينية والإسرائيلية يزيد من مخاوف الإسرائيليين بإمكان تحويل دولتهم إلى دولة ثنائية القومية إذا ما أخذ فى الاعتبار الحقوق الجماعية للفلسطينيين أو دولة واحدة ديموقراطية إذا ما أخذ فى الاعتبار حق المواطنة على الصعيد الفردى، وهذه المخاوف لدى الإسرائيليين تدفع فى اتجاه الانفصال عن الفلسطينيين أو الفصل بينهم وبين إسرائيل.
وفى جميع الحالات فإن ميزان القوى الديموجرافى بين إسرائيل وفلسطين يمثل هاجساً كبيراً لدى النخبة الإسرائيلية ويدفعها للبحث عن مخارج لتجنب مخاوف هذا التوازن الديموجرافى المقبل فى دولة أنشئت منذ البداية لتكون دولة يهودية، ومن بين هذه المخارج مخرج التسوية والانفصال عن الفلسطينيين "هم هنا ونحن هناك" على حد تعبير إيهود باراك.
ويزداد هذا الهاجس الديموجرافى قوة فى إسرائيل لسببين إضافيين أولهما نضوب مصادر وموارد الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، أو تقلصها إلى حد كبير وثانيهما أنه ليس بمقدور إسرائيل السيطرة على معدلات نمو الديموجرافيا الفلسطينية ووجود محاذير دولية وإقليمية وفلسطينية عديدة حول حل "الترانسفير" أى نقل الفلسطينيين ودفعهم للهجرة إلى أماكن أخرى.
4- تآكل صورة إسرائيل كضحية:
احتفظت إسرائيل منذ نشأتها بصورة الضحية الأولى الاستثنائية فى العالم وذلك استناداً إلى أحداث "المحرقة" النازية لليهود، فما حدث لليهود إبان هذه الفترة لم يحدث لشعب آخر، فاليهود ضحية تمتاز بالتفرد والاستثناء.
والحال أن هذه الصورة أى صورة الضحية الأولى الاستثنائية ظلت لعقود منذ نشأة الدولة حكرا على إسرائيل واليهود، بيد أن هذه الصورة تتعرض للتآكل بعد ارتكاب إسرائيل المجازر فى حق الفلسطينيين.
اكتشف الرأى العام أو قطاعات كبيرة منه على الأقل أن لهذه الصورة وجهاً آخر، يتمثل فى وجود ضحية أخرى للجرائم الإسرائيلية تتمثل فى الشعب الفلسطينى وأن هذه الصورة الأخلاقية والرمزية التى تريد إسرائيل الاحتفاظ بها ليست كل الحقيقة، بل ثمة وجه آخر للحقيقة هم اضطهاد إسرائيل للشعب الفلسطينى الذى يسعى إلى التحرر من الاحتلال وممارسة حقوقه فى تقرير المصير والدولة.
5- حدود القوة الإسرائيلية:
رغم تفوق إسرائيل النوعى واختلال ميزان القوى لصالحها فإن القوة الإسرائيلية لم تتمكن حتى الآن من فرض المفهوم الإسرائيلى للسلام، بل لم تتمكن من إخضاع الشعب الفلسطينى وإسكات صوته، بل العكس هو الصحيح فكلما مضت إسرائيل فى استخدام قوتها، كلما ارتفع الصوت الفلسطينى وازداد التعاطف مع قضيته ومعاناته على الصعيد الدولى.
فى المعادلة الفلسطينية الإسرائيلية يقف الحق الفلسطينى القانونى والتاريخى فى مواجهة القوة الإسرائيلية، وتفضى هذه المعادلة إلى تآكل تأثير القوة المجردة فى مواجهة مطالب الشعب الفلسطينى التى تقرها كافة الأطراف، خاصة فى ضوء البيئة الاستراتيجية الجديدة التى تواجهها إسرائيل.
