القت الزيارة الأخيرة التى قام بها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لروسيا بظلالها على المشهد السياسى الدولى مؤخرا، ويقول السفير عزت سعد المدير التنفيذى للمجلس المصرى للشئون الخارجية لعله من بين أهم المكاسب التى حصل عليها أردوغان من زيارته لروسيا، هو إحياء مشروع إنشاء خط أنابيب «التيارات التركي»، الذى ينقل الغاز الروسى الى تركيا عبر البحر الأسود، والذى اتفقت على إنشائه تركياوروسيا خلال زيارة بوتين لأنقرة فى ديسمبر 2013. وبجانب هذا المشروع يخطط الروس لإنشاء خط أنابيب آخر لضخ الغاز الروسى لأوروبا عبر تركيا، إلا أنه لم يتم الشروع فى بناء هذا الخط حيث تسعى موسكو للحصول على ضمانات أوروبية قوية بشأنه . وفى هذا السياق، لابد من الإشارة الى أن دول الاتحاد الأوروبى منقسمة على نفسها بشأن تقليص الاعتماد على الغاز الروسى وتبنى استراتيجية موحدة فى هذا الشأن، وذلك بسبب تفاوت درجات اعتماد دول الاتحاد على الطاقة الروسية ( مابين 100% الى 5%). ومن ناحية أخرى أكد السفيرعزت سعد إن كانت روسيا قد نجحت قبل سنوات فى مد خط أنابيب ناقل للغاز الطبيعى من روسيا الى ألمانيا عبر بحر البلطيق (التيار الشمالي)، وذلك بعيدآ عن أوكرانيا التى تحصل على مليارات الدولارات من رسوم عبور الغاز الروسى من أراضيها لأوروبا . وحاولت روسيا بعد ذلك بناء خط أنابيب آخر لنقل الغاز الروسى الى بلغاريا وأوروبا عبر البحر الأسود متجاوزآ أوكرانيا( مايسمى بالتيار الجنوبي) . وقد اعترض الاتحاد الأوروبى على هذا المشروع عام 2014 فى سياق عقوبات فرضت على روسيا ارتباطآ بموقفها من أوكرانيا. وإزاء كل ذلك، اضطرت روسيا الى التفكير فى مد خط أنابيب ثان لألمانيا عبر بحرالبلطيق، وهو ماسيحول ألمانيا الى مجمع للغاز الطبيعى فى قلب أوروبا. وقد أعرب الكثير من مسئولى الطاقة فى الاتحاد الأوروبى عن معارضتهم للمشروع على أساس أنه سيقوض استراتيجية الاتحاد الأوروبى للطاقة. كذلك تعارض بولندا هذا المشروع بشدة، كما عارضت المشروع الأول، على أساس أنه يكرس احتكار روسيا للسوق الأوروبية ويخالف قواعد المنافسة كما سيتم استغلاله سياسيآ من قبل الكرملين والتخلص نهائيآ من أوكرانيا كدولة عبور للغاز الطبيعى الروسى ويعزز من هيمنة شركة «جازبروم» الروسية على سوق الغاز الطبيعى فى أوروبا. وفى التقدير فإن التعاون الروسي/ التركى فى مجال الغاز الطبيعي لن يؤثر سلبآ على إمكانات وفرص مصر فى هذا المجال، خاصة على الاكتشافات المبشرة فى شرق المتوسط من قبل شركة إينى الإيطالية وغيرها، ومن المهم الإشارة الى أن قطاع الغاز الطبيعى والنفط فى مصر مفتوح على مصراعيه للشركات الروسية للعمل والإستثمار فيه، وذلك منذ نحو 20 عامآ. وقد بدأت بعض الشركات الروسية بالفعل فى العمل فى مصر مثل شركة «لوك اويل» و«نوفا تك». ومن ناحية أخرى، قال السفير عزت سعد من المعروف أن مصر تقوم بالتنسيق مع كل من اليونان وقبرص بشأن الاكتشافات الجديدة فى المنطقة وفرص تصدير الفائض عن احتياجاتها للسوق الأوروبية . ومن جانبها تسعى الولاياتالمتحدةالأمريكية الى تشجيع قيام تحالف طاقة إقليمى يضم - بجانب الدول الثلاث - تركيا وإسرائيل. والواقع أن المضى قدمآ فى إنشاء منطقة صناعية روسية فى محور تنمية منطقة قناة السويس والانتهاء من مفاوضات إنشاء منطقة تجارة حرة بين مصر والاتحاد الاقتصادى الأوروآسيوي، بما لذلك من مردود إيجابى على ميزان التبادل التجارى وإنخراط روسيا بجدية فى تحديث عدد من المنشآت الصناعية التى أقيمت فى مصر إبان فترة الاتحاد السوفيتى وزيادة الاستثمارات الروسية فى مصر، بما فى ذلك فى قطاع السياحة، هى كلها خطوات مهمة يمكن أن توجد قاعدة مصالح اقتصادية مهمة بين البلدين تحصن الشراكة السياسية بينهما من أى هزات على غرار حادث سقوط الطائرة الروسية فى سيناء فى أكتوبر الماضى 2015. كما أن روسيا بصدد إنشاء محطة نووية (أربعة مفاعلات) لتوليد الطاقة الكهربائية ، فإن الأمر ذاته يجرى فى مصر وبنفس الشروط المالية تقريبآ(وقع عقد إنشاء المحطة مع تركيا عام 2013 بعد مفاوضات شاقة كما هو الحال مع مصر). وعلى حين تجمع مصر وروسيا شراكة استراتيجية مهمة ورفض قاطع للاسلام السياسي، ترسخ - بالنسبة لمصر - بعد تجربة الإخوان المسلمين الفاشلة فى مصر ومحاولتهم الاستئثار بالحكم وتقويض الأمن القومى المصرى لصالح أيديولوجية الجماعة، تتسم علاقة مصر بتركيا بالتنافسية، حيث ترفض القاهرة النموذج التركى الذى يسوق له أردوغان وموقفه المساند للإخوان ولحماس التى تسعى تركيا من خلاله الى تكريس دور لها فى غزة لخدمة طموح وتوجهات أردوغان التوسعية وهو مايمثل تحديآ لمصر. ورغم هذا التنافس السياسي، الا أن البلدين يتبنيان مقاربة واقعية بالنسبة للعلاقات الاقتصادية والتجارية، بينهما التى لم تتأثر - حتى الآن - بالتوترات السياسية . والخلاصة هى أن العلاقات بين الدول مسألة متغيرة تحكمها القاعدة الشهيرة بأنه لاتوجد صداقات دائمة أو عداوات دائمة، وإنما مصالح دائمة.