لقد اكتشفت إسرائيل إبان انتفاضة عام 1987، صعوبة إخضاع الفلسطينيين بالقوة العسكرية وأن الحل السياسى هو المخرج الوحيد، وأن السيطرة على الفلسطينيين بطريقة مباشرة تزداد صعوبة ومكلفة لإسرائيل، ولذلك اتجهت صوب التسوية السياسية فى مدريد وبعد حرب الخليج ثم بعدها أوسلو.
لقد وضح لإسرائيل من خلال الممارسة أن اختلال موازين القوى لصالحها لا يفضى أوتوماتيكياً إلى نتائج تعزز الموقف الإسرائيلى، ذلك أن الطرف الآخر الفلسطينى يمتلك أوراقا مؤثرة فى مجرى الواقع منها قوة الضعف، وهذا يعنى أن الطرف الضعيف فى المعادلة يحظى موقفه بقوة أخلاقية ورمزية مؤثرة فهو يمتلك الحق بالمعنى القانونى والتاريخى وفق الشرعية الدولية.
6- استمرارية الكفاح الفلسطينى:
انتقل الكفاح الفلسطينى من المقاومة العسكرية إلى المفاوضات السياسية، ومع توالى هذه المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود، لم يتوقف الشعب الفلسطينى عن الكفاح بكافة أشكاله السلمية والعنيفة وهو الأمر الذى أبقى على استمرارية الكفاح الفلسطينى.
تعرض الكفاح الفلسطينى لأزمات عديدة فى كل من الأردن ولبنان ومع ذلك فإن هذا الكفاح شهد عقب كل أزمة مرحلة جديدة اكتسب فيها مشروعية عربية وإقليمية ودولية، وبالرغم من أن إسرائيل ارتكبت العديد من الجرائم فى حق القيادات والكوادر الفلسطينية والنضال الفلسطينى، إلا أنها لم تتمكن من إسكات الصوت الفلسطينى.
هذه بعض ملامح ومعالم الفرص المتاحة أمام عملية التسوية السلمية للصراع العربى الإسرائيلى، بيد أنه يجب التنويه بأن وجود مثل هذه الفرص أمام التسوية لا يعنى بالضرورة أو حتماً التوصل إلى مثل هذه التسوية، بل يتوقف الأمر أولا على الوعى بوجود هذه الفرص ويتوقف ثانياً على توفر الإرادة لدى الأطراف المختلفة لاستثمار هذه الفرص من أجل إنجاز هذه التسوية وثالثاً وليس أخيراً يتوقف على مدى تكييف كل من الأطراف لمثل هذه الفرص ومقاربته لها وتكيفه مع محصلتها لتجاوز العثرات والمعوقات التى تحول دون التوصل إلى تسوية تبدو ممكنة فى الأفق رغم تعثرها.
ثانياً: معوقات عملية التسوية:
تشمل خريطة معوقات عملية التسوية السياسية للصراع العربى الإسرائيلى والصراع الفلسطينى – الإسرائيلى العديد من الموانع والعوائق التى تعترض طريق التسوية، وتجعل الأطراف تحجم عن اتخاذ القرارات الاستراتيجية المطلوبة وتقديم التنازلات الضرورية لصياغة هذه التسوية.
وتنخرط هذه الموانع والعوائق التى تعترض طريق التسوية فى منظومات قيمية وثقافية ودينية وسياسية وتاريخية واستراتيجية ونفسية وهوياتية أى تتعلق بالهويات- لدى الأطراف المختلفة فى عملية التسوية أى الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذه الموانع والعوائق تمارس تأثيرها على أطراف هذه العملية وتحول دون اتخاذ القرارات المناسبة وتهيئ بيئة مناسبة لفشل التسوية وإعادة إنتاج هذا الفشل.
تتركز هذه الموانع فى الجذور العميقة للصراع العربى الإسرائيلى وهوية الأطراف ومنظومة القيم ومنظومات الاعتقادات والروايات التاريخية والذاكرة الجماعية لدى الأطراف المختلفة للصراع، وتبرز هذه الموانع الفروق الجوهرية التى تفصل بين الأطراف إن فى التعامل مع سمات الصراع ومكوناته أو فى التعامل مع الحلول الممكنة.
وتمثل هذه الموانع والعوائق المكونات والمعالم الأساسية لخلفية التفاوض والعملية السلمية وهى المرجعية التى على ضوئها يمكن تبرير النكوص والارتداد عن التنازلات والقرارات الضرورية لإنجاح عملية التفاوض، كذلك فإنها تمثل المخزون العميق المتجذر فى وعى ولا وعى المتفاوضين بطبقاته الموروثة والمكتسبة والتى توجه مواقف المتفاوضين وتغذيها معرفياً وإدراكياً بمسوغات ومبررات التراجع والرفض.
وبمقدورنا أن نرصد بعض هذه الموانع والمعوقات التى تعترض عملية التسوية على النحو الآتى:
1- القيم المحمية كمانع للتسوية:
هذه القيم تعتبر قيما أساسية تنفرد بها مجموعة اجتماعية دون غيرها من الجماعات، وتحظى هذه القيم فى نظر هذه المجموعة بقداسة خاصة وحماية من انتهاكها وتتميز بأنها تستعصى على التسوية والتنازل أو التبادل، ويمكن أن تنخرط هذه القيم فيما يسمى "التابوTabou " أو المحظور الذى يعد انتهاكه اختراقاً للقواعد الأخلاقية والقيم المجتمعية فى نظر هذه المجموعة أو تلك.
وعلى ضوء خبرة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وفشلها، يمكن اعتبار التفاوض حول بعض القضايا فى مجرى الصراع العربى الإسرائيلى مثل قضية الحدود الدائمة والاستيطان والقدس واللاجئين الفلسطينيين والطريق المسدود الذى ينتهى إليه التفاوض بشأن هذه القضايا، باعتبارها قضايا تتعلق بهذه القيم المحمية، فكلا الطرفين يتعامل مع الحوض التاريخى المقدس والمسجد الأقصى و"حائط المبكى" والهيكل باعتباره قيما محمية لا يجوز انتهاكها، كما أن الفلسطينيين يتعاملون مع حق العودة للاجئين الفلسطينيين من عام 1948 باعتباره حقاً مقدساً وقيمة محمية لا تخضع للمساومة والتنازل والصفقات.
ومع ذلك فإنه بتوافر الإرادة السياسية وصدق النوايا فى التوجه لإنجاز تسوية قد يساعد ذلك فى تدبير استراتيجيات مختلفة إزاء تقليل المعارضات القيمية للتسوية وإخضاعها لصفقات، على غرار اللجوء للتدويل أى تدويل بعض الأماكن المقدسة وعدم خضوعها لأى طرف أو التفكير فى تحويل هذه القيم المحمية إلى مصالح ومنافع متبادلة بين الأطراف.
2- المعتقدات والروايات التاريخية:
يساهم نظام المعتقدات لدى الأطراف المختلفة فى تعويق الاتفاق والتسوية، سواء كانت هذه المعتقدات فكرية دينية أو أيديولوجية، وتتركز هذه الموانع فى مختلف العمليات الإدراكية والمعرفية حول الصراع وجذوره وتاريخه وسماته والأساطير التى نشأت حول نشأته واستمراره، ومن شأن هذه العمليات الإدراكية والمعرفية أنها تمثل ذخيرة نفسية لدى الأطراف تقود إلى عمليات انتقائية ومتميزة وتجهض دخول معلومات جديدة يمكنها أن تفتح الباب أمام تسوية ناجحة للصراع.
فالاعتقاد مثلاً بديمومة الصراع العربى الإسرائيلى يدخل ضمن هذه المعتقدات، فهو يحجب التغير ورؤية هذا التغير فى بيئة الصراع وكذلك يحجب المعلومات التى يمكن أن تتوافر حول طبيعة هذا التغير ومجراه، وعلى العكس من ذلك يغذى استمرارية الصراع والتحيز فى تفسير مواقف الأطراف.
يدخل ضمن نظام المعتقدات الرؤى الدينية للصراع فى كلا الجانبين ودور القيم الدينية كما يراها المفسرون والذين بدورهم فاعلون فى الصراع بدرجة أو بأخرى، والصور المتبادلة لدى الأطراف على أسس دينية يحتفظ أطراف الصراع بروايات تاريخية مختلفة ومتضاربة وتمثل هذه الروايات جزءاً كبيراً من خلفية المفاوضين وعملية التفاوض 3- الصور المتبادلة بين الأطراف:
يبرز من بين موانع وعوائق عملية التسوية، تلك الصور المتبادلة بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى، وهى صور سلبية، رسمت ملامحها من خلال مجريات الصراع وتغذيها وسائل الإعلام ومناهج التعليم وتلعب هذه الصور السلبية المتبادلة دورا مهما فى تعويق عملية التفاوض وتعزيز النظرة السلبية للطرف الآخر وتبرير فقدان الثقة فيه وفقدانه للمصداقية.
وترتكز هذه الصور على الأحكام المسبقة والمتحيزة التى تبدو وكأنها خلاصة التجربة الجماعية مع الطرف الآخر وتمتاز بسهولة الفهم والاستيعاب والانتشار لأنها تمثل ظاهريا قمة الحكمة التى تمكنت الجماعة من استخلاصها.
والصورة الإسرائيلية للعربى الفلسطينى تعتبر جزءاً من الصورة الغربية الاستشراقية للعربى المسلم فى فترة معينة من تطور النظرة الاستشراقية، فذلك العربى الفلسطينى بدائى متخلف لا يفكر بشكل منطقى وعقلانى ويحتقر الحيوانات والنساء وهو مؤخراً إرهابى عنيف لا يحترم الحق فى الحياة، وكاره لنفسه وللآخرين.
كما أن الصورة العربية والفلسطينية لليهودى التى ترتكز على مقولات ميثولوجية تختصر اليهودى الإسرائيلى فى أنه عنصرى واستعلائى ومتغطرس ويشعر بالتفوق وينظر للآخرين نظرة دونية.
وهذه الصور المتبادلة السلبية، تلعب دوراً حاسماً فى صياغة الوعى وتشكيل الاستجابات إزاء المواقف المختلفة للأطراف وتمثل فضلاً عن ذلك أطر مرجعية لمدونات السلوك وبلورة الاتجاهات لدى الرأى العام إزاء القضايا المختلفة.
4- خلو المشروع المؤسس لإسرائيل من تصورات ما بعد قيامها:
تعانى إسرائيل من مشكلة وجودية، ذلك أن المشروع المؤسس لإسرائيل الذى وضعه هرتزل فى نهاية القرن التاسع عشر، يبدو أنه وصل لمنتهاه بقيام إسرائيل بعد عدة عقود، انتصرت إسرائيل فى الحروب العديدة ضد الدول العربية، وأصبحت القوة الإقليمية المهيمنة على مجريات الحرب والسلام، بيد أن هذا المشروع المؤسس لإسرائيل لم يقل شيئاً عن مرحلة ما بعد إقامة إسرائيل وما بعد انتصارها.
تجنب هذا المشروع الإجابة على أسئلة من قبيل كيف سيكون موقع إسرائيل فى المنطقة المحيطة بها وما دورها عندئذ وما هى علاقتها بالفلسطينيين أصحاب الأرض التى احتلتها واستوطنتها وارتكبت بحقهم المجزرة تلو الأخرى، وبالإضافة إلى ذلك فقد خلا المشروع المؤسس لإسرائيل من تصور حول طبيعة التسوية المنشودة وهل يمكن أن تتم على ضوء حل الدولتين أو دولة ثنائية القومية أو إلغاء الوجود المادى والسياسى للشعب الفلسطينى.
ولم تجتهد النخبة الإسرائيلية عمالية أو ليكودية فى صياغة تصور موحد لهذه المرحلة التى أعقبت قيام الدولة الإسرائيلية وانتصارها، وربما يفسر ذلك الفشل المتعاقب للتسوية فى ظل العمل والليكود وكاديما.
5- اختلاف مرجعيات التفاوض:
لم تتشكل بعد مرجعية واحدة للتفاوض لدى الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى على الأقل من الناحية الواقعية، ورغم اعتماد المفاوضات نظريا على قرارى مجلس الأمن 242، 338 فإنه فى ممارسة التفاوض وفى مجرى عملية التفاوض تبدو الهوة عميقة بين الطرفين فالجانب الفلسطينى يتبنى المرجعية الدولية لعملية التفاوض الممثلة فى القرارين المذكورين بالذات، ويعتقد أن الحق الفلسطينى المعترف به دولياً فى هذه القرارات يعوض افتقاد التوازن فى القوى بين الجانبين، فى حين أن الجانب الإسرائيلى يدير عملية التفاوض على ضوء قاعدة ميزان القوى، وبما أنه الأقوى فى معادلة التوازن على الأرض فإنه يحاول أن يفرض مفهومه للتسوية على الجانب الفلسطينى الذى يفتقد إلى القوة، وهو المفهوم الذى يحدد شكل معالجات كافة القضايا المطروحة سواء تعلق الأمر بالأمن أو الأرض أو المستوطنات أو طبيعة الدولة الفلسطينية والقدس، يطرح الجانب الإسرائيلى على قاعدة ميزان القوى مفهوماً للتسوية لا يلبى متطلبات الحد الأدنى المقبول عربياً وفلسطينياً ودولياً.
أما بخصوص قرارات مجلس الأمن والمرجعية الدولية فإن الجانب الإسرائيلى لا يكترث بها، بل دأب دائماً على الاستخفاف بها، كان شامير يرى أن إسرائيل نفذت 90% من القرار 242 بانسحابها من سيناء وفق المعاهدة المصرية الإسرائيلية.
6- الالتباس فى مفهوم الأراضى المحتلة:
الأراضى الفلسطينية التى احتلت فى عام 1967 عن طريق العدوان الإسرائيلى هى من وجهة النظر الإسرائيلية جزء من أرض إسرائيل الكاملة" ولأنه تبين لإسرائيل صعوبة تحقيق هذا المفهوم فإن هذه الأراضى أصبحت "أراضى متنازعا عليها" أى ليس لها صاحب ذو سيادة يمكن التفاوض معه، بل إن هذه الأراضى هى "يهودا والسامرة" فى اللغة العبرية، ونتيجة هذه الأفكار الإيديولوجية الدينية الصهيونية فإن إسرائيل فى أوسلو وتوابعها أصرت على عدم استخدام كلمة الانسحاب بل كلمة "إعادة الانتشار" فالأولى تعنى أن هذه الأراضى محتلة, أما الثانية فهى على الأقل تشكك فى توصيف الطبيعة القانونية لهذه الأراضى.
باختصار تنكر إسرائيل طبيعة الاحتلال وتستخدم تعبيرات ومسميات تخفى طبيعة الاحتلال وذلك لتبرير التعنت فى الانسحاب وإرجاء الإقرار بحقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه.
هذا الغموض والالتباس يكشف أولاً عن سوء النية الإسرائيلية المبيتة ويبرر ثانياً المماطلة والتسويف فى المفاوضات والحرص على عدم وصولها للنهاية المتوقعة من الطرف الآخر.
7- الأمن المطلق:
هاجس إسرائيل الأول فى المفاوضات هو الأمن وذلك بسبب نمط العقلية الذى تتبناه المؤسسة العسكرية والأمنية والسياسية فى إسرائيل، ومفهوم إسرائيل للأمن يتحدد وفق هواها ورؤيتها لهذا الأمن من وجهة النظر الإسرائيلية والغريب فى الأمر أن الطرف الأقوى هو الذى يفرط فى الحرص على الأمن.
الأمن من وجهة النظر الإسرائيلية ليس مجرد ترتيبات سياسية متفق عليها مع الطرف الآخر بل هو ترتيبات تفرضها وتراها إسرائيل رادعاً للطرف الآخر، كما أن إسرائيل لا ترى فى الأمن إجراءات وترتيبات تبادلية تحفظ أمن الطرفين بل ما يهمها هو أمن إسرائيل وأمن المستوطنين واليهود ولا تكترث بأمن الفلسطينيين.
وبالرغم من أن الطرف الفلسطينى تمتع بدرجة من المرونة لقبول بعض الترتيبات الأمنية التى تراها إسرائيل خاصة بمواقع الإنذار المبكر وغيرها فإن الأمن من وجهة النظر الإسرائيلية يبدو التمسك به والمغالاة فيه كسبب وجيه لإفشال وتعويق التسوية.
ولا شك أن الانسحاب الإسرائيلى من الأراضى الفلسطينية والتوصل إلى تسوية مقبولة هو أكبر ضمان للأمن الإسرائيلى أما الأمن المطلق فى ظل استمرار الصراع والتنكر لحقوق الشعب الفلسطينى فهو مستحيل.
8- الانحياز الأمريكى لإسرائيل:
فى كافة مراحل التفاوض برعاية الولايات المتحدة الأمريكية انحاز الطرف الأمريكى للمطالب والرؤية الإسرائيلية وحرص على أخذ هواجس إسرائيل فى الاعتبار سواء تعلقت هذه الهواجس بالأرض أو الأمن أو الدولة الفلسطينية بينما لم يأخذ فى الاعتبار رؤية ومواقف الطرف الفلسطينى ولم تحظ مواقف المفاوض الفلسطينى بالتعاطف والرعاية رغم مشروعيتها الأخلاقية والسياسية والقانونية طبيعة الانحياز الأمريكى لإسرائيل متجذرة فى السياسات الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى، إذ يحرص الجانب الأمريكى على الإبقاء على التفوق الإسرائيلى فى المنطقة كما يحرص على الانحياز لإسرائيل فى مجلس الأمن وغيره من المحافل الدولية.
هذا الانحياز الأمريكى بالرغم من وضوح تفسيره فى الثقافة والسياسة إلا أنه يمثل عائقاً أمام انجاز أية تسوية مقبولة دولياً وعربياً خاصة مع افتقاد بديل لدور الولايات المتحدة أقل انحيازا لإسرائيل.
9- التنازلات الفلسطينية والإسرائيلية:
التنازلات التى أقبلت عليها الأطراف فى عملية التسوية ليست متوازنة، ففى حين أن الجانب الفلسطينى قدم تنازلات مبدئية لا يمكن التراجع عنها كالاعتراف بإسرائيل، قدمت إسرائيل تنازلات يمكن ببساطة الرجوع عنها كإعادة الانتشار الذى تراجعت عنه مع تفاقم الأوضاع أثناء الانتفاضة الثانية.
عدم التناسب بين التنازلات، فتح شهية إسرائيل على المزيد من التنازلات الفلسطينية دون أن يرتبط ذلك بتنازلات إسرائيلية مماثلة أو دون ضمانات كافية، وهكذا تتطلع إسرائيل فى الوقت الراهن إلى اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية دون ربط ذلك بأية تنازلات إسرائيلية.
التنازلات الفلسطينية التى لا يمكن الرجوع عنها والسابقة لأوانها، فاقمت موقف المفاوض الفلسطينى وشجعت المفاوض الإسرائيلى على استثمار الموقف.
10- فجوة الثقة:
برغم إجراءات بناء الثقة فى بدايات العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلا أن معظم هذه الإجراءات لم يفضعمليا إلى تعميق الثقة بين أطراف العملية التفاوضية ذلك أن الإسرائيليين يعتقدون أن الدولة التى يطالب بها الفلسطينيون لن تقتصر حدودها على حدود عام 1967 بل قد تكون مقدمة للمطالبة بما هو أكثر من ذلك، من ناحية ثانية فإن هذه الدولة التى يطالب بها الفلسطينيون سوف تكون دولة معادية لإسرائيل وقد تكون كذلك قاعدة للإرهاب والتطرف، خلاصة الأمر أن الإسرائيليين لا يرون فى الدولة الفلسطينية نهاية المطالب الفلسطينية أو سقفاً لهذه المطالب بل قد تكون مقدمة لمطالبات أكثر من ذلك.
أما الفلسطينيون من ناحيتهم فإنهم يشكون فى عزم إسرائيل على تطبيق حل الدولتين فى الواقع برغم التصريحات والبيانات التى تؤكد على ذلك، ويعتقد الفلسطينيون أن إسرائيل تريد دولة مجزأة وأن إسرائيل تعتزم تقاسم الضفة الغربية معهم خاصة مع زيادة وتيرة الاستيطان وبناء الجدار العنصرى وغيره من الإجراءات الأحادية التى تقدم إسرائيل على تنفيذها غير عابئة بمواقف الأطراف الأخرى فى عملية السلام فلسطينية أو دولية.
11- استراتيجيات التفاوض:
تتبنى أطراف عملية التسوية استراتيجيات مختلفة للتفاوض ولا يجد هذا الاختلاف حلولاً فى مجرى عملية التفاوض كما لو كان المقصود منه وقف عملية التفاوض، فإسرائيل تتبنى استراتيجية تفاوضية تتأسس على إغراق المفاوض الفلسطينى فى التفاصيل والجزئيات وذلك بهدف تغييب المبادئ الحاكمة لعملية التسوية، من ناحية أخرى تحرص إسرائيل على التهرب من الاستحقاقات الزمنية أى ربط هذه الاستحقاقات بمواعيد وجدول زمنى محدد وذلك بهدف التهرب من التنفيذ والالتزام وانتظار ما يستجد من أحداث لاتخاذها ذريعة لوقف عملية التفاوض والبدء من نقطة الصفر.
وفى السياق ذاته تحرص إسرائيل على استمرار التفاوض من أجل التفاوض ذاته وليس من أجل حل المشكلات الحقيقية المثارة على جدول الأعمال، وذلك يعنى فى نهاية المطاف أن إسرائيل تحرص على استثمار التفاوض دعائياً وإعلامياً للقول بأنها تريد السلام ولكنها فى الواقع ترفض متطلبات واستحقاقات عملية السلام برمتها باستثناء ما يتطابق مع المفهوم الإسرائيلى للسلام والذى يتناقض مع متطلبات السلام كما يفهمه الطرف الفلسطينى والمجتمع الدولى.
بينما يحرص الفلسطينيون فى عملية التفاوض على تحديد الأسس والمبادئ والمرجعيات القانونية والسياسية التى تؤطر عملية التفاوض والدخول مباشرة فى صلب القضايا المطروحة عملياً على جدول الأعمال كما يبدى الجانب الفلسطينى فى التفاوض مرونة واضحة بعكس المفاوض الإسرائيلى الذى يظهر التشدد والتصلب فى مواقفه تحت ذرائع مختلفة.
يحرص الجانب الإسرائيلى على إطالة أمد العملية التفاوضية لأن ذلك يخدم استراتيجيته الواقعية فى التمدد داخل الأراضى الفلسطينية وإنشاء المستعمرات وتعزيز الأمر الواقع فى الأراضى المحتلة، بينما يعى الجانب الفلسطينى خطورة إطالة أمد وزمن المفاوضات على مستقبل الأراضى المحتلة التى تنشأ فوقها الدولة الفلسطينية ويعى الجانب الفلسطينى أن الزمن لصالح الأقوى فى الصراع.
كل ومجمل هذه العناصر المختلفة السابق التعرض لها، ذات تأثير واضح فى تعويق العملية التفاوضية، وتمارس هذا التأثير فى كل جولات التفاوض، بل ويعاد إنتاجها فى كل مرة وكأنها قدر هذه العملية التفاوضية، وربما يستمر ذلك حتى تحدث معجزة وتغير فى موازين القوى سياسياً أو عسكرياً أو وقوع ضغوط دولية كبيرة على إسرائيل لا تستطيع منها فكاكا إلا بالاستجابة لمتطلبات العملية السلمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.